Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخت أدما حبيبيالجزء الأول

"الله ميت! اكتبوا هذه العبارة بخط كبير على الورقة ووقِّعوا أسماءكم تحتها. فنحن لن نضيِّعَ وقتنا في هذا الفصل الدراسي لكي نُثبت أنَّ الله موجود، لأنَّها أسطورة."
هذا ما أمر به بروفسور الفلسفة جيفري راديسون Jeffery Radisson طلابه في جامعة Hadleigh بأن يفعلوا.

وحين بدأ الواحد منهم بعد الآخر بفعل ذلك، توقف الأستاذ عند الطالب جوش Josh الذي رفض قائلًا: كلّا، إن الله ليس ميتًا يا حضرة البروفسور، فهذه الجملة غير صحيحة، ولا أستطيع أن أكتبها على ورقة لأنها ضدّ إيماني الشخصي بالكليَّة.
وهنا ما كان من البروفسور إلاَّ أن حذّره من النتائج إذا لم يكتبْ هذه العبارة. ثم ما لبثَ أن تحدَّاه أمام الجميع وسأله إن كان مستعدًا أن يُثبت عكس ذلك. قَبِل جوش التحدِّي، فتابع البروفسور قائلًا: عليك أن تبرهنَ وفي ثلاث حصص متتالية أنَّ الله ليس ميتًا كما تدّعي. عندها سأل جوش الأستاذ وقال: ومَن تُراهُ سيكون الحَكَم؟ فأنت لن تحكمَ بشكلٍ موضوعي. أليس كذلك؟ إذن فلماذا لا يكون الطلاب جميعهم بمثابة هيئة المحلَّفين Jury، وطبعًا أنت هو المدَّعي، ولسوف آخذُ أنا مركز الدفاع في هذه القضية.
قَبِل الأستاذ بذلك ووعَد بأنه لن يقاطعَ الطالب أثناء محاضرته إلَّا القليل. وأضاف: لكن، لا تنسَ يا جوش أنَّ لديك فرصةً أخرى، فإذا تراجعت أو غيَّرت رأيك ووقَّعت الورقة المطلوبة، عندئذٍ ينتهي كلُّ شيء. اتفقنا؟ أجاب جوش: نعم.
وهنا بدأتْ، يا قارئي الكريم، هذه المناظرةُ المميَّزة، بناءً على الفيلم السينمائي الذي عُرِض في صالات السينما هنا في أميركا منذُ أكثر من سنة؛ من قِبَل إحدى الشركات المنتِجة وتُدعى Pure Flix والتي أنتجت العديد من الأفلام المسيحية المنوَّعة، والتي تتناول حقَّ الطلاب المؤمنين في المحافظة على حرية تعبيرهم وطرح آرائِهم. نالَ هذا الفيلم إعجابَ الكثير من الناس وأنا واحدة منهم. لذلك قررتُ أن أشاركَ به القراء، وأسلِّط الأضواء على فصول هذه المناظرة المثيرة فقط، مستثنيةً بذلك قصصًا جانبيةً أخرى مرافقة لأحداث الفيلم. فهيا بنا نتناول تطوُّر الوقائع معًا.
حدث حين التقى جوش صديقته الحميمة في الجامعة في صباح اليوم التالي، أنَّها صارحتْه برأيها مباشرة، وأوضحت له بأنَّها لا تريده أن يدخلَ في هذه المتاهات والتحدّيات، لأنَّ في هذا الرِّهان هدرًا لوقته ومجهوده، وقد يؤثّر أيضًا على مستقبل نجاحه. أمَّا جوش فأكَّد لها العكس، وأنه ثابتٌ في موقفه وأنَّه يشعر في داخله بأنَّ الله يريده أن يدافع عنه.
في حصَّته الأولى تكلم الأستاذ جيفري عن العديد من الفلاسفة الملحدين مثل برتراند راسل، فريديريك نيتشه، وجون ميل، وألبرت كومو. وسأل الطلاب عمّا إذا كانوا يعرفون بالضبط ما هو الشيء المشترك بين هؤلاء جميعًا. أجاب أحد الطلاب وقال: إنَّهم جميعًا أموات. فضجَّت القاعة بالضحك. أما البروفسور فاحتدَّ وقال: كلاَّ إنهم ليسوا بأموات، لأنَّ أفكارهم لا تزال قائمةً وتُدرَّسُ في مادة الفلسفة حتى الآن. هؤلاء جميعًا كانوا ملحدين، ويشكّون أنَّ هناك قوةً فائقة تحكمُ وتسيِّرُ الكون، فهذه ليست سوى أسطورة.
