"قال لها يسوع: يا امرأة لماذا تبكين؟ من تطلبين؟
فظنت تلك أنه البستاني." (يوحنا 15:20)
كان الربيع قد أقبل، والربيع هو فصل الزهور
ووقت تغريد العصافير. وكان البستان جميلًا تنمو فيه
الورود الحمراء والبيضاء والصفراء، وتظلّله من كل
ناحية الأشجار ذات الأوراق الخضراء. وكان هذا
البستان يحوي القبر الذي دُفن فيه المسيح المصلوب.
كان الوقت قرب الفجر عندما اتّجهت "مريم المجدلية" إلى ذلك البستان، ووصلت إليه والسكون يسوده، واقتربت المرأة التي أحبت سيّدها الذي حرّرها من سبعة شياطين لتنظر القبر الذي دُفن فيه جسده الطهور. وفوجئت بأن رأت أن القبر الذي كان يحوي جسد المخلِّص - الذي أحبّته من قلبها - قبرًا فارغًا. ووقفت "مريم المجدلية" إلى جوار القبر الفارغ تبكي - والدموع هي لغة الحب - وفيما هي تبكي أحسّت بدافع يدفعها إلى الانحناء لترى داخل القبر... وإذا بها ترى ملاكَيْن بثياب بيض جالسَيْن واحدًا عند الرأس والآخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعًا... فقالا لها: "يا امرأة لماذا تبكين؟" وأجابت المجدلية: "إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه." وعندئذٍ جاء السيد الذي أحبّته وسألها قائلًا: "يا امرأة لماذا تبكين؟ من تطلبين؟ فظنت تلك أنه البستاني."
نعم، ظنت "المجدلية" أن الرب يسوع هو البستاني، وكان ظنها في مكانه؛ فيسوع هو البستاني الإلهي الذي زرع بنفسه بذرة الفداء، وروى بدمه تربة الغبراء، ورفع البشرية من الأرض السوداء لتتمتّع بالإيمان به بحياة السماء. وقد جاء "البستاني الإلهي" للمجدلية ومعه ثلاث زهور:
الزهرة الأولى "زهرة التبرير"
والزهرة الثانية "زهرة الانتصار"
والزهرة الثالثة "زهرة الخلود مع الأبرار"
زهرة التبرير
هذه زهرة بيضاء تستمدّ نقاءها من نقاء وطهر ذلك البستاني الإلهي، واسمها "زهرة التبرير" وهي الزهرة التي فقدها الإنسان الأول "آدم" في البستان الأول الذي كان اسمه "جنة عدن"، فجاء البستاني الإلهي ليضعها من جديد في بستان هذه الأرض. وقد قال بولس الرسول عن هذه الزهرة البيضاء، وعن الثمن الفادح الذي دفعه البستاني الإلهي ليزيّننا بها: "الذي أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا." (رومية 25:4) فيوم مات المسيح على الصليب حمل خطايانا في جسده ودفع أجرتها. "هو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا." (إشعياء 5:53) ولكنه عندما قام من بين الأموات، كانت قيامته تعني أن الآب قَبِل كفّارته، وبرّرنا من خطايانا، رغم أننا أخطأنا وعوّجنا المستقيم أمامه، لأن يسوع احتمل الحكم الصادر ضدها وسدّد عنّا أجرتها. ولقد رنم بولس الرسول بعد أن زَيّنَت حياته زهرة التبرير، فأوقفته بلا عيب أمام الله قائلًا: "فإذ قد تبرّرنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح." (رومية 1:5)
فهل جَمَّلْت حياتك بهذه الزهرة البيضاء؟ هل قَبِلت المسيح مخلّصًا شخصيًّا لنفسك؟ إن هذه الزهرة الغالية نبتت عند صليب المسيح، ونمت في بستان قيامته الظافرة.
زهرة الانتصار
زرع البستاني الإلهي ربنا يسوع المسيح زهرة ثانية، زهرة حمراء هي رمز النصرة التي اشتراها بالدماء. فلو لم يمت يسوع على الصليب لاستمرّ الموت مَلِكًا للأهوال، يملأ قلب كل إنسان بالخوف والرعب. لكن موت المسيح كسر شوكة الموت، وقيامة المسيح أعلنت هزيمته إلى الأبد. والمؤمن المغسول بدم الصليب يمكنه أن يردّد مع رسول الأمم: "أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتكِ يا هاوية؟ أما شوكة الموت فهي الخطية ولكن شكرًا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح." (1كورنثوس 55:15-57)
كان الموت "عقربًا" سامًا مرعبًا يخيف البشرية، وإذ بالرب يسوع يمسك بذلك العقرب، وينزع منه حمته، فيصبح عاجزًا عن لدغ المؤمنين بالمسيح، وصار طريقًا يوصّل المؤمن المغسول بـالدم إلى بـيـت الآب السماوي.
