Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخ جوزيف عبدوكان اللقاء بينهما مستحيلاً "حسب الظاهر"، فالعداء كان مستحكمًا من جانب الإنسان، ولكن الموعد كان معروفًا ومرتقبًا من جانب الرب الذي يعرف خفايا القلوب، بل كان مرتّبًا من قبله بالزمان والمكان.

فقد كان شاول الطرسوسي ماضيًا بعزم في مهمته التي خطّط لها كثيرًا وأعدّ عدّتها بشكل محكم، وهيّأ لها مستلزماتها بحيث يصبح هامش الفشل دقيقًا جدًا. آملاً أن يصبح الحلم الذي راوده حقيقة تجلب له المزيد من النجاح والفخر والاعتزاز.
وليس ذلك فقط بل كان مصممًا على المضي في مسعاه إلى نهاية الطريق، مهما كلّفه ذلك من جهد وتضحيات في سبيل ما كان يعتقد أنه خدمة ليهوه فيعيد للناموس اعتباره وللهيكل قدسيته بالقضاء على أتباع ذلك الناصري الذي أعطى لتلك المقدسات وصفًا مختلفًا ولتلك المسلّمات معنى آخر. وبذلك توقع أن يصبح بطلاً قوميًا وقائدًا روحيًا ذائع الصيت. ولكنه سريعًا ما اكتشف أن مسعاه كان خاطئًا وأنه رغم العلم الذي جناه كان مخدوعًا ومضلَّلاً.
كانت ثقافته وعلومه الدينية التي حصل عليها على يد غمالائيل معلم الناموس الشهير دافعًا له كي يصبح متشددًا في مذهب الفريسيين أكثر من جميع أترابه. لذا فقد أنشأ علاقة وثيقة مع رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين، في عدائهم الشديد لشخص السيد المسيح ورفضهم لتعاليمه ومحاربتهم لأتباعه الذين كانوا يشهدون لموته الكفاري وقيامته المجيدة. فتهدّدوا بالقيود والموت لكل من يعلن عن إيمانه بذلك الناصري. وأراد شاول أن يكون رائدًا في ذلك العداء، فيلاحق أتباع يسوع في كل مكان يجدهم فيه، حتى خارج حدود موطن شعبه ورؤساء كهنته. فأخذ تفويضًا من رؤساء الكهنة لاعتقال الذين آمنوا بذلك الطريق الجديد من يهود دمشق وحملهم مقيّدين إلى أورشليم لتوقيع العقاب عليهم.
وفجأة وبدون سابق إنذار وجد نفسه مرغمًا على مجابهة تلك المقابلة الفريدة في شكلها وفي مضمونها أيضًا. لقد أبرق حوله نور أعظم من لمعان الشمس، وأظهر الرب نفسه له وهو ساقط على الأرض من عظم الصدمة. لقد رآه وسمع صوته وهو بسناء منظره وبسلطان وقوة كلامه. فأدرك برهان قيامته وإعلان ربوبيته. فحين سأله الرب: "شاول، شاول! لماذا تضطهدني؟" أدرك قوة وسيادة هذا المتكلم. فقال: "من أنت يا سيد؟" أجابه ذلك السيد: "أنا يسوع الذي أنت تضطهده، صعب عليك أن ترفس مناخس." فقد نزلت هذه العبارة عليه كالصاعقة، وعرف بحسّهِ الأدبي أن كل ما بناه قد انهار في لحظة واحدة. وأنه كان مستحقًا لتوبيخ الرب له. "فالمنخس هو عود مدبّب الرأس يربط بخيط على مقدمة سرج الدابة، يستعمله راكبها لوخز مقدمة ظهرها أو عنقها حينما تتقاعس أو تحيد عن الطريق الصحيح. ومهما رفست فهي لا تستطيع أن تطاله." ورجوعًا إلى الأحداث وأهمها اشتراكه في رجم استفانوس شهيد المسيحية الأول، الذي تمثّل بسيده وصلى لأجل قاتليه. تلك الصورة التي ظلت تلاحقه إلى الآن حيث بدأ بمراجعة جميع المعطيات الخاطئة التي كانت في ذهنه، وحيث تأكد أن المسيح حيّ! وأنه بالحقيقة هو المسيا الذي تكلمت عنه جميع النبوات التي كان قد درسها.
وبعد لحظات الخوف والحيرة التي اعترته، سلّم نفسه بالكلية لمشيئة الرب. فقال وهو مرتعد ومتحيّر: "يا رب، ماذا تريد أن أفعل؟" (أعمال 1:9-6) ومن تلك اللحظة بدأت معرفته للرب يسوع تتزايد بقوة وسرعة منقطعة النظير. فلقد عرفه ليس على قدر ما لمحه بعيني رأسه ولكن على قدر ما تملّى منه في أعماق قلبه وعقله أيضًا. حتى امتلكه المسيح بغنى حبّه وقوة خلاصه وسلطان لاهوته. فعبّر عن ذلك بقوله: "لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهًا بموته لعلّي أبلغ إلى قيامة الأموات." (فيلبي 10:3-11) وكان له ما سعى إليه من عمق هذه المعرفة ولذا فقط طلب من المؤمنين في كورنثوس قائلاً: "فتمثّلوا بي كما أنا أيضًا بالمسيح." (1كورنثوس 1:11)

