Voice of Preaching the Gospel

vopg

الدكتور صموئيل عبد الشهيديتناول الكتاب المقدس بعض الشخصيات المغمورة ليجعل منها محور أحداث الساعة. ومثل هذه النماذج تكتظّ بها الأسفار المقدسة، كجدعون، ويفتاح، وأليشع، بل إن داود الملك نفسه قبل أن يتسنّم ذروة العرش لم يكن سوى راعي غنم يقضي معظم أوقاته في البرية قائمًا على حراسة قطيعه والعزف على مزماره وقيثارته.

واليوم أريد أن أتحدّث عن شخصية كتابية قلّما تسترعي انتباهنا. ومع أن صاحبها أحد أنبياء مملكة إسرائيل فإننا لا نكاد نعرف عنه شيئًا مذكورًا؛ غير انه لعب دورًا خطيرًا في المرحلة الأخيرة من حكم الملك آخاب. هذه الشخصية هي النبي ميخا بْنِ يَمْلَة.
ولفظة ميخا معناها "الذي مثل يهوه".
وإذ نسلّط الأضواء على حياة هذا النبي، فإنما نسعى لكي نتّخذ من مثاله عبرة ولا سيّما نحن أبناء القرن العشرين. إن الحادثة البارزة التي جعلت منه مركز الثقل كانت في الواقع برهانًا صارخًا عن سلطان الله. ولكي نستوعب عمق هذا الحدث، وندرك أبعاده لا بدَّ لنا أن نستعرض قصته باختصار:
قدم الملك يهوشافاط ملك يهوذا لزيارة الملك أخْآب ملك إسرائيل، واستطاع أخْآب أن يقنع ضيفه بالانضمام إليه في حرب ضد الأراميّين الذين سبق لهم أن استولوا على منطقة راموت جلعاد التي كانت ضمن تخوم إسرائيل. وإذ كان الملك يهوشافاط رجلًا تقيًّا أراد أن يستشير الرب أولًا في أمر هذه الحرب. فجمع له أخْآب نحو 400 رجل من دعاة النبوّة واستنبأهم، فاتّفقوا جميعًا على القول بأن الله سيأتي الملك النصر لأن تلك هي إرادته. غير أن يهـوشافاط أحسّ - كما يبدو - أن هؤلاء الأنبياء الكذبة لم ينطقوا حقًا باسم الرب، فسأل حليفهُ إن كان هناك بعد نبي آخر للرب ليسألاه فيعلن لهما قضاء الله. فأجابه أخْآب بتردّد بأنه يوجد نبي واحد بعد "ولكني أبغضه لأنه لا يتنبّأ عليّ خيرًا بل شرًّا وهو ميخا بْنِ يَمْلَة". وعندما استُدْعِي ميخا للمثول في حضرة الملكَين، أطلعه الخصي الرسول على أمر الأربع مئة نبي، ولا سيّما أمر صِدْقيّا بن كنعنة الذي عمل لنفسه قرنَيْ حديدٍ وادّعى قائلًا: "هكذا قال الرب بهذه تنطح الأراميّين حتى يفنوا." وطلب هذا الخصي من ميخا أن يتنبّأ للملكَين بمثل ما تنبّأ به هؤلاء المنافقون. أما ميخا رجل الله فأجاب: "حيٌّ هو الرب إن ما يقوله لي الرب به أتكلّم."
ويخبرنا الكتاب المقدس أن نبوءة ميخا كانت مناقضة في فحواها لادّعاءات هؤلاء الأنبياء الكذبة إذ حذّر الملكَين من مغبّة هذه الحرب وتنبّأ بمصرع أخْآب. وقد صدقت نبوءة ميخا وكذبت نبوءات الأدعياء.
نَتَلَقّى من هذه القصة دروسًا رائعة من حيث علاقتنا مع الله أوّلًا، وعلاقتنا بالمجتمع الذي نعيش فيه ثانيًا.
