Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخت أدما حبيبيزنبقتان تفتَّحتا كثغرَيْن باسمَيْن لناظرَيهما، في حديقة منزلي مؤخرًا. كانتا تزدانانِ باللون الأبيض الناصع ومحورهما باللون الأصفر. قلتُ عجبًا، ما هذا الجمالُ الأخّاذ! فعلًا لقد جمَّلتا المكان بوجودهما. زنبقتان مرفوعتا العنقَيْن بكل اعتزازٍ وفخر راحتا تتمايلان بدلَعٍ مع هبوب كل نسمة ريح، وكأنّي بهما تشكران رب السماء على الحياة الجديدة التي دبَّت فيهما تحت جنح الظلام. لا يسعُ الناظر إليهما إلا وأن يقف باندهاشٍ عظيم، معترفًا بأنَّ هناك انبعاثًا حقيقيًا يولدُ من رَحِم الأرض بعد معاناةِ الألم. نعم، وتحت جُنحِ الظلام تتجدَّد الأرضُ وتولِد حياةً مليئةً بالأمل والرجاء لأهلِها وسكانها فتبعثَ فيهم التفاؤلَ مع قدوم ربيعٍ جديد يجدِّد وجه الأرض كلِّها.

نعم، هكذا انبعثتْ أيضًا بُشرى القيامة من قلب القبر المظلم لُتطلَّ على الملا بثغرٍ باسمٍ مشرقٍ بهيج، حتى تعيدَ للإنسان الحياة، وتحيي قلب كلِّ يائسٍ وحزين، وتمنحه أملًا مستمرًا لا ينقطع مع إلهِ السماء والأرض. نعم، هي القيامة من بين الأموات لابن الله الرب يسوع المسيح، ولابن الإنسان في آنٍ واحد، المنتصر والغالب الذي دفع الثمن بدم نفسه. هو الذي قال: "الحق الحق أقول لكم: إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمُتْ فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير." (يوحنا 24:12) القيامة وحدها تهَبُ الإنسانَ حياة متجددة وربيعًا للنفس مليئًا بالعطاء والثمر. هذه هي الحياة المستمَدّة من انتصار ابن الإنسان على الموت، التي يبغي كلُّ متعبِّد وساجد صادق التعرُّفَ إليها والحصول عليها.
لهذا نجدُ أتباعَ الطريق الاثني عشر يقفون في يوم الخمسين ليؤكدوا لكل العابدين في أورشليم آنذاك، ويشهدوا بقوة الروح القدس الذي حلَّ عليهم من السماء، بأنَّ الأمور هي هكذا فعلًا، وأنَّ "يسوع الناصري رجلٌ قد تبرهن لكم من قِبَل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم، كما أنتم تعلمون. هذا أخذتموه مسلَّمًا بمشورة الله المحتومة وعِلْمه السابق، وبأيدي أثمةٍ صلبتموه، وقتلتموه. الذي أقامه الله ناقضًا أوجاع الموت، إذ لم يكن ممكِنًا أن يُمسك منه." (أعمال 22:2-24 و32-33) وكذلك أكّد تابعوه يومَها أنَّ يسوع "هذا أقامه الله (من بين الأموات)، ونحن جميعًا شهود لذلك. وإذ ارتفع بيمين الله، وأخذ موعد الروح القدس من الآب، سكب هذا الذي أنتم الآن تبصرونه وتسمعونه." حتى طفقوا يتكلمون وينطقون بقوة وجرأة دون خوف أو وجَل.
يومَها كنت أنا من بينِ الجمهور المتعبّد وسمعت كل هذا الكلام من أتباع الطريق، وعلِق في ذهني وفكري، واستولى على أحاسيسي ومشاعري إذ أثّر على نفسي وروحي، وانجذب له عقلي وحارت به أفكاري منذ الوهلة الأولى. لكنَّ بصيرتي انبهرَتْ بفعل قوة الروح المتكلم في هؤلاء. وهنا لم أستطع آنذاك إلا أن أخرَّ وأعترف بفمي مؤمنًا من كل قلبي بأنَّ كلامَ أتباع الطريق عن يسوع المسيح كان صحيحًا بالفعل، إذ برهنوا بكلماتهم الناريَّة وببراهينهم القاطعة تلك بأنه (هو) حقًا ابن الله المخلص، المسيا المنتظر الذي تكلَّمتْ عنه النبوءات في القديم وانطبقَت عليه الآيات، وقامت على يده المعجزات.
