توقفت عند العدد 18 من سفر العدد أصحاح 3، عند اسمَي لِبني وشمعي. لِبني يعني نقي، وشمعي يعني الله يسمع. وحاولت أن أربط بين المعنيَين، فقادني روح الله إلى هذا العنوان: "الله يسمع للأنقياء." وليس معنى هذا أن الله يسمع فقط للأنقياء، ولكنه يسمع أيضًا ما يتفوّه به الأشرار.
وما أكبر الفرق بين هذين الأمرين! إنه يسمع للأنقياء اهتمامًا بهم وبشؤونهم، ولكنه يسمع كلام الأشرار ليدوّنه في أسفارهم التي ستُفتح يومًا ويُدان كل واحد كما هو مكتوب في سفره. وعندما أتذكر ما كان يسمعه الرب مني قبل التجديد ينتابني شعور بالخجل، لأنه كان يسمع مني كلمات الشتم والسباب والحلف والنميمة وترديد كلمات الأغاني غير اللائقة، وكلمات إهانة للذات الإلهية، ولكن ينتابني شعور آخر بالفرح والفخر لأن الرب يسوع أخذ خطاياي وطرحها في أعماق البحر، ولن يعود يذكرها. وسأتحدث لحضراتكم عن "الله يسمع للأنقياء" في عبارتين:
أولاً: حياة نقية
ولكي نتعرف على هذه الحياة النقية، لا بد أن نمرّ في ثلاثة أمور:
1- تبصير وتنوير: يبصرنا الكتاب المقدس بحقيقة الإنسان. لقد خلق الإنسان على صورة الله في البر وقداسة الحق، ولكن بسقوطه:
أ- تنجس قلبه: "ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض وأن تصوّر أفكار قلبه إنما هو شرير في كل يوم." "القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس، من يعرفه؟ أَنَا الرَّبُّ فَاحِصُ الْقَلْبِ مُخْتَبِرُ الْكُلَى."
ب- تنجس لسانه: "جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ."
ج- تنجست عيناه: "وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا."
ويبصرنا الكتاب أيضًا بقداسة الله المطلقة. فهو يكره الخطية. إن كان يحب الخاطئ لكنه يكره الخطية، لذلك طرد آدم وحواء من الجنة وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلّب لحراسة طريق شجرة الحياة.
2- تنقية وتطهير: هل الإنسان الذي تنجس كليًا يمكنه أن يتطهَّر ويتنقّى؟ نعم، النعمة تغيّره وتنقّيه، وتطهره. النعمة لا تصلح الفاسد، ولكن تغيره وتجعله خليقة جديدة. "وأعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم." النعمة تخلص وتغيّر جميع الناس. "لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ، لِجَمِيعِ النَّاسِ." لقد غيّرت زكا من الإنسان الظالم القاسي السارق إلى إنسان آخر. يعطي نصف أمواله للمساكين، ويرد لكل من وشى به أربعة أضعاف. وغيّرت السامرية من امرأة تدعو الناس لفعل الشر إلى امرأة تدعو الناس ليأتوا إلى يسوع. غيّرت شاول القاتل السفاح إلى بولس الخادم الأمين للرب. لقد غيّرتني - أنا كاتب هذه الكلمات - وجعلتني في المسيح خليقة جديدة.
3- عوامل التغيير
أ- الدم "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا." صرنا قريبين بالدم بعد أن كنا بعيدين. "بدم نفسه، دخل مرة واحدة إلى الأقداس، فوجد فداء أبديًا." بدون الدم لا تغيير ولا تنقية ولا تطهير.
ب- الكلمة: يقول الرب يسوع: "أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به." "يكلمك كلامًا به تخلص."
ج- النار: يقول الوحي المقدس: "إذا غسل السيد قذر بنات صهيون، ونقّى دم أورشليم من وسطها بروح القضاء وبروح الإحراق." وعندما صرخ إشعياء: ويل لي لأني هلكت... طار إليه واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح ومس بها فمه وقال له "هذه قد مست شفتيك فانتزع إثمك وكفّر عن خطيتك." الفضة والذهب يتنقّين بالنار – قد تكون هذه النيران نيران الضيق. "ولما تضايق طلب وجه الرب إلهه." "وأضيّق عليهم لكي يشعروا."
