Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخ جوزيف عبدو

منذ أبدع الله خلق المسكونة، وأوجد الإنسان ليقطنها، سنَّ له شريعة للبقاء تقوم على منظومة الزرع والحصاد. "وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا." (تكوين 15:2)

 

 فقد كانت مهمة الإنسان الأولى هي أن يعمل الأرض التي أوجده الله فيها، لكي يستخلص منها كفاية قوته وأوَد حياته. وقد رتب الله بحكمته للزرع مواسم وللحصاد مواسم أخرى، وجعل في الزرع تعبًا ومشقّة وعناء، معلنًا بذلك عن عقابه لآدم ونسله بسبب خطيئة العصيان تعبيرًا عن عدله الكامل. كما جعل في الحصاد ثمرًا وشبعًا ومسرّة تعبيرًا عن رحمته الواسعة. فإذا ما حان موعد الزرع فإن على المرء أن يتهيّأ لإنجاز تلك المهمة في وقتها، فوضعُ البذور في التربة قبل ذلك الوقت يؤدي إلى تلفها، والتأخر في وضعها يؤدي إلى عدم حصولها على الوقت الكافي لنضجها وإثمارها. وبالمجمل "ليس الغارس شيئًا ولا الساقي ولكن الله الذي ينمي." (1كورنثوس 7:3)

في سفر المزامير يوجد خمسة عشر مزمورًا قصارًا تسمّى "ترانيم المصاعد"، وهذه العبارة تعني السَفَر والارتحال صعودًا إلى بيت الرب لتأدية العبادة والتسبيح، وهي تبدأ من المزمور 120 حتى المزمور 134. يقول كاتب المزمور 126 ما يلي: "الّذين يزْرعون بالدّموع يحْصدون بالابْتهاج. الذّاهب ذهابًا بالْبكاء حاملاً مبْذر الزّرْع، مجيئًا يجيء بالتّرنّم حاملاً حزمه." (العددان 5 و6)

ولقد استوحى المرنم عباراته من واقع الحياة، لكي يشير من خلالها إلى المعنى الروحي. ولأن مثال الزرع والحصاد مثال رائع لتشبيه الحياة نفسها بكل نواحيها، فقد استخدم الرب هذا المثال في مخاطبة شعبه بأنهم "غرس يده وحصاد بيدره." فقد زرعهم في الأرض لكي ينموا ويثمروا لمجده العظيم. وحياة الإيمان أيضًا زرع وحصاد، وكلٌّ يتم في ميعاده المحدد.

فيُجري الزرع في أوائل فصل الشتاء، حيث تهب في منطقة الشرق الأوسط رياح شرقية باردة جدًا، وحين يخرج الفلاحون لحراثة أرضهم ونثر البذور فيها، يتعرضون لتلك الرياح القاسية فتدمع عيونهم، وتتخدّر أيديهم، ولكنهم يمضون لمتابعة المهمة بكل جدٍّ وتصميم لأنهم ينتظرون الحصول على موسم وفير ينسيهم ذلك التعب! وعندما يحين وقت الحصاد، فهم يهبّون لجمع المحصول المرتقب!

وكذلك فإن المؤمن يواجه في حياة الزرع آلامًا ومشقّة بسبب أمور تحفر الجراح في النفوس، وتُدمع العيون، وتُدمي القلوب، ولكن أحب الجراح إلى النفس هي الجراح التي تشفي علة دفينة! فكم يوجد ملايين من الناس يتزاحمون على دخول غرف العمليات لأن الجراحة تستأصل داءً أشدّ خطرًا وأكثر فتكًا!

وأحيانًا يحزن البعض لذهاب زمن الشباب أو تدهور الصحة الجسدية، ولكن إن كان الشباب والصحة مستخدمان لفعل الخطية، فمن الأفضل زوالهما. يقول سليمان الحكيم: "تاج جمال: شيبة توجد في طريق البر." (أمثال 31:16)

وأحيانًا يسمح الرب بأن يتألم المؤمن لكي يحميه من ألم أشدّ. كان أحد الأطباء المرسلين ذاهبًا إلى أفريقيا بمهمة تبشيرية، ولكن وهو في طريقه بين الأدغال دخلت في عينه قصفة غصن شجرة يابس فأصبح أعور ولكم تألم وعاتب الرب الذي سمح بأن تصيبه هذه التجربة المرة، ولكن حين وصل إلى القبيلة التي كان ذاهبًا لتبشيرها اكتشف أن تلك القبيلة كانت من أكلة لحوم البشر ومن تقاليدها ألّا تأكل الإنسان الأعور، فكان ما أصابه سببًا في بقائه على قيد الحياة وربح للمسيح نفوسًا كثيرة.

وأحيانًا نحزن لخسارة المال. ولكن المال الذي نخسره يعلمنا درسًا لحياتنا الروحية كما يقول المثل: "لم يذهب من مالك ما وعظك."

 

أولاً: "الذين يزرعون بالدموع..." فتلك الدموع هي التي تروي زرعهم وتنمّيه، حيث يواجه المؤمن أحزانًا كثيرة في مسيرة دربه.

1- أحزان بسبب تهجمات الآخرين يطلقونها بمعرفة أو بدون معرفة.

2- أحزان بسبب شعور المؤمن بضياع جهوده سدى، وعدم رؤية الثمر.

3- أحزان بسبب الظلم والاضطهاد والشعور بخيبة الأمل.