عندئذٍ، انضممتُ أنا (فيلبس) إلى أتباع الطريق أيضًا، وصرتُ واحدًا منهم، وكذا كثيرون آخرون فاقَ عددهم الثلاثة آلاف. أما جماعة المؤمنين في أورشليم فأضحتْ هي عائلتي وبيتي وكل ما أبتغيه. فعلًا لقد وجدت الطريق وها أنا أسير فيه غيرَ عابئٍ بما سيجري، فقوة الروح في داخلي تدفعني لأن أتكرَّس في نشر رسالة المعلم كباقي الأتباع والتلاميذ.
وفي أحد الأيام فيما كانت أعداد التلاميذ والتابعين تتكاثر، ثارت بلبلةٌ مفعمة بالتذمر على الأتباع، إذ حدث تغافل عن تقديم الخدمات اليومية وتسديد احتياجات النساء الأرامل اليونانيات. فارتأى الاثنا عشر حينذاك بأن يقوم جمهور التلاميذ بانتخابِ سبعة رجال مشهودًا لهم ومملوئين من الروح القدس والحكمة ليقوموا على تلبية هذه الحاجة. ووقع الاختيارُ على استفانوس وستة آخرين وكانوا جميعهم يتكلمون اليونانية، وكنت أنا فيلبس واحدًا منهم. فصلّوا ووضعوا علينا الأيادي. كلاّ لن أنسى ذلك اليوم الذي فيه أصبحْت شماسًا أخدم جماعةَ المؤمنين وأقدِّم كل ما في استطاعتي في سبيل تسديدِ حاجات الأرامل وعائلاتهم، وساعدتني وقتئذٍ لغتي اليونانية التي كنت أنطق بها وتثقفت بها. وراحت كلمة الله تمتد وتنتشر حتى إن جمهورًا كبيرًا من الكهنة أطاعوا الإيمان أيضًا.
لكن حدثَ ما لم يكن في الحسبان إذ تآمر رجال على استفانوس وشهدوا شهادة زور عنه يقولون فيها بأنه يتكلم بتجديف على موسى وعلى الله. وهاج الشعب والشيوخ والكتبة بعد أن فشل المجمع في مقاومة الحكمة والروح اللذين كانا يتصف بهما استفانوس. لكن استفانوس امتلأ بالروح وتكلم مدافعًا عن نفسه، وأخبر الجمع كله عن تاريخ أبيهم إبراهيم الذي كان خليل الله وموسى الذي صار كليمه وكيف تنبأ هو عن نبيٍّ مثله سيقيمه الرب إلههم، له يسمعون. وقال في ختام كلامه بأن آباءهم قتلوا الأنبياء أيضًا لأنهم تنبأوا عن مجيء البار الذي صاروا هم قاتليه وصالبيه. عندها حنقوا عليه وهجموا عليه. "وأما هو فشخص إلى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس... فقال: ‘ها أنا أنظر السماوات مفتوحة، وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله.’" عندئذ خلع الشهود ثيابهم عند رِجلَيْ شاب يُقال له شاول... وأخرجوه إلى خارج المدينة ورجموه حتى الموت. أما استفانوس فغفر لهم أفعالهم الشنيعة حين قال: "‘أيها الرب يسوع اقبل روحي.’ ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم: ’يا رب، لا تُقِم لهم هذه الخطية.‘ وإذ قال هذا رقد." (أعمال 8)
كان موت استفانوس الشاب الشهم والأمين، بمثابة فاجعةٍ عظيمة لجميع المؤمنين. فأقمنا له مناحةً عظيمة وصار هو أول الشهداء لأتباع الطريق إبَّان العصر المسيحي الأول. وحدث من بعده اضطهاد عظيم على كل الكنيسة فتشتَّت تابعو المسيح وجالوا مبشرين بالكلمة. أما أنا فانحدرْتُ عندها من أورشليم وتوجَّهتُ إلى السامرة ورحت أكرز لأهلها بالمسيح. أما الجموع فكانت تصغي بنفس واحدة. وأعطاني الروح أن أعمل عجائب وقوات عديدة. حتى إن الأرواح النجسة كانت تخرج صارخة بصوت عظيم. وشفي كثيرون من أمراضهم وأسقامهم وصار فرح عظيم يعمُّ الشعب هناك حتى شمل أيضًا سيمون الساحر الذي كان يُدهش شعب السامرة بسحره. هذا آمن واعتمد. لكن ثبتَ لي ولبطرس فيما بعد أن دوافعَه لم تكن سليمة إذ أراد أن يقتني موهبة الروح القدس بدراهمه. فوبّخه بطرس جدًا، لأنَّ قلبه كان غير مستقيم أمام الله. وحثَّه على التوبة الحقيقية والخروج من رباط الظلم الذي كان يقيّده.
