سأل فيلسوف صديقه عن سبب فشله في نجاح ديانته الجديدة التي استهدفت دحر المسيحية ومحوها، ولماذا نجح المسيح في ديانته ورسالته؟ أجابه ببساطة: إن كنت تريد نجاح ديانتك وانتشارها فما عليك إلا أن تعيش كالمسيح وتموت كالمسيح وتقوم في اليوم الثالث. لذلك فإن فيلسوف المسيحية في أطروحته عن القيامة يصل إلى الحقيقة "ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين." (1كورنثوس 20:15)
إن باكورة الراقدين هي بداية الحصاد التي يتبعها جمع الحصاد كله في الوقت المناسب. ها هو بولس يعلق كل الإيمانيات والروحانيات في المسيحية بقيامة المسيح من الأموات، "فكيف يقول قوم بينكم أن ليس قيامة أموات؟" لقد أوضح رسول الأمم أهمية قيامة المسيح وكيفية القيامة من الأموات في1كورنثوس 15. بقي لنا أن ندرك أن كمالات من قام من الأموات هي أعظم حجة وبرهان لصحة القيامة.
أولًا، كمال صفاته: إن ما يُنسب للمسيح من صفات لا يمكن إلا أن ينسب لله وحده. "من منكم يبكتني على خطية؟" فالسموّ الأخلاقي في الكتاب المقدس مبنيّ على صفات الله بما يفوق المفاهيم الأخلاقية البشرية. "فيه كانت الحياة" إشارة للخلق، بل هو القيامة والحياة، أي أنه هو الحقيقة ذاتها وقادر على بعثها. إن موته وقيامته وعودته إلى الأرض جزء من الحقيقة الأساسية الكامنة في ألوهيته، فالمسيح في تجسّده لم يحدّه المكان أو الزمان. "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء." إنه المحبة المتجسّدة والأمل الوحيد للانتصار على الموت. "من آمن بي ولو مات فسيحيا." أجل! سيقوم المسيح بدور الديان عندما "يسمع الأموات صوت ابن الله، والسامعون يحيون." (يوحنا 22:5)، فالحياة تكمن في الإدراك الروحي والاعتراف بألوهيته "إلى أن ننتهي جميعًا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله. إلى إنسان كامل. إلى قياس قامة ملء المسيح." (أفسس 13:4)
ثانيًا، كمال فدائه: لقد "وجد (المسيح) فداء أبديًا." (عبرانيين 12:9) إن كلمة فداء تتضمن التحرير من العبودية، والخلاص من الأسر، ودفع فدية "دم المسيح"، وشراء يفوق كل ثمن.
لماذا إذًا يتألم البار من أجل الأثمة؟ لأن "من أجله الكل وبه الكل." إن "به الكل" أي العلة الأصلية للخلق، و "لأجله الكل" أي أنه قبل الخلق كان الترتيب الإلهي أن تكون الخليقة والعناية والفداء لأجل مجده لأنه واضع ناموس الطبيعة ونظام الكون لإتمام القصد من وجودها. كيف؟ "يكمِّل رئيس خلاصهم بالآلام" إيفاء للعدالة الإلهية إذ يحمل عنهم العقاب والألم "قد أُكمل." والنتيجة أن "يأتي بأبناء كثيرين إلى المجد." إن الآلام هي العلاقة بين الخلاص والمجد روحيًا لكي تكون "أثمن من الذهب الفاني." (1بطرس 5:1-7)
ثالثًا، كمال ذبيحته: لماذا قدّم المسيح "نفسه" ذبيحة؟ (عبرانيين 12:9-14) لأن قرابين وذبائح العهد القديم لا تكمّل العابدين من جهة الضمير لأنها مؤقتة "موضوعة إلى وقت الإصلاح." لقد جاء المسيح أيضًا "رئيس كهنة للخيرات العتيدة" إذ صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا،" وذلك بتجسّده وموته على الصليب، إذ "حمل بنفسه خطايانا في جسده على الخشبة." (1بطرس 2:24) إذن، هو الكاهن المقدِّم الذبيحة والذبيحة المقدَّمة ذاتها، و "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة." هنا نرى عند المذبح كاهنًا وذبيحة في شخصية واحدة عجيبة في اتحاد سري بين الطبيعتين. إن حقيقة القيامة بالذات ليست سرًّا لأنها تظهر في العهد القديم، ولكنْ حقيقةَ أنْ ليس الكل يموتون، وتغيّر القديسين عند رجوع الرب هما أمران لم يُعرَفا من قبل.
رابعًا، كمال كهنوته: يعتبر البعض أن اتضاع ابن الإنسان "المسيح" قلّل من شأنه لأنهم لا يرون البركات التي مصدرها الآلام والصلب:
1. إبادة إبليس: لقد أباد بالموت الذي له سلطان الموت، أي إبليس وَيُعْتِقَ الَّذِينَ هم تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ. من البديهي أن عدالة الله حتمت أن أجرة الخطية هي موت، وبموت المسيح لن يوجد من يطالب بدفع الجزاء مرتين.
