عندما نتكلم عن الصليب فإنما نتكلم عن شخص ربنا يسوع المسيح المصلوب. كان الصليب في العهد القديم رمز الضعف والخزي واللعنة لأنه "ملعون من عُلّق على خشبة،" لكن تحوّل الصليب إلى قوة، وخلاص،
وفخر بموت المسيح مصلوبًا عليه، فقال الرسول بولس: "وأما من جهتي، فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي صُلب العالم لي وأنا للعالم." (غلاطية 14:6)
والسؤال: هل للصليب تأثير على تغير ضمير الإنسان؟ والإجابة نعم! لأن الصليب هو قوة الله التي تغيِّر ليس ضمير الإنسان فقط بل كل حياته. الصليب هو قوة الله للخلاص للإنسان الذي آمن بالمسيح "الذي أُسلم لأجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا." "فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله للخلاص." (1كورنثوس 18:1). إن من أهمّ الحوادث التي جرت في وقت صلب المسيح ليست الظواهر الطبيعية فقط بل تأثير قوة الصليب في يقظة ضمير الكثيرين الذين شاهدوا موت المسيح وآلامه القاسية فآمنوا وتغيّرت حياتهم. أذكر منهم على سبيل المثال:
1 – يقظة ضمير قائد المئة
بدون شك أن هذا القائد قد أشرف على كل الإجراءات اللازمة لإتمام عملية الصلب، بل اشترك مع جنوده في التجديف على المسيح، وجلده، والاستهزاء به، ووضع الشوك على رأسه، ودقّ المسامير في يديه ورجليه، وربما هو الذي أمر بطعنه بالحربة في جنبه. لكن، اسمع ماذا حدث له وللذين معه: يشهد البشير متى عنه فيقول: "وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان، خافوا جدًّا وقالوا: [حقًّا كان هذا ابن الله!]" (متى 54:27) وكذلك يقول البشير لوقا: "فلما رأى قائد المئة ما كان، مجّد الله قائلًا: [بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًا!]" (لوقا 47:23)
فكّر معي أيها القارئ العزيز، ما الذي حدث للقائد والذين معه؟ تغيير جذريّ من إنسان قاسي القلب والضمير إلى إنسان يعترف بأن المسيح هو ابن الله وأنه بار. وهنا نؤكد: إنها قوة الصليب التي هزّت الأرض والسماء، وهزّت قلب القائد والذين معه فآمنوا بابن الله المصلوب.
أجل، أمام صليب المسيح تنكسر القلوب القاسية وتنحني الرؤوس المتشامخة، وتستيقظ الضمائر القاسية... في صليب المسيح خلاص الخاطئ، وراحة التعبان، وسلام الخائف والمضطرب. أعظم هزة تهزّ ضمير الإنسان هي صليب المسيح... موته وآلامه ومحبته للبشرية. والذي لا يهزّ صليب المسيح ضميره فستهزّه نيران جهنم!
يسوع الآن يوجّه رسالة لك ويقول لك: انظرْ إلى آلامي لأجلك. فهل تبقى بعد في خطاياك؟ فالآن اركع عند الصليب وقل له: "اذكرني يا رب، متى جئت في ملكوتك." وعندئذ ترنم هذه الترنيمة: في الصليب، في الصليب! راحتي بل فخري
في حياتي وكذا بعد دفن القبر
2 – يقظة ضمير اللص
تذكر البشائر الأربعة، أنه مع يسوع صُلب لصين فيقول البشير متى: "حينئذ صُلب معه لصَّان، واحد عن اليمين وواحد عن اليسار." (متى 38:27) وقد ساووا البار القدوس بالمجرمين اللصوص، "فتم الكتاب القائل: [وأُحصي مع أثمة.]" (مرقس 28:15). أما البشير لوقا ولأنه مؤرخ دقيق، فيصف لنا كيف استيقظ ضمير هذا اللص الذي لا نعرف اسمه وأيضًا لا نعرف أي من الاثنين، وإن كنا نطلق عليه اللصّ اليمين، والذي اعترف بجرمه مع زميله وأنهما يستحقّان هذا العقاب. وفي نفس الوقت اقرّ ببراءة المسيح، فيقول البشير لوقا: "وكان واحد من المذنبَيْن المعلَّقَيْن يجدّف عليه قائلًا: [إن كنت أنت المسيح، فخلّصْ نفسك وإيّانا!] فأجاب الآخر وانتهره قائلًا: [أوَلا أنت تخاف الله، إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه؟ أما نحن فبعدل، لأننا ننال استحقاق ما فعلنا، وأما هذا فلم يفعل شيئًا ليس في محلّه.] ثم قال ليسوع: [اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك.] فقال له يسوع: [الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس.]" (لوقا 39:23–43) لص يتأثر بيسوع المصلوب فيستيقظ ضميره معترفًا بأن المسيح ربٌّ وملكٌ وأيضًا مخلصٌ فنال حالاً خلاص المسيح العجيب. أجل، أمام جروحات المسيح ودماؤه الزكية التي سالت من جسده الطاهر استيقظ ضمير هذا اللصّ وتحوّل إلى قديس مطهّر بدم المسيح!
3 – يقظة ضمير بطرس
وهل ننسى ما حدث مع بطرس تلميذ المسيح، وواحد من الثلاثة المقرّبين له، الذي أنكر المسيح ثلاث مرات، فحلف ولعن أنه لا يعرفه؟ يقول عنه البشير متى: "فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف: [إني لا أعرف الرجل!] وللوقت صاح الديك. فتذكّر بطرس كلام يسوع الذي قال له: [إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات.] فخرج إلى خارج وبكى بكاء مرًّا." (متى 74:26–75) لقد استيقظ ضمير بطرس فبكى بكاء التوبة وأصبح أول رسول يربح ثلاثة آلاف نفس في أول عظة له. فالذي أنكر المسيح خوفًا من جارية لم يخف من إمبراطور روما ولا من الصلب، كما أنه لم يقبل أن يُصلب كما صُلب سيّده، فصُلب منكس الرأس إلى أسفل.
صليب المسيح وآلامه أيقظت ضمير القائد القاسي، وضمير اللصّ السارق، وضمير بطرس الناكر!
فهل صليب المسيح وآلامه التي أظهرت محبته لنا تجعلنا نقف مع أنفسنا فتستيقظ ضمائرنا ونتوب عن خطايانا وضعفاتنا وسقطاتنا؟
"إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل، حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم."