أين تأثير الكنيسة في المجتمع؟
هل نحن ملحٌ في الأرض؟
هل نحن نورٌ في العالم؟
هل نترك بصمات أبدية في العالم؟
هل حقًا لنا تأثير في حياة الآخرين؟
هل نحن مصدر فرح وتعزية للناس؟
أم يشعر النَّاس بالاكتئاب والحزن عند رؤيتنا؟
هل قمت بعمل صالح في الفترة الأخيرة؟ أو بالأحرى، هل تعمل حقًا أعمالًا صالحة؟
وهل سبق لك وأن عملت عملًا صالحًا في الماضي؟
عند زيارتي للناس: أراهم يشيرون إلى برّهم الذاتي وأعمالهم الصالحة، ولكن عند الفحص الدقيق، يتراجع الناس ويعترفون بأنهم لا يعملون أعمالًا صالحة.
وهنا نأتي إلى كلمات الرسول يعقوب وأسئلته الصعبة، الأسئلة التي تتحدانا دائمًا:
الآية 14: "مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ؟ هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟" لدينا هنا سؤالين: السؤال الأول افتراضي عن شخص يَدَّعي الإيمان أو يقول عن نفسه مؤمنًا. هل يقدر الإيمان أن يخلّص مثل هذا الإنسان؟ في الأصل اليوناني لدينا حرف النفي μη (مي) للاستفسار، لذلك فإن الترجمة الدقيقة هي: هل يقدر هذا الإيمان أن يخلّصه؟! أو مثل هذا الإيمان؟ أي هل يقدر الإيمان غير العملي الذي لا يقود إلى أعمال صالحة، أي الإيمان الاسمي، أو الإيمان بالكلام، هل يقدر هذا الإيمان أن يخلّصه؟
نحتاج أن نبرهن عن إيماننا بشكل عملي. نحتاج أن نعيش إيماننا في النور، لكي يرى الناس أعمالنا الحسنة، ويمجدوا أبانا الذي في السماوات. نحتاج أن نبرهن أننا فعلًا مؤمنين. والأعمال الناتجة عن الإيمان لا تستهدف الحصول على الخلاص، بل هي برهان ودليل حصولنا على الخلاص. أي إن الإيمان الذي لا ينتج عنه تكريس وعمل للرب، هو إيمان مزيَّف.
الآيات 15-16 "إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ، فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا وَلَكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟" لدينا هنا إخوة في الإيمان، أخ أو أخت في الرب ولديهما حاجات مُلِحَّة للِّباس والطعام. هذا تشخيص لظروف اقتصادية صعبة يمر بها الإنسان. وهنا يأتي امتحان المؤمن الحقيقي: ما المنفعة من ادّعاء الإيمان دون القيام بسدِّ احتياجات العالم المتألم من حولنا؟ نقرأ في غلاطية 9:6-10 "فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ. فَإِذًا حَسْبَمَا لَنَا فُرْصَةٌ فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ، وَلاَ سِيَّمَا لأَهْلِ الإِيمَانِ." هذا هو الإيمان العامل بالمحبة.
الآية 17 "هَكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ." لدينا هنا تعريف للإيمان الباطل، أي الإيمان المزيّف، أو الإيمان غير الحقيقي وغير الخلاصي. الإيمان الميّت هو ادّعاء باطل لأنه لا يولِّدُ في قلب صاحبه رغبة أو دافعًا للعمل بحسب إرادة الله.
الإيمان الخلاصي
عندما أتوب عن خطاياي، وأطلب الغفران من الله، وأساله أن يطهر قلبي بدم الرّب يسوع المسيح، وأقبل يسوع المسيح مخلّصًا وربًا لحياتي، فإنني أجد نفسي مدفوعًا لأطيع الرب يسوع، وأن أعمل أعماله، وأعيش بحسب وصاياه.
ولكن إن كان إيماني وراثيًا وليس حقيقيًا، وإن كان إيماني إسميًّا وليس فعليًّا، فهو إيمان باطل ولن يقودني أبدًا إلى حياة التقوى. هذا هو الإيمان الميِّت. إنه نوع غريب من الإيمان، ولكنه ليس الإيمان الحقيقي. ليس الإيمان الخلاصي.
الآية 18: "لَكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ! أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي." يتابع الرسول نقاشه هنا بالقول إن الأعمال ضرورية لتبرهن على الإيمان الحقيقي. وعبارة "لكن يقول قائل"، هذا القائل هو كل إنسان يعتمد على برِّه الشخصي، ويفتخر بأعماله وصلاحه الشخصي، ولا يعتمد على عمل الرب يسوع المسيح وخلاصه وبره.
مثل هؤلاء الناس يخاطبون المؤمن قائلين: أنتَ لك إيمان وأنا لي أعمال، ولكن يستحيل على المؤمن أن يُري إيمانه للناس بدون أعمال الإيمان. الإيمان هو موقف القلب الداخلي من الله ومن عمل الرب يسوع المسيح على الصليب. الإيمان هو الثقة بما يرجى، أي الثقة بالحياة الأبدية بناءً على قبول عمل المسيح على الصليب، وهذه الثقة ليست شيئًا مادّيًا يراه الناس، ولكن هذه الثقة وهذا الإيمان يتجسّد ويصبح ظاهرًا بأعمال المحبة مثل العطاء، والتبشير، وزيارة المرضى، ومساعدة المحتاجين. هذا هو الإيمان العامل.
لا يظهر إيماننا إلاَّ بأعمالنا الحقيقية. أي لا نستطيع أن نبرهن على أن إيماننا حقيقي وراسخ دون أعمال تجسّد هذا الإيمان. لذلك دعونا نعمل لكي يرى الناس إيماننا بأعمالنا، وهكذا نعمل لإعلان نعمة الله في حياتنا وبذلك يظهر مجد الله.
الآية 19: "أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. حَسَنًا تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ!" جميع المسيحيين يؤمنون بما جاء في سفر التّثنية 4:6 "إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ." هذا الإيمان جيّد ولكن لا يكفي للخلاص. الشياطين يؤمنون ويعرفون يقينًا أن الله واحد، ولكن هذا الإيمان لا يخلص الشياطين، بل يجعلهم يرتعدون خوفًا من قدرة الله الواحد.
الإيمان الخلاصي ليس معرفة عقلية أو لاهوتية بوحدانية الله. الإيمان الخلاصي هو بوضع الثقة بالله وعمله بالمسيح من أجل خلاصنا. هو الحصول على سلام مع الله، هو امتلاء الإنسان بشكل كامل بالفرح والتعزية والثقة بالحصول على الخلاص وغفران الخطايا والحياة الأبدية.
الآية 20: "وَلَكِنْ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ؟"
كلمة "الباطل" لها معنى أخلاقي ولاهوتي. تشير الكلمة إلى إنسان باطل في تعاليمه وأعماله. أي إلى إنسان ذي إيمان باطل، وليس له أعمال الإيمان الحقيقي. وللبرهنة على حقيقة الإيمان العامل، أي الإيمان الذي يتجسد بالأعمال الصالحة، يأتي الرّسول يعقوب بمثلين عمليين من العهد القديم:
الآيات 21-25: "أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ، وَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللَّهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا وَدُعِيَ خَلِيلَ اللَّهِ. تَرَوْنَ إِذًا أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ."
يجب أن نفهم قول الرّسول يعقوب بشكل صحيح: "أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ؟" أي ألم يعلن لنا الله أن إبراهيم كان رجلًا بارًا بأعماله؟ أي إننا عرفنا عن إيمان إبراهيم بواسطة العمل الذي قام به. الفعل اليوناني المستخدم هنا هو ἐδικαιώθη (إدكيوثى) ويعني اعتُبِر بارًا. أي، إن أعمال إبراهيم برهنت على أنه كان بارًا، أي إن الأعمال هي البرهان على الإيمان. فالإيمان والتبرير سبقا الأعمال، ثم جاءت الأعمال لتبرهن على الإيمان والبر.
وهذا واضح تمامًا في الآية 22، "فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ." فلا يمكن فصل الإيمان الحقيقي عن الأعمال. ولا يستطيع الإنسان أن يكون له إيمان حقيقي بدون أن يكون لهذا الإيمان ثمار عملية. أريد هنا أن أؤكد أن الخلاص الحقيقي يتم بالإيمان الحقيقي فقط، والخلاص هو عطية مجانية من الله، أي إنّه نعمة من الله.
"لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ." (أفسس 8:2-9) "إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ..." (غلاطية 16:2) "كَمَا آمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا." (غلاطية 6:3-8)
"لاَ بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ - خَلَّصَنَا بِغَسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ." (تيطس 5:3)
الإيمان الخلاصي له نتائج عملية. ولا يستطيع المؤمن إلاَّ أن يعيش إيمانه بأعمالٍ صالحة سبق الله وأعدها لكي نسلك فيها. وقد برهن إبراهيم على إيمانه بأعمال الطاعة.
في آية 23 "وَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ." لدينا هنا اقتباس مما جاء في تكوين: 6:15 "فآمنَ بالربِّ فحسِبَه له برًا." هذا التبرير تم قبل 30 سنة من امتحان الله لإبراهيم ليقدم ابنه إسحاق ذبيحة. وهذا تم بالكتاب: أي برهن إبراهيم على إيمانه وبره بطاعته الله وتقديم إسحاق.
الآية 26 "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ بِدُونَ رُوحٍ مَيِّتٌ، هَكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ." هذا هو الإيمان الميت، الإيمان غير الحقيقي الذي لا يقود إلى الخلاص. الإيمان غير المثمر وغير المنتج لأعمال صالحة.