2. التحرر من المجهول: إن المسيح أنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل، "وإذْ كُمِّلَ" هذا الكلام أي أجرى تكميله بالتجسد، تمم العمل الذي كان ضروريًا لتخليصنا. إن العمل الأساسي للكهنوت قد تم حتى نتقدَّم بثقة إلى عرش النعمة، لأن الكاهن الكامل أعدّ الحلّ النهائي لمشكلة الخطية. "فلو كان بالكهنوت اللاوي كمال... ماذا كانت الحاجة بعد إلى أن يقوم كاهن آخر؟" (عبرانيين 11:7)
3. التكفير عن الخطية: هنا المسيح بصفته رئيس كهنة كفّر (غطّى) خطايا الشعب الأمر الذي لم يستطع عمله أي رئيس كهنة آخر، إذ بذل نفسه طوعًا ذبيحة بلا خطية.
4. الانتصار على التجربة: إن الذين يجتازون في تجارب الحياة سواء تجارب خارجية أو ميول داخلية لهم "رسول اعترافنا ورئيس كهنتنا الأعظم" الذي تألّم مجرَّبًا يقدر أن يعين المجربين، ويمثِّلنا في يوم الدين "رحيمًا... أمينًا." لذلك، اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسُّوا قلوبكم "لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونًا فيه حينه (أي في الوقت الحرج الذي تجتازه)." (عبرانيين 11:7)
خامسًا، كمال تعليمه: هل فعلًا تنبأت أسفار العهد القديم بموت المسيح عن شعبه؟ نعم، وعن دفنه وقيامته وإلى أن يجيء (إشعياء 53، مزمور 16 و22). إي إن المحك في كل المسائل القانونية الخاصة بتعليم القيامة أيضًا هو كلمة الله. لذلك قال بولس: إن لم تكن قيامة أموات، فلا يكون المسيح قد قام، وباطلة كرازتنا، وباطل إيمانكم. إن حياة المسيح فينا هي عربون قيامتنا المباركة. فقيامة الأموات مستمدَّة من حقيقة قيامة المسيح (1كورنثوس 12:15-34). لذلك إن إنكار قيامة المسيح يخالف المنطق الكتابي وفلسفة التاريخ وحقيقة الخلود. كتب أ. كريستي موريسون رئيس أكاديمية العلوم في نيويورك عام 1947: أنا أؤمن بوجود الله لأن الناموس الذي لا يتبدّل والتناسق العجيب في عالمنا الفذّ والروعة الظاهرة في نظام الحياة تؤكد وجود الله، ولا يمكن أن يكون هذا الناموس قط وليد الصدفة.
يقول بولس الرسول: "إنني سلَّمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضًا،" (1كورنثوس 3:15) و "لم أقبله من عند إنسان... بل بإعلان يسوع." هذا يؤكد أن موت المسيح وقيامته قد عرفهما بولس، وآمن بهما بعد أن شهد بعينيه الظهور الواقعي الفعلي، إنه خلص بإنجيل القيامة.
سادسًا، كمال ملكه: "دُفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض... كل شيء دُفع إليّ من أبي... اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك، وأقاصي الأرض ملكًا لك." (متى 18:28 و27:11 ومزمور 8:2) بكلمة أخرى، "تعيّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة، بالقيامة من الأموات،" (رومية 4:1) فأُعطيَ سلطانًا ومجدًا وملكوتًا..." (دانيآل 14:7) لأنه "كلمة الله" أي ذات الله بالفكر والقدرة والقول، ليس لكيانه فقط بل لدوامه أيضًا "من آمن بي ولو مات فسيحيا، ومن كان حيًا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد."
كيف نرى المسيح "مكللًا بالمجد والكرامة... يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد؟" (عبرانيين 2:2) إنه ظهر إنسانًا وأناب عن الآخرين بمقتضى النعمة والقصد قبل الأزمنة الأزلية، فكيف يتم ملكه؟ "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور،" أي إنه الملك الأزلي وقيامته شهادة إنجيل الرجاء. "يجب أن يملك... يُبطِل الموت... يُخضِع كل شيء تحت قدميه." (مزمور 1:110 و 7:8)
في أيام اضطهاد المسيحيين الأُوَل، استشهد البعض بعد أن أعلنوا إيمانهم دون أن يعتمدوا، فتقدّم آخرون لملء الصفوف و"اعتمدوا من أجل" أو بدلًا من الأموات، كمن يملأ صفوف جيش يقاتل من أجل قضية ما (1كورنثوس 29:15). إن الهدف هو استمرار الكرازة. إذن، كيف يقوم الأموات؟ إنه سر إلهي أعلنه الإنجيل.
سابعًا، كمال خليقته: هل تشتهي أن ترى مجد الله؟ هذه كانت رغبة موسى (تثنية 24:4)، وما عبّر عنه بطرس في التجلي (متى 14:17)، وفيلبس (يوحنا 9:13)، اختبره قديمًا الكهنة في الهيكل (خروج 34:40-35)، وجدعون (قضاة 22:6-23)، ورآه الشعب القديم (خروج 9:24-11) بل إنه الله الذي "ظهر في الجسد،" و "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديدًا."
هل تودّ أن تقطع عهدًا جديدًا مع الله؟
قديمًا، كان دم الذبيحة يرشّ على المذبح للتطهير، ثم يخلط الدم المتبقّي بماء ويرشّ على الشعب للتطهير والتكفير عن الخطايا (لاويين 15:16، عبرانيين 24:12، 1بطرس 2:1)، ويرشّ أيضًا على كتاب العهد الذي كتبه موسى ووافق عليه الشعب "كل الأقوال التي تكلم بها الرب نفعل."
الآن، "بدمه غفران الخطايا." إن المسيح هو المسيا المنتظر والمنقذ من الضلال والمحرر من الخطية.