قيامة المسيح هي جوهر المسيحية ولبّها وحجر زاويتها الذي ربط بناءها. هي النور الساطع الذي أشرق فبدّد الظلمة. هي القلعة الحصينة التي حفظت الإيمان المسيحي، وهي المحكّ الذي أظهر قوة المسيحية وعظمتها.
بدونها لا معنى للتجسد ولا مغزى لحياة المسيح على الأرض وصلبه وقوته، وبدونها ما كان قد تم الصعود... بحدوثها انقلبت معايير الأعداء وموازينهم إذ سمت المسيحية وانتشرت انتشارًا عظيمًا.
قال أعداء المسيحية إن المسيح لم يقم لأنه لم يمت، وكل ما حدث له أنه وقع في إغماء وغيبوبة انتهت بعد فترة... أقول لهؤلاء: إن الأناجيل الأربعة ذكرت العبارة "وأسلم الروح." وأن بيلاطس تعجّب من أنه مات هكذا سريعًا – واليهود طلبوا من بيلاطس أن تُكسر سيقانهم ويُرفعوا. فكسر العسكر سيقان الأول والآخر وأما يسوع فلم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات. والحرف "قد" يفيد التوكيد.
وأما عن القيامة فهي أمر مؤكد برهنته وأكدته أمور كثيرة أهمها القبر الفارغ. كل قبر كتب عليه: هنا يرقد فلان الفلاني، أما قبر يسوع فكُتب عليه ليس هو ههنا لكنه قام. حراس القبر شهدوا بقيامته وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان. وأيضًا الظهورات المتعددة لأفراد ومجموعات تشهد عن قيامة المسيح. ثم صعود المسيح يؤكد قيامته وانتشار المسيحية انتشارًا واسعًا دليل على القيامة. حاول الشيطان مستخدمًا أقوى أسلحته وأعتى جنوده لدحض القيامة، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل – وسأحدث حضراتكم عن بركات القيامة في ثلاث كلمات:
أولاً: قيامة المسيح أكّدت وبرهنت أمورًا كثيرة منها:
1- مصداقية العهد القديم: تحدث الوحي المقدس في العهد القديم عن قيامة المسيح أذكر منها اثنين: الأول قول الوحي المقدس: "لن تترك نفسي في الهاوية. لن تدع تقيُّك يرى فسادًا." ويقول أيضًا: "أين أوباؤك يا موت؟ أين شوكتكِ يا هاوية؟" ولقد وردت هاتين النبوتين في العهد الجديد. الأولى ذكرها بطرس مرتين، والثانية استشهد بها الرسول بولس.
2- أكدت مصداقية الرب يسوع: لقد قال المسيح أكثر من مرة في الأربعة أناجيل "أن ابن الإنسان يسلَّم لأيدي الكتبة والشيوخ ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم. وذكر ذلك بأسلوب مختلف في إنجيل يوحنا: "انقضوا هذا الهيكل وأنا في ثلاثة أيام أقيمه." قال هذا عن جسده.
3- أكدت لاهوت المسيح: "ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا." مات بإرادته وقام بإرادته وقوة لاهوته.
4- أكدت قيامتنا نحن: "أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح." "إن كنتم قد قُمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق." قيامة المسيح هي عربون وضمان قيامتنا. يقول بولس: "إن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام... ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين."
انتقد البعض كلمة باكورة لأن هنالك 6 أشخاص ماتوا قبله. ردًّا على هذا الانتقاد أقول إن الستة أشخاص ماتوا مرة ثانية، أما المسيح فقام ولم ولن يموت! باكورة الراقدين من المؤمنين الذين سيقومون لا ليموتوا ثانية بل ليحيوا إلى أبد الآبدين.
5- أكدت حقيقة الدينونة: يسخر البعض من أمر الدينونة ويقولون: كيف نوفّق بين محبة المسيح والدينونة؟ من يحب لا يدين، ولكن لنقرأ ماذا تقول كلمة الله: "لأنه أقام يومًا هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل، برجل قد عيّنه، مقدِّمًا للجميع إيمانًا إذ أقامه من الأموات."
