الإنسان مخلوق اجتماعي لا يحب العيش بمفرده، والرب رأى ذلك فقال: ليس جيدًا أن يكون آدم وحده أصنع له معينًا نظيره. ويقول سليمان الحكيم: اثنان خير من واحد لأن لهما أجرة لتعبهما صالحة... وويل لمن هو وحده. ولكن الإنسان يحتاج أحيانًا إلى أوقات ينفرد فيها مع نفسه. انفرد يعقوب فقضى ليلة من أجمل ليالي عمره... قضى ليلة في صلاة.
عندما ينفرد الإنسان مع نفسه،
أولاً: يتذكر الإحسانات الإلهية
عندما تنفرد بنفسك وتتذكر الإحسانات الإلهية لا تنظر إلى من هم أحسن منك حالاً وأكثر منك مالاً، لأن هناك مناظر خادعة. قال أحد خدام الرب، دُعيت لزيارة عائلية – تسكن في فيللا جميلة جدًا في أرقى الأحياء. عندما دخلت ذهلت لما رأيت دواليب فضية وأخرى بلون الذهب – وحجرة الاستقبال فيها أثاث رائع... لاحظ رب الأسرة أنني كنت أتوقّع أن يأتي بقية أفراد الأسرة، فقال لي إن ابني الوحيد ارتكب جريمة قتل في إحدى صالات القمار وعوقب بالسجن المؤبد، وابنتي ضلت الطريق، وتركت البيت من أجل تعلّقها بشاب سيّئ السمعة. ومنذ ذلك الوقت أصبحت زوجتي طريحة الفراش أعولها بنفسي مع أنه يوجد خدم كثيرون في البيت. الحقيقة يا جناب الراعي، أنا أتعس إنسان في الحياة! كم كنت أتمنى أن أسكن في شقة ولو بالإيجار، ومعي أسرتي فيكون ذلك أفضل مما تراه حولك من مظاهر الترف.
تذكَّر إحسانات الله دون النظر إلى أي من البشر.
1- إحسانات مؤكدة: تؤكد الإحسانات الإلهية قول يعقوب أبي الأسباط: "صغير أنا عن جميع ألطافك وعن جميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك." ويقول داود في مزمور الراعي: "الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء." ويقول مرة أخرى: "باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته." وأكّدها الشيطان في جواب للرب عن أيوب: "أليس أنك سيّجت حوله وحول بيته وحول كل ما له من كل ناحية؟"
2- إحسانات كثيرة ومتعددة: كثيرة عن أن تُحصى أو تعدّ، ذكر داود جزءًا منها في مزمور 103 "الذي يغفر جميع ذنوبك. الذي يشفي كل أمراضك. الذي يفدي من الحفرة حياتك. الذي يكللك بالرحمة والرأفة. الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك."
يقول إشعياء: "إحسانات الرب أذكر، تسابيح الرب، حسب كل ما كافأنا به الرب، والخير العظيم لبيت إسرائيل الذي كافأهم به حسب مراحمه، وحسب كثرة إحساناته."
3- إحسانات يومية متجددة: "من إحسانات الرب أننا لم نفنَ لأن مراحمه لا تزول. هي جديدة في كل صباح." في كل يوم نستقبل إحسانات جديدة - كان شعب الرب قديمًا يحصل على المنّ كل يوم – يجب أن نردد القول مع أيوب: منحتني حياة ورحمة وحفظت عنايتك روحي."
4- مستمرّة ومتزايدة: قال يعقوب: "الذي رعاني منذ وجودي إلى الآن." ويقول إشعياء: "بإحسان أبدي أرحمك، قال وليّك الرب... فإن الجبال تزول، والآكام تتزعزع، أما إحساني فلا يزول عنك، وعهد سلامي لا يتزعزع." ويردّد بولس: "الذي نجانا من موت مثل هذا وهو ينجي. الذي لنا رجاء فيه أنه سينجي أيضًا فيما بعد."
