قد نمرّ سريعًا على كلمات تبدو عادية، بغير مغزى أو معنى عميق، ففي 1صموئيل 15:3 يقول: "واضطجع صموئيل إلى الصباح، وفتح أبواب بيت الرب." وعندما نقرأ أن صموئيل فتح أبواب بيت الرب، نتصوّر أنها مجرّد إضافة لا تعني كثيرًا. فما قيمة أن يفتح إنسان بابًا؟ هذا أمر عادي نعمله كل يوم بغير تفكير. ولعلّنا نتساءل: ولماذا إذًا يسجّله لنا الوحي؟ إذًا فلنرجع إلى الكتاب المقدس لنعرف القصة من أولها.
كان صموئيل صبيًا صغيرًا يعمل في الهيكل، ولم يكن قد سمع صوت الرب من قبل. وكانت كلمة الرب عزيزة في تلك الأيام – إلا أنه ذهب لينام بعد أن قضى فترة في الهيكل، وإذا به يسمع صوتًا يناديه باسمه، وظنّ أن المنادي هو عالي الكاهن، فذهب إليه قائلاً: "هأنذا لأنك دعوتني." وكرر هذا ثلاث مرات. وفي النهاية قال له عالي الكاهن: لست أنا الذي أدعوك. إن تكرَّر الصوت مرة أخرى، فإنه صوت الرب. فقل له: "تكلَّم يا ربّ فإن عبدك سامع." وهكذا صار. نادى الرب صموئيل، وحدّثه برسالة خطيرة عن عالي الكاهن وعن المملكة، وأعلن له عن إرادته وعن ذاته. وكان صموئيل في تلك الليلة محلّقًا في أجواء عليا. كان في شركة مع الله، يتحدث الرب بنفسه إليه. ثم يقول الكتاب: واضطجع صموئيل إلى الصباح. وفي الصباح فتح أبواب بيت الرب.
وهنا يذكرنا الوحي أن صموئيل الذي رأى هذه الرؤيا الجليلة، لم يأنف أن يقوم في صبيحة اليوم التالي، يؤدي عمله اليومي؛ يفتح أبواب بيت الرب، لأن هذا كان عمله. لم يقل صموئيل في نفسه: أنا سمعت صوت الله... قليل عليّ أن أفتح أبواب بيت الرب بنفسي... لا بد أن تكون لي مهمة أعظم من ذلك. لكن الرؤيا جعلته على العكس من ذلك. يقوم بواجبه أحسن قيام.
العمل بسيط عادي في حدّ ذاته، لكنه يحدثنا عن معان عميقة. يرينا اتجاه حياة عظيمة، ظهرت بوادرها منذ الطفولة... صفات أهّلته ليكون ذلك النبي العظيم. فبعد أن استمع إلى صوت الله القدير، عاد في صبيحة اليوم التالي يؤدي عمله اليومي العادي الذي قد يتأفف كثيرون من القيام به. إن أعمالاً صغيرة تبدو تافهة بغير معنى لغيرنا أو لأنفسنا، يمكن أن تعلن عن اتجاه حياتنا. لذا أرجو أن نكون مخلصين ومدققين في حياتنا، لنكتشف هذه الأعمال، ونتبين دلالتها. وعمل صموئيل كان عملاً له معناه، يستحق وقفة منا لنرى ماذا يحدثنا هذا العمل.
صموئيل رأى هذه الرؤية العظيمة وقام بهذا العمل اليدوي البسيط بعدها. هذا يرينا أن سموّ الاختبار الروحي لصموئيل لم يمنعه من القيام بواجباته اليومية العادية في الحياة. ولعلنا في ذلك اليوم الأخير، حين تنكشف السرائر، نتبيّن أن من أعظم الناس الذين كانوا في شركة مع الله ورأوا من الرؤى ما لم يره سواهم، كانوا يعملون أبسط الأعمال. كانوا بلا مركز اجتماعي على هذه الأرض... كان لهم مركز أسمى في السماء، وشتان بين سمو الرؤى وبين واجبات الحياة اليومية. دعونا لا نحكم على إنسان بدرجته العلمية أو بمركزه في الحياة. إن من يرى صموئيل في ذلك اليوم وهو يفتح أبواب الهيكل يقول: هذا بوّاب. عمله يدوي عادي، ولا يعلم أنه كان الوحيد في ذلك العصر الذي سمع صوت الله، والذي رأى ما لم يره سواه. سوف نكتشف في الحياة الآتية أن صلوات كان تُرفع لتحفظ هذا العالم من الدمار، من أناس يحتقرهم الذين حولهم، ولا يقدّرون عملهم أو مركزهم.