أما جوش، ومنذُ أن قَبِل الرِّهان، راح يفتش ويقرأ ويبحث ويستقرئ، وتوجَّه قبل بدء محاضرته الأولى إلى الكنيسة طالبًا إرشاد الله في كل خطوة من المناظرة، ليبرهنَ فيها عن حقيقة وجوده. وحين لمحَه راعي الكنيسة سألهُ إذا كان ينتظر أحدًا. قال جوش: يمكنُكَ قولُ ذلك، وأخبرَه بالرِّهان بينه وبين الأستاذ. فما كان من الراعي إلاَّ أن قال: إنَّ الصوت المنخفض في داخلك يا جوش، لن يُسرَّ أو يهدأ، إذا ما حذوتَ حذوَ باقي الطلاب الذين وقَّعوا على الورقة. فاقرأ يا ابني هذه الآيات في بشارة متى 19:10 "فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون، لأنكم تُعطَون في تلك الساعة ما تتكلمون به." وإذا لم تكن هذه تكفي، اقرأ أيضًا لوقا 9:12 "ومن أنكرني قدّام الناس، يُنكَر قدّام ملائكة الله." عندئذ قرِّر بنفسك. وعليك أن تقدِّم الحق ولا شيءَ غير الحق، ولا تكن معتمدًا على فهمك أو على ذكائك. سأصلي من أجلك. وبعد ذلك افترقا.
ومرةً أخرى يلتقي جوش بصديقته في حديقة الجامعة، وتعتذر منه على كلامها الفظّ سابقًا، وتؤكد له حبَّها من جديد. وتسأله فيما إذا كان متذكِّرًا ما هو تاريخ اليوم؟ فاجأها جوش وقال: أجل، ففي مثل هذا اليوم ومنذ ست سنوات التقينا لأول مرة، أليس كذلك؟ فقالت بسرور: نعم.وطلبت منه بأن يحتفلا في تلك الليلة. وحين هبَّ من مكانه على المقعد وقعت منه الكتب التي استعارها من المكتبة فجأة على الأرض. فعلمت للتوّ أنَّه لم يقتنع بكلامها بل إنَّه يستعد للمناظرة وهو ما زال مصرًّا على موقفه. فتشاجرا من جديد، وتركتْه ومضت.
والآن حان موعد المحاضرة الأولى، وافتتح البروفسور الحصة بهذه العبارات التي لم تخلُ من السخرية به: سيقوم الطالب جوش بتقديم ما لديه من أدلّة ليُثبت لنا بأنَّ هناك قوة، اسمُها الله، وهو ديكتاتور الكون. اعتلى جوش المِنبر بكل جرأة وابتدأ حواره قائلًا: يدّعي الملحدون بأنَّه لا أحدَ يستطيع أن يُثبت صحة وجود الله. وهذا صحيح. لكن يمكنني أنا أن أقول: ولا أحد أيضًا يستطيع أن يُثبت العكس أي عدم وجوده. والآن أنتم يا أترابي هم هيئةُ المحلَّفين، ويمكنكم أن تحكموا. سنضعُ الله في قفص الاتِّهام. لنأخذ مثلًا نظرية الانفجار الكوني Big Bang، الذي حصل قبل أكثر من ثلاثة عشر بليون سنة، هذه النظرية التي يؤمن بها معظم العلماء. ويفسر لنا Steven Wineberg وهو أحد الملحدين، كيفيةَ حصول ذلك ويقول بأنه في خلال دقائق معدودة من بعد هذا الانفجار، ظهر 98٪ من الكون إلى الوجود. لكن، لا ننسى أنَّه ولمدة ألفين وخمسمئة سنة كان العلماء يظنُّون مع أرسطو طاليس بأنَّ الكون موجود دائمًا لكن بحالةٍ مستقرّة، وهو ليس له بداية ولا نهاية. بالطبع، إن للكون بدايةً بحسب ما يقوله الكتاب المقدس. وثمَّ أكد العالم الفلكي البلجيكي جورج ليمير المؤمن المعروف، في العام 1920 أنه لا يمكن أن يظهر العالم إلى الوجود هكذا وبشكل سريع وبأقل من لحظات، إلا إذا سلّمنا أنَّه بكلمة قد أتى إلى الوجود. وهذا بالضبط ما حصل عند الخليقة حين أمر الله في سفر التكوين في الكتاب المقدس وقال: ليكن نور فكان نور. إذن يجب أن نسلّم أنَّ الكون قد ظَهر إلى الوجود بكلمة أمَر بها الله الخالق. وهنا يُثبت الكتاب المقدس صحة الخليقة بينما يفشل العلمُ في ذلك.