منذ اللحظة الأولى أعلن ميخا بأنه لن ينطق إلاّ بما يوحي به إليه الرب مهما كلّفه الأمر. هذا القرار الخطير وضع ميخا في موقف مجابهة مع جميع الأنبياء الكذبة لأنه أدرك، منذ البدء، أن هؤلاء الرجال كانوا ينافقون الملك، ويهمسون في مسامعه بما يرغب به فقط. كان خوفهم من الملك أكثر من خوفهم من الله، وطمعهم بهبات الملك ومكافآته أكثر من رضى الرب عليهم. أما ميخا، رجل الله فقد حدّد موقفه حتى قبل أن يمثل أمام آخاب إذ عزم على ألا ينطق إلاّ بما يعلنه له الرب... كان ولاؤه الأوّل لله لا للإنسان. ونحن كمؤمنين، عرفنا الله واختبرناه، وتوافرت لنا كلمته المقدسة، لا يجوز لنا أن نطلي الحق بالباطل إرضاءً للناس أو للمجتمع الذي نشأنا فيه. يجدر بنا أن نحدّد موقفنا من الله قبل أن نكرز بإنجيله لأن كرازتنا بكلمة الله يجب أن تكون تعبيرًا راسخًا عن موقفنا وولائنا له وإلاّ نكون مرائين منافقين. ولا ريب أن تحديد الموقف يسفر في معظم الأحيان، عن استثارة العداء وخلق المتاعب والمشكلات لأن الروح المهيمن على هذا العالم هو روح شرير، وهو ضدّ المسيح.
لاحظ معي ما أصاب ميخا. فما أن كشف النقاب عن نفاق هؤلاء الدجّالين، وأعلن القضاء الإلهي حتى هجم عليه صِدْقيّا بن كنعنة رئيس تلك العصابة وضرب ميخا على الفكّ؛ وما لبث الملك أخْآب أن زجّ ميخا في غياهب السجن.
فمن الجلي إذًا أن لتحديد الموقف أهمية بالغة في حياتنا المسيحيّة لأنه عربون شهادتنا. ومن ناحية أخرى فإن ميخا لم يفزعه المثول أمام الملكَيْن لأنه في تلك اللحظة كان ممثّلًا لله، أي كان سفير ملك الملوك ورب الأرباب. أدرك ميخا أن النبوءة التي نطق بها لن تحظى بمسرّة الملك، بل كانت دليلًا على صحة رأي الملك يهوشافاط فيه. وهو رأي فجّر الكراهية في قلبه ضدّ ميخا. ولكن ميخا لم يكن رجل الملك، بل كان رجل الله، وهذا الانتماء وفّر له حرية التعبير عن الحقيقة. لشدّ ما ودّ أخْآب أن يكون "ميخا" دجّالًا منافقًا يكيل للملك هالات المديح، إنما خاب فأله، وتحدّى ميخا الملك وأذنابه مما أثار حفيظة الملك عليه فأمر بسجنه ريثما يعود سالمًا من حربه مع الأراميّين. قال ميخا للملك: "إن رجعتَ بسلام فلم يتكلم الرب بي."
وأشهد الحاضرين على قوله. وحقًا لم يرجع أخْآب بسلام على الرغم من الخدعة الحربية التي خطّط لها والتي ظنّ بأنها ستنقذه من مصيره المحتوم.
ينبر الكتاب المقدس بعبارة واضحة أننا كسفراء عن المسيح نتمتّع بسلطة السفير وامتيازاته. وولاء السفير، في الدرجة الأولى هو لملكه وبلاده. ونحن نعلم يقينًا أن يسوع ربنا وإلهنا، هو القائد المظفّر، وقد وعد أن يكون معنا إلى انقضاء الدهر، ولم يحدث قط أن أخلف بوعده أو نقض ميثاقه. من شأن هذه الحقيقة أن تفعمنا بالجرأة والشجاعة حتى في الأوقات العصيبة التي نتعرّض لها، حتى في الظروف التي يكون فيها سيف الموت مسلّطًا فوق رؤوسنا. إن مصائر الملوك والسلاطين كلها مرهونة بمشيئة الله وهو عالم بما يظهرون ويضمرون. فإن كنا حقًا نؤمن بأننا سفراء عن المسيح لا يصحّ لنا أن نخشى البشر بل يجب أن يكون شعارنا هو ذات شعار بطرس والرسل في موقفهم من رؤساء الكهنة والفريسيين بأنه "ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس."

المجموعة: أيار (مايو) 2019

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

658 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578211