حين كتب الرسول العظيم بولس إلى أهل رومية قائلاً: "فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله، عبادتكم العقلية. ولا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم، لتختبروا ما هي إرادة الله: الصالحة المرضية الكاملة." (رومية 1:12-2)
كان في الواقع يرسم الطريق لحياة التكريس الكامل للرب، وهي حياة بدونها يعيش المسيحي كريشة في مهبّ الريح.
والرسول يطالب هنا بكلمات صريحة بضرورة "تجديد الذهن"، وعملية تجديد الذهن عملية تحتاج إلى كثير من الجهد، لأنها تتطلب التفكير، ولكن التفكير كما يقول "جادو" عمل شاق، ولن تصدق ذلك إلا إذا حاولت أن تركز تفكيرك بحزم وعزم وثبات في أية مسألة معضلة مدة عشر دقائق. فإنك إن لم تكن قد درّبت عقلك فسرعان ما يشرد هنا وهناك محاولاً التخلّص من العمل المنوط به أو المخصّص له.
والناس ثلاثة أصناف: صنف لا يستطيع أن يفكر؛ هؤلاء هم المجانين، وصنف لا يريد أن يفكّر وهؤلاء هم المتعصبون، وصنف لا يجرؤ على أن يفكر وهؤلاء هم العبيد.
ولكن المؤمن الحقيقي يجب أن لا يكون أحد هؤلاء، بل إنه ليس أحد هؤلاء، لأنه يعرف أن الله أعطاه العقل ليفكّر به، وأن التفكير المتفق مع الكتاب المقدس هو التفكير البنّاء الذي يحرّر الإنسان ويغذّيه بالعقائد السماوية المباركة.
ولقد قال أحدهم بحق: "إن العقيدة هي الوسيلة المستترة للوصول إلى اللاشعور، فالذي نعتقد فيه برسوخ يصير في العقل الباطن أثرًا سائدًا، وآثارك السائدة هي التي تقود تصرفاتك، ولهذا يجب أن يكون لك عقيدة سليمة لأن وجهة نظرك ستتحكّم بأفعالك."
إذا كانت لك عقيدة غير معقولة، عقيدة مبنية على خرافة وجهل وخوف وكذب، فإنك لا تقوى على البحث العلمي، وتضحي حياتك ملتوية وضيقة، لكن إذا كانت عقيدتك مبنية على الكتاب المقدس، عقيدة واضحة تؤيدها آيات الكتاب بصراحة، عقيدة لم يفسدها خوف، ولم تدنسها خرافات القرون المظلمة، فهذه العقيدة ستجعل من حياتك جنة فيحاء، وتملأ عقلك بأنوار وهاجة من المعرفة، وتطهّر حياتك من الخزعبلات والخرافات، وبهذا تتطهر قواك الواعية.
وإذن، فلا بد من تجديد العقل... لأن المرء يحزن كثيرًا حين يرى أناسًا يدّعون أنهم حصلوا على قلوب جديدة بينما عقولهم ما زالت مستعبدة للخرافات، بعيدة عن الحرية الحقيقية، حرية معرفة الحق الكتابي السليم... هذه الحرية التي قال فيها رب المجد: "إنكم إن ثبتّم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي، وتعرفون الحق، والحق يحرّركم." (يوحنا 31:8-32) والتي قال فيها رسول الأمم: "فاثبتوا إذًا في الحرية التي قد حرّرنا المسيح بها، ولا ترتبكوا أيضًا بنير عبودية."
فكيف السبيل إلى تجديد الذهن؟
السبيل هو أن تطرح كل أفكارك القديمة جانبًا... هو أن تنحي عن عقلك كل وراثات الأجيال، وتعود إلى الكتاب المقدس وحده كطفل صغير يرغب في أن يتعلم من الله.
ونكون قد تركناك في محيط مترامي الأطراف لو أننا لم نرسم لك السبيل لدراسة هذا الكتاب العظيم، ولكننا سنفعل بنعمة الله.
وأول كل شيء، أن تحضر ثلاث كراسات، وتضع على الكراسة الأولى هذا العنوان "موضوعات الكتاب المقدس"، وتضع على الكراسة الثانية "شخصيات الكتاب المقدس"، وتضع على الكراسة الثالثة "آيات الكتاب المقدس العسرة الفهم".
والآن، لنبدأ في الدراسة معًا. ولنبدأ بأول أسفار الكتاب المقدس: سفر التكوين. إن أول من يقابلنا في هذا السفر هو الله، "في البدء خلق الله السماوات والأرض." (تكوين 1:1) فضع هذا الكائن الأزلي الأبدي في أول صفحات كراسة شخصيات الكتاب، واكتب كل ما جاء عنه في سفر التكوين والأسفار التي بعده تحت اسمه القدوس المبارك، وستجد أنك تقترب من الله الخالق، المثلث الأقانيم، مدبّر الفداء، القدوس الذي يكره الخطية. ستجد بحارًا من المعرفة عن الله تضيء عقلك بالنور.
وستجد أن أول ما قابلك من الموضوعات في سفر التكوين هو موضوع الخطية، فضع هذا الموضوع في كراسة موضوعات الكتاب وسترى كيف تقودك دراسة هذا الموضوع لمعرفة كيف دخلت الخطية، وآثار دخولها إلى عالمنا في حياة البشر أجمعين، والطريق الوحيد للخلاص من عقابها وسلطانها... سترى ما معنى الخطية وستعرف فكر الله بخصوصها وسيتجدّد ذهنك وتكون أكثر وعيًا وفهمًا لهذا الموضوع الخطير.
وبينما أنت تدرس أسفار الكتاب ستقابلك آيات عسرة الفهم كالآية المذكورة في تكوين 7:4 فضع هذه الآية في كراسة الآيات العسرة الفهم وصلّ واطلب إرشاد الله أن يفتح ذهنك لتفهمها وتعرفها. وثق أن الرب هو وحده الذي ينير لك ذهنك، فقد قيل عنه – له المجد – "حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب." (لوقا 45:24) وسرّ على هذا النهج السهل البسيط، ببطء... ولكن باستمرار وتنظيم، وستجد كيف يتجدّد ذهنك لتختبر إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة.
هناك نقطة أخيرة وهامة وخطيرة وهي:
حين يعلن لك الكتاب حقًا جديدًا في موضوع ما، وترى أن هذا الحق يختلف عن الباطل الذي تعلّمته في ماضي حياتك، فبادر إلى طاعته، لا تعبأ بما يقوله الناس عنك، فالواقع المؤلم أن غالبية الناس لا تدري شيئًا عن الكتاب المقدس، وتدّعي أنَّ آياته محرّفة، وفي عقول الكثيرين هي ليست سوى مجموعات من الخرافات والعقائد والتعاليم تلقّنوها دون أن يقوموا بأية محاولة لتطبيقها على الكتاب المقدس. فلا يهمّك ما يقوله الناس، بل أطع الرب وقل مع بولس الرسول:
"أفأستعطف الآن الناس أم الله؟ أم أطلب أن أرضي الناس؟ فلو كنت بعد ارضي الناس لم أكن عبدًا للمسيح." (غلاطية 10:1) وستجد أن الله سينير طريقك بنور وضاح كما يقول صاحب الأمثال: "أما سبيل الصديقين فكنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل." (أمثال 18:4)
وإلهي يباركك ويجدّد ذهنك.