وفي عالمنا الواقعي الذي نعيش فيه لا يمكن أن نرى شيئًا يظهرُ إلى الوجود فجأةً من لا شيء. لكنَّ الملحدين يعتبرون أنَّ ما نجم عن الانفجار الكوني، أي وجود العالم، هو حالةٌ شاذة عن هذا القانون. حينئذٍ قاطعتْه إحدى الزميلات متسائلةً: في كتابه ريتشارد دوكن God’s Illusion، أي "وهم أو خديعة هي الله"، يقول: إذا كان الله هو خالق هذا الكون، فإذن لي كامل الحق أن أسأل: ومَن خلق الله؟ وهنا ردَّ جوش عليها وقال: نعم، إن سؤال ريتشارد دوكن هذا يكون منطقيًا بالفعل لو كان الله حقًا مخلوقًا، لكنَّ المسيحيين يؤمنون بأنَّ الله دائمُ الوجود. وحتى إذا أبعدْنا الله عن المعادلة لأمكنَنا أن نعكس السؤال فنقول: إذا كان هذا الكون المنظَّم قد خلق الإنسان، فمَن خلق هذا الكون المنظم يا تُرى؟! إذن نرى من هذا كلِّه أنَّ كلًا من الملحدين والمؤمنين ما زالوا يحاولون إيجاد البراهين القاطعة على ذلك لكن كلٌّ في منحاه ومن خلال منظوره. والآن إن كل ما نستطيع أن نؤكد عليه من هذا النقاش هو أنَّه إذا لم يكن الله موجودًا فعلًا فلسوف يكون من الصعب علينا إثباتُ كيف ظهر هذا الكونُ المنظَّم إلى الوجود!
عند ذاك علَّق البروفسور جيفري وقال: أرى أنك مسرور جدًا بأدائك هذا، لكن ماذا عن بروفسور الفيزياء في جامعة كامبردج في إنكلترا، Steven Hocking الذي لم يكن ملحدًا، فلماذا لم تتكلمْ عنه؟ يبدو أنَّك لم تعلم به يا جوش، أليس كذلك؟ على كل حال فإن البروفسور Hocking وصل إلى قناعةٍ تامة بأنّ الكون نظَّم نفسه بنفسه، إذ قال: "لأنَّ هناك قانونًا يسمّى الجاذبية فمعناه أن الكون قادرٌ على تكوين نفسه بنفسه. الخليقة العفَوية هي السبب بوجود شيء بدلًا من لا شيء. لماذا وُجِد الكون؟ لماذا وُجدنا نحن؟ فليس من الضروري أن نُدخل الله عنصرًا في الموضوع، لكي يوجَد هذا الكون." والآن كيف تفسِّر هذا القول؟!
ردّ جوش: لا أعلم.
ضحك بروفسور راديسون وقال: لقد وخزتُ بإبرتي الصغيرة بالونك المنفوخ فأطحتُ بكل حججِك وبراهينك الجدلية في الهواء، ها، ها! أما جوش فأكَّد أمام الطلاب بأنَّ قول هذا العالِم لم ولن يزعزعَ إيمانه قطّ. وهنا عاد البروفسور إلى أسلوب السخرية من طالبه قائلًا: نعم، إنَّ قولَ أعظمِ عالِمٍ في التاريخ، الذي جلس في مقعد السّير نيوتن، عن عدم الحاجة إلى الله لكي يظهرَ العالم إلى الوجود، لن يؤثّرَ على فكرِ طالبٍ جامعيٍّ مبتدئٍ مثل جوش. لأنك لا زلتَ تقول "لا، بل نحن بحاجة إلى منظّم للكون هو الله." والآن، أتطلَّعُ يا طالبي إلى المناظرة بفصلها الثاني في المرة القادمة حسبما اتفقنا. انتهت المحاضرة أيُّها الطلاب. نراكم في الحصة الثانية. انصراف.
بقية المناظرة تتبع في العدد القادم

المجموعة: نيسان (إبريل) 2016

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

136 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578770