لكن كلمة الله تعلمنا بأن جميع هذه الآلام والأحزان هي ربح "لأنّه قدْ وهب لكمْ لأجْل الْمسيح لا أنْ تؤْمنوا به فقطْ، بلْ أيْضًا أنْ تتألّموا لأجْله." (فيلبي 29:1) وأيضًا "أيّها الأحبّاء، لا تسْتغْربوا الْبلْوى الْمحْرقة الّتي بيْنكمْ حادثةٌ، لأجْل امْتحانكمْ، كأنّه أصابكمْ أمْرٌ غريبٌ، بلْ كما اشْتركْتمْ في آلام الْمسيح، افْرحوا لكيْ تفْرحوا في اسْتعْلان مجْده أيْضًا مبْتهجين." (1بطرس 12:4-13)

فهنالك دموع كثيرة تذرف، ودائمًا لا تحصل القيامة إلا بعد الموت، ولا يُعرف معنى الفرح إلا من اختبر الحزن، ولا قيمة للصحة إلا من اختبر المرض.

 

ثانيا: "يحصدون بالابتهاج..." لقد وعد الرب أنه سيرد سبينا ويعود فيرحمنا، فنصير مثل الحالمين! تمتلئ أفواهنا ضحكًا وألسنتنا ترنّمًا فنقول: "عظّم الرب العمل معنا، وصرنا فرحين." (مزمور 126) فما أعذب الراحة بعد العناء، وما أشهى الشبع من بعد الجوع!

 

1- الابتهاج بأعمال الله العظيمة: كنت في بلدي الأصلي موظفًا في مؤسسة حكومية، وكنت أحتفظ بمكتبي وتحت الزجاج الموضوع على المكتب، بصورة من مجلة تحكي عظمة أعمال الله في الكون، وقد كتبت تحتها الآية التي تقول: "ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت. ملآنة الأرض من غناك." (مزمور 24:104) فنحن نفرح حينما نتأمّل بأعمال الله في الكون ونبتهج على الأخص حينما نتأمل بأعمال الله في حياتنا.

 

2- الابتهاج بمراحم الله وإحساناته: يقول المرنّم: "بمراحم الرب أغني إلى الدهر. لدور فدور أخبر عن حقك بفمي." (مزمور 1:89) إن الذي لا يذكر إحسانات الرب ومراحمه هو إنسان جاحد! فسلطان الله في الخليقة واضح. يقول داود: "الرب صالح للكل، ومراحمه على كل أعماله." (مزمور 9:145) ويقول إرمياء النبي: "إنه من إحسانات الرب أننا لم نفنَ، لأن مراحمه لا تزول. هي جديدة في كل صباح. كثيرة أمانتك." (مراثي 22:3-23)

 

3- الابتهاج بخلاص الرب: لقد ورثنا "عبودية الفساد" بسبب عصيان أبوينا الأولين، ولكي يستعيد العبد حرّيته فلا بد له من فدية. ولقد قُدّمت هذه الفدية بموت المسيح الكفاري، وكل من يرفضها يبقى في عبودية مؤبدة. أما الذين يقبلون فداء المسيح فيبتهجون بالحرية! قال إشعياء النبي: "وَيُقَالُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: "هوذا هذا إلهنا. انْتظرْناه فخلّصنا. هذا هو الرّبّ انْتظرْناه. نبْتهج ونفْرح بخلاصه". (إشعياء 9:25) سيتضاعف هذا الفرح وتلك البهجة برؤية المسيح المخلص وجهًا لوجه كما يقول الرسول بطرس: "الّذي وإنْ لمْ تروْه تحبّونه. ذلك وإنْ كنْتمْ لا تروْنه الآن لكنْ تؤْمنون به، فتبْتهجون بفرحٍ لا ينْطق به ومجيدٍ." (1بطرس 8:1)

 

4- الابتهاج بالرب نفسه: فبصرف النظر عن خلاص الرب ومراحمه وأعماله العظيمة، فإن المؤمن الحقيقي هو من يجد بهجته وفرحه في الرب الذي خلقنا لنفسه، كما قال القديس أغسطينوس: "لقد خلقتنا لنفسك يا اَلله، ولا تجد نفوسنا الراحة إلا فيك." وإن أعظم وأسمى وعود الأبدية هو أن نكون هناك مع الرب الذي بدون وجوده لن تكون السماء سماء ولا النعيم نعيمًا!

عزيزي القارئ الكريم، إن كلمة الله الغنية مليئة بالتحذيرات والإرشادات المفيدة كقول الرسول بولس بالروح القدس: "لا تضلّوا! الله لا يشْمخ عليْه. فإنّ الّذي يزْرعه الإنْسان إيّاه يحْصد أيْضًا. لأنّ منْ يزْرع لجسده فمن الْجسد يحْصد فسادًا، ومنْ يزْرع للرّوح فمن الرّوح يحْصد حياةً أبديّةً. فلا نفْشلْ في عمل الْخيْر لأنّنا سنحْصد في وقْته إنْ كنّا لا نكلّ." (غلاطية 7:6-9) 

ومن الحكمة أن يسال كل عاقل نفسه هذه الأسئلة البسيطة: 

1- ماذا أزرع ولمن أزرعه؟ 

2- هل الهدف واضح أمامي أم لا؟ 

3- هل أنا أزرع في المواسم المرتبة من الله؟ 

4- هل أنتظر موعد الحصاد بثقة ورجاء؟ 

فإن للزرع مواسم وللحصاد مواعيد، والكل يتم ويجري بإرادة الله ومعونته، ولن يخيب المتكلون عليه! فلنصلّ إلى الرب كيلا يصاب زرعنا بالجفاف والذبول قبل موعد حصاده، ولا يصاب باللفح واليرقان أو الجراد والجردم. وحينئذ يتم فينا القول: "مجيئًا يجيء بالترنّم حاملاً حزمه." 

المجموعة: آب (أغسطس) 2016

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

186 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10541264