قال المسيح لتلاميذه ولنا: [قد كلّمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلامٌ. في العالم سيكون لكم ضيقٌ، ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم.] (يوحنا 33:16) ومع أن المسيح قال لنا ذلك صراحة وعلانية، إلا أننا حين نجتاز ضيقًا نتحيّر ونتساءل: أين هو؟ أتراه لا يهتمّ ولا يبالي؟ نحن نحتاج في فترات مثل هذه أن نتوقّف لنتعرّف ثانية ولنتذكّر من هو إلهنا. لنتذكر أن إلهنا يتحكّم في هذا العالم. نريد أن نتأمل في صفات هذا الإله العظيم الذي يتحكم. إنه إله يتحكم، ويهتم، ويفهم، ويقدر!
إلهنا يتحكم
إنه إله يتحكم في هذا العالم كله ويتحكم في الأزمنة كلها. في الماضي والحاضر والمستقبل. قال المسيح كما نقرأ في سفر الرؤيا أكثر من مرة: [أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية.] إنه يمسك بالعالم، وبالتاريخ من أوله إلى آخره. يتحكم في الماضي الذي فقدناه ولم يعد لنا عليه سلطان. لو جئنا بماضينا ووضعناه عند موطئ قدميه معترفين بخطايانا فهو يغفر كل خطايانا. لا يعود يذكرها فيما بعد، إنه يتحكم في ضعفات الماضي وعجزه ويبدّله إلى قوة.
يتحكّم في الحاضر حين نتصوّر أن هذه الأحداث من حولنا تحدث في غفلة منه. الله يتحكم في المستقبل لأنه الألف والياء. المستقبل في قبضة يده وهو ضامنه. إلهنا يتحكم في الحكام. أحيانًا يتصوّر الحكام أنهم يحكمون بالرغم من الله. هكذا تصوّر مثلاً أغسطس قيصر قبل ولادة المسيح، الذي أصدر أمرًا بأن يكتتب كل المسكونة. كان يتصوّر أنه يفعل ما يشاء بمن يشاء، ولم يكن يدري أنه إنما كان يتمم إرادة الله، وما كان هذا الأمر إلا لكي يولد المسيح في بيت لحم لكي تتم الكتب.
إلهنا يتحكم في الشيطان، نتصوّر أحيانًا أن الشيطان يفعل بنا كما يشاء لأن هذا العالم قد سقط ووضع في الشرير، ولأن رئيس هذا العالم اليوم هو الشيطان. إلهنا يتحكم في الشيطان وفي قوى الشر. حين قامت بابل تغزو وتسبي شعب الله، كان الله هو الذي يتحكم في قوى الشر. وكان هو الذي يستخدم هذه الدولة لإتمام إرادته.
إلهنا يهتم
إن إلهنا يهتم بكل فرد من أبنائه. يعرف كل واحد باسمه. حين تحدث المسيح عن لعازر الفقير الذي كان يجلس عند باب الغني لم يذكر اسمًا للغني. لقد ذكر اسم لعازر لأنه كان واحدًا من أبنائه. كان يهتم بعضو في جسده يعرفه باسمه. إن العالم يهتم بالأغنياء والأقوياء وأصحاب السلطان، لكن إلهنا لا ينظر إلى الوجوه بل إلى القلوب. إنه يهتم بأبنائه الذين وضعوا ثقتهم فيه. إنه يعرفك باسمك، يعرف مشاكلك وأتعابك، يعرف ما لا تعرفه أنت عن نفسك. الله يهتم بك كفرد: [الساكن في ستر العلي في ظلّ القدير يبيت...] (مزمور 91) إن المؤمن الذي لا يهتم به إنسان ولا يكترث به العالم، هو في نظر المسيح كحدقة عينه، نقش اسمه على صدره وعلى كفّيه.
نخاف أحيانًا ونقلق ونضطرب لأننا ننسى هذه الحقيقة. إن لنا إلهًا يهتم بكل فرد فينا. قال المسيح: [لذلك أقول لكم: لا تهتمّوا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست الحياة أفضل من الطّعام، والجسد أفضل من اللّباس؟] (متى 25:6) لقد قال: إن شعور رؤوسكم محصاة. أحيانًا نتصوّر أن هيرودس هو الذي يقتلنا أو إن الأمراض هي التي تميتنا، لكن في الواقع إن المسيح يتحكم في كل شيء ويهتم بنا.