فما هي مظاهر هذه المعرفة؟

1- لقد عرفه في تواضعه: فنحن نقرأ في معظم رسائله وصفه لنفسه بأنه عبد ليسوع المسيح (رومية 1:1) وبأنه مثل آنية خزفية لا قيمة لها 2كورنثوس 7:4؛ وكأقذار العالم ووسخ كل شيء (1كورنثوس 3:4)؛ وأصغر جميع القديسين (أفسس 8:3) وأصغر جميع الرسل (1كورنثوس 9:15) وأخيرًا يصف نفسه بالسقط (1كورنثوس 8:15).

2- في إنكاره لذاته: لم يظهر في تاريخ المسيحية من بلغ إنكاره لذاته ذلك الحد الذي بلغه هذا الرسول الأمين. حتى أنه تنكّر لماضيه، وجميع امتيازاته وأعماله التي كان يحاول بها إرضاء الله "حسب قناعاته السابقة" فقد قال: "بل إني أحسب كل شيء أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأوجد فيه وليس لي برّي الذي من الناموس بل الذي بإيمان المسيح البر الذي من الله بالإيمان." (فيلبي 8:3-9)

3- في محبته للرب: فقد أحبّ الربَّ مخلّصه الذي أنقذه من ضلاله وقساوته وظلمه، حتى أصبح خليقة جديدة بالكامل فأحبّ الرب يسوع محبة فائقة الوصف. وذلك واضح في قوله: "ولكنني لست أحتسب لشيء ولا نفسي ثمينة عندي حتى أتمّم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله." (أعمال 24:20)

4- في محبته للآخرين: فقد أحب الإخوة حبًا شديدًا وضحّى من أجلهم ومن أجل خلاصهم وراحتهم بالكثير. وأحب أنسباءه بالجسد الذين اضطهدوه وحاولوا قتله مرارًا كثيرة حيث يقول: "إن لي حزنًا عظيمًا ووجعًا في قلبي لا ينقطع. فإني كنت أودّ أن أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح من أجل إخوتي أنسبائي بالجسد." (رومية 2:9-3) ومع أن هذا الكلام رمزي حيث أن حرمانه من المسيح لا ينفعهم بشيء وقبوله في المسيح لا يمنعهم منه أيضًا، ولكنه كان يعبر عما في أعماقه من الحب الصادق.

5- في تضحياته: قلّما نجد في تاريخ الكنيسة رجلاً احتمل من الآلام وقدّم من التضحيات نظير هذا الرسول الأمين، فبعد أن كان في الماضي مضطهدًا مفتريًا مجدّفًا أصبح بعد تقابله مع المسيح محتملاً للآلام والاضطهاد من أجل اسمه، وحثّ الكنيسة على الاقتداء بيسوع: "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي فجلس في يمين عرش الله. فتفكّروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلّوا وتخوروا في أنفسكم."
وقد دوّن لوقا الطبيب في سفر أعمال الرسل جملة من تضحيات هذا الرسول الأمين. كما أخبر هو نفسه بصدق عن آلامه وتضحياته في سبيل خدمة الرب في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس 23:11-30. حيث كان قد أُجبر على تعداد هذه المتاعب التي احتملها. وليس ذلك فقط ولكن التاريخ المقدس يخبر عن موته بقطع رأسه في روما لرفضه إنكار سيده الذي أحبّه كثيرًا وتبعه أخيرًا.

6- كان المرتكز الأساس لهذه المعرفة العميقة إيمان بولس الثابت بقوة وكفاية كفارة دم المسيح لخلاص البشرية. فكان أشدّ المدافعين عن عقيدة الخلاص بالإيمان والإيمان وحده دون أية مزاودة للأعمال أو النوافل أو الإماتات أو التقدمات مهما بلغت.
عزيزي القارئ، الرب يسوع يدعو جميع المخلِصين لكي يتقابلوا معه.
صلاتي إلى الله أن يعطي جميعنا القوة والإعلان لنتمثّل بهؤلاء الجبابرة في الإيمان أمثال بولس الرسول وغيره من الذين وضعوا حياتهم اقتداء بفاديهم الرب يسوع المسيح الذي وهبهم النعمة والقوة بروحه القدوس الصالح، فأصبحت سيرتهم مناراتٍ تضيء الدرب لكثيرين.

المجموعة: شباط (فبراير) 2019

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

98 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10623713