قيل إن الذي يولد مرة واحدة يموت مرتين.. يموت الموت الجسدي وهو انفصال الروح عن الجسد، ويموت الموت الأبدي وهو انفصال الإنسان كله إلى الأبد عن الله.
أما الذي يولد ميلادًا ثانيًا، فإنه يموت مرة واحدة، ويقوم ليحيا إلى الأبد في رحاب الله.
فالمصير الأبدي للإنسان الذي آمن بأن يسوع هو ابن الله، وبهذا الإيمان وُلد ثانية وانتقل من الموت إلى الحياة، هو الحياة الأبدية مع الله.
إذا سألت الإنسان الطبيعي: أين ستذهب بعد الموت؟ يجيبك: الله أعلم... فالإنسان الطبيعي ليس عنده اليقين بالحياة الأبدية.. ويجهل تمامًا مصيره الأبدي. أما الإنسان المولود من الله فهو متيقّن كل اليقين أنه سيقضي أبديته مع الله مبتهجًا بالنظر إلى جلال وجهه.
وحديثي في هذه الرسالة سيدور حول السماء الجديدة والأرض الجديدة أو بعبارة أخرى حول المسكن الأبدي للمؤمنين بيسوع المسيح ابن الله.
نحن سكان الأرض مشغولون بالأرض وما على الأرض. مشغولون بالإعداد لمستقبلنا في الأرض إذا كنا في سن الشباب، ومشغولون بحياتنا الزوجية وتربية أولادنا وبناتنا، وبزواج أولادنا وبناتنا. نريد أن يرتفع رصيدنا في البنك إلى أكبر قدر ممكن. نريد أن نملك بيتًا وسيارة. ونريد لو كان ذلك في وسعنا أن نحيا إلى الأبد على الأرض، ولذلك فما أقلّ ما نفكر في السماء أو نتحدث عنها، بل الواقع أننا لا نفكر في الأبدية إلا عند موت حبيب، أو في جنازة قريب، عدا ذلك فإن اهتماماتنا وأحاديثنا اليومية تدور حول التفاهات، حول الأكل والشرب والملابس والأخبار العالمية، والجو في الصيف والشتاء.
لكن أيامنا تُقرض سريعًا، وتنتهي سنوات الشباب لتأتي بعدها سنوات الشيخوخة ويعلو الرأس المشيب، ويخط الزمن بيده القاسية التجاعيد على وجوهنا، والبصر الحاد يضعف عن الرؤية الواضحة، ونستيقظ فجأة لنواجه الحقيقة التي نسيناها أو تناسيناها، وهي أنه "لا بدّ أن نموت." (2صموئيل 14:14)
وكل فرد وُلد على هذه الأرض مصيره في الآخرة أحد مكانين: السماء الجديدة والأرض الجديدة للمؤمنين المغسولين بدم المسيح الكريم، أو بحيرة النار للذين تلذّذوا بحياة الخطية، ورفضوا خلاص الله.
من واجبك إذا كنت حكيمًا أن تفكر في مصيرك بعد الموت وأن تبحث بإخلاص عن الطريق الصحيح الذي يعطيك اليقين بالحياة الأبدية في رحاب الله.
الدين الذي لا يعطيك اليقين التام بأنك ستذهب بعد القيامة إلى الحياة مع الله، دين بشري ليس من وحي الله.
قال يسوع وهو الصادق الأمين: "الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّ من يسمع كلامي ويؤمن بالّذي أرسلني فله حياةٌ أبديّةٌ، ولا يأتي إلى دينونةٍ، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة."
خمس حقائق تلمع أمامنا في هذه الكلمات الثمينة:
أولًا: ضرورة سماع كلام المسيح
وكلام المسيح ورد في بشائر العهد الجديد وعليك أن تقرأها: بشارة متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا وكلها في حقيقة الأمر بشارة واحدة تقدم المسيح في كمال شخصه الكريم. فبشارة متى تقدّم المسيح الملك، وبشارة مرقس تقدّم المسيح العبد، وبشارة لوقا تقدّم المسيح الإنسان الكامل المعصوم عن الخطأ والزلل، وبشارة يوحنا تقدّم المسيح ابن الله الأزلي. والبشائر الأربعة تسجل حقيقة صلب المسيح، وهذه الحقيقة هي قلب إنجيل يسوع المسيح.
ثانيًا: ضرورة الإيمان بالآب الذي أرسل الابن. "ويؤمن بالذي أرسلني."
ثالثًا: اليقين الكامل بأن للمؤمن حياة أبدية. "فله حياة أبدية."
رابعًا: هي نجاة المؤمن نجاة تامة من الدينونة، أي من يوم الحساب والعقاب.