ثانيا: حقيقة يقينية
قلت إن شمعي كلمة عبرية تعني "الله يسمع" وهذه حقيقة مؤكدة.
1- يسمع بكاءنا وصراخنا: يقول داود: "ابعدوا عني يا جميع فاعلي الإثم، لأن الرب قد سمع صوت بكائي." يسمع إن بكينا في صمت كما يسمع لو نحنا بصوت عالٍ. قال الرب لموسى: "سمعت صراخهم من أجل مسخريهم. "انتظارًا انتظرت الرب، فمال إليّ وسمع صراخي." سمع صرخات تلاميذه عندما هاجت على سفينتهم الرياح والأعاصير. وجاء إليهم ماشيًا على البحر. صرخ الأعمى عندما عرف أن يسوع مجتاز قائلاً: "يا يسوع ابن داود ارحمني." وبالرغم من انتهار الجمع طالبين منه أن يسكت إلا أنه صرخ أكثر كثيرًا. فوقف يسوع وأمر أن ينادى... وفتح عينيه.
2- يسمع أنيننا وتنهداتنا: تقول كلمة الله: "فسمع الله أنينهم"، فندم الله من أجل أنينهم. تنهد المؤمنون على الرجاسات المصنوعة في أورشليم وسمع الله أنينهم فوضع سمة على جباههم وطلب من الملائكة المهلكة أن لا يقربوا من إنسان عليهم السمة... قد تئن ومن معك في البيت لا يسمعون أنينك ولكن اعلم أن الرب قد سمع لك.
3- يسمع صلاتنا وتضرعاتنا: "يا سامع الصلاة إليك يأتي كل بشر." إن الصلاة في المسيحية ليست فرضًا أو واجبًا ينبغي أن نؤديه، ولكنها امتياز وشرف. يكفي أنك تنال شرف الحديث مع الرب. الرب وعد باستجابة الصلاة. "اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يُفتح لكم."
سألني شخص قائلاً: إن كانت الصلاة لا تغيّر مشيئة الله، فلماذا نصلي؟ فقلت له: إن الصلاة تغير مشيئة الله – أوقفت الشمس والقمر، وأرجعت ظل الدرجات، ولكن أقول لك حتى لو كانت الصلاة لا تغيّر مشيئة الله فيكفي شرفًا أن نتحدث إلى ملك الملوك ورب الأرباب.
وقلت له: هل من الأفضل أن تتم مشيئة الله وأنا أصلي أم غير ذلك؟ أنا شخصيًا أفضل أن تتم مشيئة الله وأنا أصلّي.
وقال لي: افرض أن اثنين من المؤمنين صليا من أجل أمرين متناقضين؟
فقلت له: أنا وأنت نحتار، لكن الله يستطيع أن يجيب الاثنين بطريقة حكيمة.
4- يسمع حمدنا وتشكراتنا: آسف أن أقول إن طلباتنا في الصلاة أكثر من تشكراتنا. المفروض أن تكثر تشكراتنا عن طلباتنا.
ذهبت لزيارة أحد خدام الرب الأتقياء وعلمت من زوجته أنه في مخدع الصلاة. فدخلت إليه وسمعت صلاته يقول فيها: لك كل الشكر والحمد، ويرددها عشرات المرات. بعد الصلاة قلت له:
"دي صلاة خالية من أي طلب وكأنك لا تحتاج إلى شيء."
فقال: "يجب أن تكون تشكراتنا أكثر من طلباتنا." فتعلمت هذا الدرس الرائع!
"لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتُعلم طلباتكم لدى الله."
"اشكروا في كل شيء لأن هذه هي مشيئة الله من جهتكم."
الله يسمع للأنقياء، الرب يسمع عندما أدعوه.