انتصر يسوع على الموت، وأكّدت قيامته نصرته. ونحن نبتهج ونفرح في ذكرى عيد القيامة لأننا نعرف أن البستاني الإلهي قد قام في ذلك اليوم. قام ظافرًا ناقضًا أوجاع الموت، وخرج من قبره وفي يده وردة حمراء هي رمز النصرة المخضّبة بالدماء.
هتفت الجماهير التي أضلّها رؤساؤها، يوم وقف يسوع أمام الوالي الروماني "بيلاطس"، تردّد هتافها المجنون: "أصلبه، أصلبه!" وصفّقت الشياطين لهزيمة ذاك الذي جاء ليجرّدها من سيادتها، واستطاع الموت أن يَفْردَ جناحَيْه لأنه أمات ذاك الذي أقام الموتى. لكن فجر الأحد أظهر قوة المسيح. تَحَطّم الختم الروماني ورفع الملاك الحجر الكبير الذي كان على باب القبر ليؤكّد أن المسيح ليس داخل ذلك القبر. لقد قام وخرج من القبر والقبر مُغلق، ودحرج الملاك الحجر عن القبر ليؤكّد أن المسيح قام كما قال. وقيامة المسيح هي مركز رجاء المؤمنين، فبعد أن ذكر بولس الفواجع التي كان يُمكن أن تحدث إن لم يكن المسيح قد قام، أنهى حديثه بالقول: "ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين." (1كورنثوس 20:15) فالمؤمنون لا يحزنون كالذين لا رجاء لهم. إنهم واثقون أنه حين يعود المسيح "الأموات في المسيح سيقومون أوّلًا. ثمّ نحن الأحياء الباقين سنُخْطف جميعًا معهم في السحب لمُلاقاة الرب في الهواء."
زهرة الخلود مع الأبرار
هذه الزهرة، زهرة ذهبيّة، قال عنها بولس الرسول: "يسوع الذي أَبْطل الموت وأنار لنا الحياة والخلود بواسطة الإنجيل." (2تيموثاوس 10:1)
قبل الصليب لم يكن هناك قنطرة يعبر عليها البشر إلى عالم الأبرار، ولكن بعد الصلب والقيامة، انفتحت أبواب الخلود. ومن هذه الأبواب ستدخل جحافل المؤمنين المغسولين بدم المسيح إلى سماء المجد.
قديمًا وحديثًا، وُجد أناس اعتقدوا بتناسخ الأرواح، وآمنوا أن الروح البشرية تعود بعد الموت فتَتَقَمّص قردًا، أو ثعلبًا، أو حية، أو إنسانًا. ووُجد أناس يؤمنون أن الموت هو نهاية الحياة، وأنه لا توجد حياة بعد الموت. لكن "يسوع" البستاني الإلهي أكّد بقيامته أن الموت ليس نهاية الحياة، وقال للّصّ الذي آمن به وهو على الصليب: "الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس." (لوقا 34:23) وبعد عودة المسيح إلى أرضنا سنتمتّع في الحالة الأبدية بالسماء الجديدة والأرض الجديدة.
وقبل أن أخْتَتِم هذا الحديث أقول: إن ذلك البستاني وقد جاء لنا بهذه الزهور، يأتي أيضًا ليأخذ بعض زهورنا من الأرض. فيأخذ طفلًا جميلًا، أو أبًا حنونًا أو أُمًّا عطوفة، أو خادمًا أمينًا؛ يقطف هذه الزهور أحيانًا قبل الأوان الذي نتوقّعه، لكي يضمّها إلى باقته الملآنة بالزهور الجميلة من كل الأمم والشعوب والقبائل والألسنة.
فيا نفسي لا تحزني، واذكري أن المسيح قام! وتزيّني بزهرة التبرير، ولا تخشي الموت إذ هناك زهرة الانتصار! وارتفعي فوق متاعب الحياة بالرجاء المبارك، فلكِ زهرة الخلود مع الأطهار! وإذا أخذ البستاني الإلهي بيده الكريمة زهرة جميلة من بيتك أو من بين أحبّائك، فاخضعي له يا نفسي فسوف تَرَيْن هذه الزهرة وتلتقي بها في ظلال الخلود.