إلهنا يفهم
في بعض الأحيان نتصوّر أن إلهنا في حيرة مثلنا، وأنه حين تحدث أمور غريبة فهي تكون أيضًا غريبة بالنسبة إليه. نحن نتعامل مع الله أحيانًا على أنه إنسان مثلنا، لكن دعونا نتذكر أنه هو الله. ما من شيء يحدث في هذا العالم إلا ويعرفه. لا شيئًا يمكن أن يصدمه أو يحيّره. إنه يفهم ويعرف كل ما يدور في قلبك وفكرك. هو يعرف كيف يتصرّف. قد نتصوّر أحيانًا أن الصلاة هي فترة نعلّم فيها الله كيف يستجيب الصلاة، لأننا نظنّ أن الله لا يفهم. قد نصلي مثلاً ونقول: يا رب، أنت تعلم أن هناك أزمة مالية أجتازها. اجعل المدير يعطيني علاوة، أو أقنع قريبي الغني بإرسال مساعدة لي. نحن نحاول أن نعلّم الله كيف يستجيب الصلاة لأننا لا نؤمن بأن إلهنا إله يفهم وإله قدير يعرف.
الصلاة ليست فرصة نعلّم فيها الله، لكنها فرصة لكي نخضع فيها لله. نحن نعلم الله بطلباتنا وهو كفيل بأن يتصرف.
إلهنا يقدر
لو كان إلهنا يفهم لكنه لا يقدر على الحل، ما كان إلهًا قادرًا وما كان إلهًا نستطيع أن نطمئن إليه. إن إلهنا المحب قادر، وإلهنا العطوف هو صاحب كل سلطان. دعونا نتذكر كيف كان معنا في الماضي وأخرجنا من أزمات ظننا أننا لن نخرج منها. دعونا نذكر كيف أن إلهنا هو إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. هو الإله الذي شقّ طريقًا في البحر الأحمر. هو الإله الذي عبّر الشعب في نهر الأردنّ. هو الإله القادر على كل شيء.
النتيجة
إن إلهنا يتحكم ويهتم ويفهم ويقدر، ما هي نتيجة هذا كله؟
إذا كان الأمر كذلك فإن الآلام لا تدوم، والموت لا يخيفنا. الشهرة ليست هي هدفنا، والثبات سلاحنا، والرجاء أمامنا. الآلام لا تدوم لأن إلهنا يتحكم. إن مشكلة الألم ليست في حدة الألم بل في طولها. مشكلة الجحيم ليست في شدة وحدّة الألم بل في أنها تدوم إلى ما لا نهاية. كل الآلام التي نجتاز فيها يمكننا التغلّب عليها إذا عرفنا أنها لن تدوم لأن إلهنا يتحكم. الله يتدخل في الوقت المناسب في الهزيع الرابع، ويرفع هذه الآلام. إنه في كل ضيقنا يتضايق، ويعرف آلامنا، بل هو يتألم معنا، ولذلك فلن يسمح باستمرار الألم.
إن كنا نؤمن بإلهنا الحقيقي، لنذكر ما يقوله الرسول بولس في رومية 8:14 [لأنّنا إن عشنا فللرّبّ نعيش، وإن متنا فللرّبّ نموت. فإن عشنا وإن متنا فللرّبّ نحن.] الموت لا يخيفنا لأن المسيح قد نزع شوكة الموت. لأن شوكة الموت هي الخطية التي بسببها نموت. هذه الخطية سمرها المسيح على الصليب وصار الموت عاجزًا عن أن يخيفنا، بل هو ينقلنا إلى شركة أعمق مع المسيح.
هدفنا أن نكون مقبولين عند الله، وقد قبلنا في شخص المسيح وصرنا أعضاء في جسده. لا يهمنا أن يقول الناس عنا حسنًا أو يسخرون منا، بل أن نكون مزكّين ومقبولين عند الله.
إننا ملكٌ لله، وهو الإله القدير المتحكم الذي يهتم. مهمته أن يدافع عن ممتلكاته وليست هذه مهمتنا. إن عرفنا أننا لا نملك شيئًا في هذه الحياة لأننا وكلاء فبالتالي لن نخسر شيئًا. نحن لا نملك شيئًا لكننا نملك المسيح! هو يمتلكنا، وهو المسؤول عن الدفاع عنا! [إذًا يا إخوتي الأحبّاء، كونوا راسخين، غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرّبّ كلّ حينٍ، عالمين أنّ تعبكم ليس باطلاً في الرّبّ.] (1كورنثوس 58:15)
لقد قال لنا المسيح: إن رحلة هذه الأرض ستكون مؤلمة. ادخلوا من الباب الضيق. ما أضيق الباب وما أكرب الطريق المؤدي إلى الحياة. [في العالم سيكون لكم ضيق. لكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم.] إن المسيحي يعرف نهاية الطريق من بدايته. يعرف قبل أن يدخل المعركة أن النصرة له، لا لأننا نستحق أو نقدر بل لأن إلهنا قادر.