في بداية كل عام، تستوقفنا المناسبة الزمنية برهة لنستمع إلى تقرير الذاكرة عن بوارز الماضي، ولنخطّ نهجًا وفلسفة للعام المقبل.
أجل، إن هذه الوقفة البرهية لوقفة حاسمة ورهيبة إذ أنها تسترجع أفراح الماضي وأحزانه، وتلهب بهجة نجاح الماضي، لكنها تفتّح جراح فشله.
ليست هذه الوقفة إيجابية فحسب، لكنها سلبية أيضًا. إننا الآن نتذكر جيدًا نجاح خدماتنا خلال العام المنصرم وتمتعنا ببركات الله الغزيرة، لكن يا ترى، أنذكر أخطاءنا وتقصيراتنا؟ أنذكر كم من المرات التي تمرّدنا فيها على الله وأطعنا الجسد؟ أنذكر كيف انصعنا بها وراء العالم وأهملنا إرادة الله؟ وكذلك الأوقات التي تكاسلنا بها وتهاونّا في عمل الرب، منشغلين في أمورنا الخاصة؟ هل نذكر أننا لم نعش بما تعهدنا به في أول السنة الماضية؟ ألم نعلم أنه خير لنا أن لا ننذر من أن ننذر ولا نفي؟
تعوّدنا في مطلع كل عام أن نتخذ عدة تصاميم وتعهدات، وللأسف تعوّدنا أيضًا أن لا ننفّذ ما صممناه وتعهدنا به. لكن دعونا هذه السنة، نقلل من الكلام ونكثّر من العمل والتطبيق. دعونا نتأسف على فرص الشهادة التي أضعناها، وعلى فرص الكرازة التي خسرناها. دعونا نندم على تقصيراتنا في الخدمة وعلى عدم جديتنا فيها. دعونا نحزن على أغلاطنا في الكلام والتصرف والسلوك.
ماذا نقول عن خسران فرص الشركة مع الرب والتأمل والصلاة؟! دعونا نتوب توبة قلبية صادقة، متخذين شعارًا جديدًا وهو أن نعيش مسيحيتنا العملية بأكثر جدية فلا نتفاخر بطول أعمارنا، ولا بكثرة سنينا في حياة الإيمان؛ لأن الحياة لا تُقاس بطولها بل بنوعيتها، فلا نشتهِ تعمير متوشالح، بل خدمة المعمدان.
إن حياتنا قصيرة جدًا، وهي "بخار يظهر قليلًا ثم يضمحل"، ورسالتنا عظيمة جدًا.
الماضي مرّ وزال ولم يبق منه إلا ما كان ليسوع، أما الحاضر فهو المجال المفتوح أمامنا.
دعونا نردد مع الرسول بولس: "أنسى ما هو وراء وأمتدّ إلى ما هو قدام..."، ونعمل بجد ونشاط طالبين من الرب أن يعوّض عن السنين التي أكلها الجراد.