ثم إن هذه الرؤيا التي رآها صموئيل، كان ممكنًا أن تكون عائقًا لصموئيل في القيام بعمله اليدوي. لكنها، في الواقع، كانت دافعًا لأن يؤدي عمله بصورة أمجد. من الممكن جدًا أن يقول صموئيل: أنا الذي سمعت صوت الرب. أنا الذي أعلن لي الرب إرادته ولم يعلنها لعالي الكاهن مع كوني صبي صغير، لا يحق لي ولا يليق بي أن أقوم بهذا العمل. ينبغي أن أرتفع وآخذ مكان عالي. كثيرًا ما يحدث هذا مع الكثيرين منا. نجد شخصًا نال امتياز التجديد، ومن تلك اللحظة نجده يقضي وقته خارج البيت في اجتماعات صلاة وخدمات، ويهمل شركته البيتية وواجباته نحو أهله، لأنه يتصوّر، بحسن نية، أن شركته مع الله تتعارض مع القيام بواجباته البيتية العادية. دعونا نتذكر أن الرؤيا السماوية ينبغي أن تكون قوة دافعة لأن نقوم بالخدمة الأرضية، أحسن مما قمنا بها في الماضي. أنت عرفت المسيح؛ إذًا كن أبًا أفضل لأبنائك... كن زوجًا أرقّ على زوجتك مما كنتَ قبلاً. كن ابنًا أكثر طاعة مما كنت. كوني زوجة أكثر إخلاصًا وخضوعًا مما كنتِ. لنجعل الرؤيا السماوية دافعًا لنا لأن نؤدي أعمالنا الأرضية بصورة أفضل. لا نتهرّب منها ولا نتصوّر أننا أعلى وأعظم من أن نقوم بها.
دعونا نتمثّل بصموئيل ولا ننسى واجباتنا حين تغمرنا أفراحنا الروحية أو نتعمّق في الشركة مع الله.
كذلك يحدثنا صموئيل بعمله هذا، عن الحياة المسيحية الحقيقية. هناك أشخاص رؤى، يعيشون فوق مستوى هذا العالم ولا يتأثرون بنا. هم في علية مع الله فوق جبل التجلّي لا ينزلون إلى الوادي. إنهم رجال الرؤى! وهناك رجال حياتهم كلها عمل أرضي، لا يرتقون جبل التجلي، بل يمكثون في الوادي باستمرار! هؤلاء هم رجال الأخلاقيات. ولكن المسيحية خليط من الاثنين؛ هي أن نعتلي جبل التجلي لنستمع إلى صوت الله، ثم ننزل إلى الوادي لكي نحرر من قيّدهم إبليس. المسيحية هي أن ندخل إلى داخل في شركة مع المسيح، ثم نخرج إلى خارج لنحدّث كم صنع الرب بنا ورحمنا.
حين شفى المسيح مجنون كورة الجدريين طلب هذا المجنون بعد شفائه أن يرافق المسيح خارج الكورة، فأجابه المسيح: اذهب إلى بيتك وإلى أهلك وخبّر كم صنع الرب بك ورحمك. لا تجعل الرؤية تمنعك من أن تقوم بالخدمة الواجبة في بيتك. سهل علينا كثيرًا أن نكون مسيحيين خارج بيوتنا، لكن ما أصعب أن نكون مسيحيين داخلها. بعدما نلت خلاصًا وتجديدًا عدْ إلى بيتك، وكن فردًا أفضل في العائلة مما كنت من قبل، وخبّر كم صنع الرب بك ورحمك.
إن ما يبدو صغيرًا في الحياة، قد يدلّ على اتجاه الحياة كلها. جميل أن ترتبط حياتنا بأورشليم السماوية، وتتجه أنظارنا إلى المسيح الآتي ثانية لنعيش في المجد، ولكن علينا، في نفس الوقت، أن نتمم مسؤولياتنا على هذه الأرض بصورة أفضل.