وبينما نحن هناك، كلَّمني ملاك الرب بأن أذهب نحو الجنوب إلى الطريق المنحدرة إلى غزة التي هي برية. فقمت طائعًا لصوت الروح، وذهبتُ للحال إلى هناك. وإذا بي أرى رجلًا أسمر اللون يعبُر بعربة فخمة في وسط الصحراء، في طريق عودته من أورشليم بعدَ أن أدّى عبادته لله، متوجهِّا إلى الحبشة بلاده حيث كان وزيرًا لملكة كنداكة، وهو القائم على كل خزائن المملكة. وبينما هو جالس في مركبته لاحظتُ أنه كان يقرأ النبي إشعياء. ومرة أخرى أطعتُ الروح مرشدي، وسرتُ إلى جانب المركبة مرافقًا لها. وللحال سألتُ ذلك الحبشي فيما إذا كان يفهم بالحق ما كان يقرأ. ولمَّا علمتُ بأنه لم يكن يفهم وأنه بحاجة إلى مفسِّر، دعاني لأن أجلس معه. فصعدت إلى المركبة وجلست إلى جانبه. أما فصل الكتاب الذي كان يقرأه فكان هذا الذي يتكلم فيه النبي إشعياء ويقول: "مثل شاةٍ سيقَ إلى الذبح، ومثل خروف صامت أمام الذي يجزّه هكذا لم يفتح فاه. في تواضعه انتُزع قضاؤه، وجيله من يخبر به؟ لأن حياته تُنتزَع من الأرض." (أعمال 32:8-33) وهنا توقف الخصيُّ عن القراءة ووجَّه لي سؤاله قائلًا: عن مَن يقول النبي هذا؟ عن نفسه أم عن واحد آخر؟ فبدأتُ أفسّر له بأن النبي تكلم عن يسوع المسيح الذي سيأتي وسيتألم وسيُساق إلى الذبح (الموت) لأنه هو المزمع أن يحمل عقابَ خطايا البشر أجمعين، وهذا ما حصل فعلًا، عندما سيق إلى المحاكم وحُكم عليه من قبل شعبه وخاصته بأن يسلَّم للموت. لم يفتح فاه، بل ذهب إلى الصليب حاملًا عاره، ومات فوقه، وسال دمه لفداء الإنسان، كل إنسان من أبناء هذه البشرية. لا فرق بين يهودي وأممي. لكنَّه وبعد أن دُفن في القبر لم يبقَ هناك، بل أقامه الله غالبًا ومنتصرًا على الموت وإبليس، ليمنح الإنسان نصرة ويعتقه من سلطان الخطية. قام منتصرًا ليبعث فيه رجاءً وأملًا جديدًا، بحياة جديدة وعلاقة حية مع الله الآب هنا على الأرض وحياة أبدية في السماء بعد الموت. وكل من يؤمن به ينبغي أن يعتمد شهادة على إيمانه هذا، تمامًا كما أوصى المسيح تلاميذه وتابعيه. وآنئذ، إذ كنّا نجتاز بالمركبة أمام مكان فيه ماء، فطلب الخصي أن يعتمد. قلت: نعم، تستطيع إن كنت تؤمن من كل قلبك. فأجابني بالإيجاب قائلًا: أنا أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله. فنزلنا كلانا إلى الماء وعمّدته باسم الآب والابن والروح القدس. وذهب من بعدها إلى طريقه يعمُّه الفرح والأمل بحياة جديدة مصدرها ابن الله وابن الإنسان الذي قام منتصرًا على إبليس والموت.
أما أنا فعجيبٌ أمرُ الروح الذي يقودُني، لأننَّي وجدْتُ نفسي في مكانٍ آخر، يختلف عن الطريق الصحراوية، هناك في أشدود. نعم، أشدود. وبدأت أبشّر جميع المدن حتى أتيتُ إلى قيصرية.
نعم وانبلجَ الفجر الجديد وانبعثَ معه الأمل الأكيد. هذه هي بشارة السماء بمجيء المخلص قد اكتملتِ الآن بإتمام عمل الفداء، وبتحقيقِ الانتصار العظيم عن طريق القيامة المجيدة من رحمِ الموت والألم.

المجموعة: نيسان (إبريل) 2017

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

473 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577495