ثانيًا: قيامة المسيح غيّرت وبدّلت:
1- بدّلت الهزيمة بأروع الانتصارات
اعتبر الناس أن موت المسيح هو هزيمة نكراء له ولتابعيه الذين أيضًا اعتبروا موت المسيح ودفنه هزيمة – ولا شك أن الشيطان صفق وفرح لأن من هزمه قبلاً صار الآن مهزومًا... ولكن في ثالث يوم قام المسيح من الأموات قائلاً: "أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتكِ يا هاوية؟"
2- حوّلت اللعنة والعار إلى بركة ومجد: يذكر الوحي المقدس في سفر التثنية: "إذا كان على إنسان خطية حقّها الموت، فقتل وعلّقته على خشبة، فلا تبت جثته على الخشبة، بل تدفنه في ذلك اليوم، لأن المعلّق ملعون من الله." وقد استشهد الرسول بولس بذلك قائلاً: "مكتوب: ملعون كل من عُلِّق على خشبة." فتحوّلت اللعنة إلى بركة. ويقول الوحي المقدس في العهد القديم: "العار كسر قلبي فمرضت... بذلت ظهري للضاربين وخدّي للناتفين. وجهي لم أستر عن العار والبصق." هذا العار تحوّل إلى كرامة وفخر.
3- حوّل الخوف إلى أمن وسلام. كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود... فأغلقوا الأبواب جيدًا. كانت مخافتهم تزداد كل ساعة بعد أن مات المسيح ودُفن في القبر. ولو استمرت هذه المخاوف لأصيب التلاميذ بأمراضٍ كثيرة، ولكن زال الخوف ومضى بلا رجعة عندما جاء المسيح وسطهم وقال لهم: سلام لكم، وتمتّعوا بسلام عظيم!
4- حوّلت الأحزان إلى أفراح: كان التلاميذ حزانى، وكيف لا وسيدهم وقائدهم وحبيبهم مات ودُفن في القبر، ولكن حزنهم تبدّل عندما جاء يسوع إليهم وأراهم يديه وجنبه "ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب." وأيضًا تلميذَي عمواس، إذا كانا راجعين إلى بلدهما وهما ماشيان عابسان، انضمّ إليهما يسوع، ولكنهما لم يعرفاه، وعندما دخل معهما عرفاه عند كسر الخبز فولّت أحزانهما وامتلأ قلباهما بالفرح.
5- حوّلت الشك إلى إيمان قوي: عندما ظهر الرب يسوع للتلاميذ لم يكن توما معهم، ولما رأوه قالوا له: "قد رأينا الرب. فقال لهم: إن لم أبصر في يديه أثر المسامير، وأضع إصبعي في أثر المسامير، وأضع يدي في جنبه لا أومن." وجاء الرب يسوع ثانية وقال لهم: "سلام لكم." ثم وجّه حديثه إلى توما قائلاً: "[هات إصبعك إلى هنا وأبصر يديّ، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا.] أجاب توما وقال: [ربي وإلهي!]"
ثالثًا: قيامة المسيح سهّلت ومهّدت
مهدت وسهلت طريق الخلاص. كان الطريق صعبًا يحتاج إلى ذبائح دموية مكلّفة، ولكن بقيامة المسيح سهّل الطريق جدًا وها هو بولس يقول: "[الكلمة قريبة منك، في فمك وفي قلبك،] أي كلمة الإيمان التي نكرز بها: لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت. لأن القلب يؤمَن به للبرّ، والفم يُعتَرَف به للخلاص." ما أسهل الطريق للخلاص! عندما سأل السجّان بولس وسيلا: "يا سيديّ، ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟" كان الجواب بسيطًا: "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك." "لأنكم بالنعمة مخلَّصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله." أصبح الخلاص سهلاً وميسورًا لا يحتاج إلا إلى الشعور بالخطية والاعتراف بها والإيمان بالرب يسوع.
أختم بهذه القصة: كان محامي بريطاني اسمه فرانك موريسون لا يؤمن بقيامة الرب يسوع، عزم على أن يكتب كتابًا يدحض فيه أمر القيامة. ولأنه كان يريد كتابًا مقنعًا عكف على دراسة هذا الأمر في الكتاب المقدس بتأنٍ وتدقيق، فلمست كلمة الله قلبه وسلّم حياته للمسيح. وبدلاً من تأليف كتاب ضد القيامة كتب كتابًا مؤيّدًا لها بعنوان "من دحرج الحجر؟" هذا الكتاب مترجم إلى العربية، تجده في صفحة الكتب يا لقوة القيامة وتأثيرها القوي!