"ولا يأتي إلى دينونة."
خامسًا: هي الانتقال النهائي من حالة الموت إلى الحياة. وهذا يشمل الموت الروحي بالذنوب والخطايا، والموت الأبدي بالانفصال الأبدي عن الله. "بل قد انتقل من الموت إلى الحياة." لا تعطِ لنفسك راحة قبل أن تنال هذا اليقين.
والآن ما وصفُ هذا المكان البهي، الذي سيقضي المؤمنون بيسوع أبديتهم فيه؟ ولنقل: ماذا سنرى في السماء الجديدة والأرض الجديدة؟
الكتاب المقدس لم يقدّم لنا صورة إيجابية عما سنراه في السماء لأن "ما لم ترَ عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الله للذين يحبونه." (1كورنثوس 9:2)
وليس في قواميس اللغات البشرية كلمات يمكن أن تعبّر عما سنراه هناك. كل ما نقرأه عن السماء الجديدة والأرض الجديدة جاء في هذا الوصف:
1- إن الخطاة والآثمين لا وجود لهم هناك
"وأمّا الخائفون (وهم الذين بسبب خوفهم من الناس والاضطهاد رفضوا الإيمان بالمسيح وهم أيضًا الذين ساد عليهم روح العبودية والخوف) وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي." (رؤيا 8:21)
تصوّر مدينة خالية تمامًا من المجرمين، والمغتصبين! مدينة تسير فيها ليلًا ونهارًا بلا خوف! هذا هو مستقبل المفديين بدم يسوع.
2- لا وجود هناك للموت أو المرض أو الحزن أو الدموع
"ثمّ رأيت سماءً جديدةً وأرضًا جديدةً، لأنّ السّماء الأولى والأرض الأولى مضتا، والبحر لا يوجد في ما بعد." (رؤيا 4:21)
"والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزنٌ ولا صراخٌ ولا وجعٌ في ما بعد. وسيمسح الله كلّ دمعةٍ من عيونهم." (رؤيا 4:21)
ولن يكون هناك ليل "لأنّ ليلًا لا يكون هناك." (رؤيا 25:21) ولن تكون هناك لعنة "ولا تكون لعنةٌ ما في ما بعد." (رؤيا 3:22)
3- ستكون السماء الجديدة مكان المعرفة الكاملة
هنا في حياتنا الأرضية تواجهنا أمور لا نستطيع لها تفسيرًا، لكن هناك سنعرف معرفة كاملة.
سنعرف أحباءنا المؤمنين الذين سبقونا
حين ظهر موسى وإيليا مع يسوع فوق جبل التجلي، عرف التلاميذ كل واحد منهما، مع أن موسى كان قد مات قبل ظهوره بمئات السنين، وإيليا كان قد أُخذ في مركبة من نار قبل ذلك بمئات السنين أيضًا. في السماء الجديدة والأرض الجديدة سنلتقي بكل أحبائنا من المؤمنين ولن نفارق بعضنا البعض أبدًا.
سنعرف ما عسر علينا معرفته ونحن على الأرض
"فإنّنا ننظر الآن في مرآةٍ، في لغزٍ، لكن حينئذٍ وجهًا لوجهٍ. الآن أعرف بعض المعرفة، لكن حينئذٍ سأعرف كما عرفت." (1كو 12:13)
لماذا سمح الله بموت هذا الابن في حادث سيارة؟ ولماذا سمح بأن يأخذ زوجة من زوجها وأولادها وهي ما زالت في ريعان الشباب؟ ولماذا سمح للصوص أن يسرقوا أشياء عزيزة وغالية من بيتي؟ ولماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟
كل هذه الأمور سيوضّحها الرب للمؤمنين في السماء الجديدة والأرض الجديدة.
"لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع، ولكنّك ستفهم فيما بعد." (يوحنا 7:13)
4- السماء الجديدة مكان لا زواج فيه
نحن نتزوج هنا على الأرض لنلد بنين وبنات لاستمرار الحياة، وأما هناك "فالموت لن يكون." فلا حاجة للزواج.