ثانيًا: نراجع سجلّ حياتنا
لا يريد الشيطان أن نراجع حياتنا. يريدنا أن نهمل هذا الأمر تمامًا، لكن يجب أن نراجع سجل حياتنا:
1- أعمالنا: ما هي الأعمال التي عملناها والتي يجب ألا نفعلها؟ وما هي الأعمال التي لم نعملها وكان يجب أن نفعلها؟ هل أنا مطيع للرب؟ هل أصنع الحق؟ هل أحبّ الرحمة؟ هل أسلك متواضعًا أمام الرب إلهي؟ هل أكرّس أوقاتًا للصلاة وقراءة الكلمة؟ هل أعمالي صالحة؟ "نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبق الله فأعدّها لكي نسلك فيها."
2- أقوالنا: هل أقوالنا تمجد الله؟ هل كلماتنا تبني؟ ماذا خرج من أفواهنا؟ هل كنا حريصين في كلامنا حتى تكون خالية من أية معصية. الرب يعرف كل كلمة في ألسنتنا. تقول كلمة الله: "بكلامك تتبرر وبكلامك تُدان."
3- أفكارنا: ترى في أي أمرٍ نحن نفكر؟ هل أفكارنا أفكار صالحة؟ يجب أن نستأسر كل فكر في طاعة المسيح. الرب يعرف أفكارنا. فقد ندّد مرات كثيرة بأشخاص لم يقولوا، ولم يفعلوا أي شيء: "لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم؟" ليكن شعارنا هو نفس الكلمات الصادرة في مزمور 19: "لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضية أمامك يا رب، صخرتي ووليّي."
4- أهدافنا: ما هو الهدف من أي عمل أو قول أو فكر يصدر عنَّا؟ هل أهدافنا مقدسة؟ ألقى خادم عظة في يوم الأحد، وبدأ يسأل الناس: هل فهمتم رسالة اليوم؟ وكان ينتظر من أحدٍ أن يقول: "لقد كانت عظة رائعة"، وآخر يقول: إن رسالته قد لبّت قصده وحاجته. هل نحن نسعى وراء مديح الناس لنا؟ هل شعارنا هو تمجيد الناس لنا؟ لتكن أهدافنا لخلاص النفوس. "نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس."
ثالثًا: يكتشف أمورًا هامة وحيوية
عندما ننفرد بأنفسنا سنكتشف أمورًا غاية في الأهمية:
1- نكتشف إجابة لكل استفسار
في الحقيقة نحن لا نكفّ عن التساؤلات: لماذا صنع الرب هكذا؟ ولماذا لم يعمل بشكل آخر؟ لماذا الأشرار مستريحون وناجحون؟ وعندما ننفرد مع أنفسنا سنكتشف الإجابة عن كل تساؤلاتنا، ولا شك أننا سنجد أن الخير هو فيما اختاره لنا الله، كما سنكتشف أن نجاح الأشرار وهمي. فإنهم في لحظة يهبطون إلى الهاوية.
2- نكتشف أن لنا إله جبار
كثيرًا ما نقدم للناس في حالة خوفنا ورعبنا إلهًا ضعيفًا.
جاءتني سيدة مرعوبة وخائفة وقالت لي إن سبب خوفها أنها اشتركت بتخطيط ضدّ كنيسة الرب. فسألتها: هل إلهنا ضعيف؟ قالت: لا! وهل يقدر أن يبدّد مشورة الأشرار؟ أجابت: نعم، يقدر.
ما دام لنا إله قوي وجبار يجب أن لا نخاف. "الرب معي كجبار قدير. أنا الله القدير. الرب في وسطك جبار يخلص."
3- نكتشف الأعماق والأسرار
عندما ننفرد مع أنفسنا سوف نكتشف الأعماق والأسرار. ألم يقل الكتاب أن "سرّ الرب لخائفيه؟" عرّفنا سرّ مشيئته... عرّفنا ما هو غنى مجد هذا السرّ في الأمم الذي هو "المسيح فيكم رجاء المجد." انفرد دانيآل مع نفسه فكشف له الرب حلم نبوخذنصر وتفسيره. نحن أولاد الله وهو أبونا الذي سيكشف لنا الأسرار والأعماق. يعلن بفم بولس قائلاً: "هوّذا سرّ أقوله لكم." ما أحوجنا لهذه الجلسات التي فيها ننفرد بنفوسنا في مخدع الصلاة وفي مقادس العلي!