"حضر قومٌ من الصّدّوقيّين، الّذين يقاومون أمر القيامة (إلى المسيح)، وسألوه، قائلين: يا معلّم، كتب لنا موسى: إن مات لأحدٍ أخٌ وله امرأةٌ، ومات بغير ولدٍ، يأخذ أخوه المرأة ويقيم نسلًا لأخيه. فكان سبعة إخوةٍ. وأخذ الأوّل امرأةً ومات بغير ولدٍ، ثمّ أخذها الثّالث، وهكذا السّبعة. ولم يتركوا ولدًا وماتوا. وآخر الكلّ ماتت المرأة أيضًا. ففي القيامة، لمن منهم تكون زوجةً؟ لأنّها كانت زوجةً للسّبعة! فأجاب وقال لهم يسوع: أبناء هذا الدّهر يزوّجون ويزوّجون، ولكنّ الّذين حسبوا أهلًا للحصول على ذلك الدّهر والقيامة من الأموات، لا يزوّجون ولا يزوّجون، إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضًا، لأنّهم مثل الملائكة، وهم أبناء الله، إذ هم أبناء القيامة." (لوقا 27:20-36)
في السماء لا زواج، ولا غيرة على زوجة جميلة، ولا اشتهاء لزوجة رجل آخر، ولا علاقات جنسية. سيرتاح المفديون تمامًا من كل متاعب الحياة الزوجية ومشاكلها. فلا ولادة، ولا تمريض، ولا صراعات بين الزوجين.
هناك سيكون الرجال والنساء المفديين مثل الملائكة.
5- السماء الجديدة سننظر فيها وجه الله بجلاله العظيم
اشتاق موسى النبي أن يرى وجه الله، فقال للرب: "أرني مجدك"، وكان رد الله: "لا تقدر أن ترى وجهي. لأن الإنسان لا يراني ويعيش." (خروج 18:33 و20)
لكننا نقرأ في سفر رؤيا يوحنا، أن المفديين سيرون وجه الله "وهم سينظرون وجهه."
هذه قمة الشبع للمؤمن أن يرى وجه خالقه.
6- السماء الجديدة هي مكان المفديين حين يقومون بأجسادهم الممجدة
"لكن يقول قائلٌ: كيف يقام الأموات؟ وبأيّ جسمٍ يأتون؟ يا غبيّ! الّذي تزرعه لا يحيا إن لم يمت... هكذا أيضًا قيامة الأموات: يزرع في فسادٍ ويقام في عدم فسادٍ. يزرع في هوانٍ ويقام في مجدٍ. يزرع في ضعفٍ ويقام في قوّةٍ. يزرع جسمًا حيوانيًّا ويقام جسمًا روحانيًّا. يوجد جسمٌ حيوانيٌّ ويوجد جسمٌ روحانيٌّ. الإنسان الأوّل من الأرض ترابيٌّ. الإنسان الثّاني الرّبّ من السّماء... وكما لبسنا صورة التّرابيّ، سنلبس أيضًا صورة السّماويّ."
صورة كل إنسان موجودة في ملفات السماء، وهذا ما قاله داود النبي في المزمور: "لم تختف عنك عظامي حينما صنعت في الخفاء، ورقمت في أعماق الأرض. رأت عيناك أعضائي، وفي سفرك كلّها كتبت يوم تصوّرت، إذ لم يكن واحدٌ منها." (مزمور 15:139-16)
الصورة الأصلية التي وُلد بها الإنسان موجودة في ملفات السماء. وعند القيامة سيعود الإنسان إلى ذات الصورة التي عاش فيها، لكن بلا تشويهات أو كسور، أو أمراض.
"فإنّ سيرتنا نحن هي في السّماوات، الّتي منها أيضًا ننتظر مخلّصًا هو الرّبّ يسوع المسيح، الّذي سيغيّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كلّ شيءٍ."
7- السماء الجديدة هي ميراث المفديين الأبدي
عن هذا قال بطرس الرسول: "مباركٌ الله أبو ربّنا يسوع المسيح، الّذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانيةً لرجاءٍ حيٍّ، بقيامة يسوع المسيح من الأموات، لميراثٍ لا يفنى ولا يتدنّس ولا يضمحلّ، محفوظٌ في السّماوات لأجلكم."
ميراث المؤمنين السماوي.. لا يفنى.. ولا يتدنّس.. ولا يضمحلّ. فيا له من ميراث عظيم!
فليت قلوبنا تُفطم عن مغريات الأرض الزائلة، وتمتلئ شوقًا للحياة الأبدية في هذا المجد الذي لا يزول، والذي يفوق تصوّر العقول.
والآن، ما هو قرارك بعد أن قرأت هذه الحقائق عن السماء الجديدة؟
هل تبت توبة حقيقية عن خطاياك؟ هل آمنت بيسوع المسيح مخلصًا شخصيًا لنفسك؟
اذكر كلمات يسوع المسيح: "ادخلوا من الباب الضّيّق، لأنّه واسعٌ الباب ورحبٌ الطّريق الّذي يؤدّي إلى الهلاك، وكثيرون هم الّذين يدخلون منه! ما أضيق الباب وأكرب الطّريق الّذي يؤدّي إلى الحياة، وقليلون هم الّذين يجدونه!" (متى 13:7-14)