ألفت انتباهكم إلى ما سجله البشير لوقا في إنجيله بالكلمات: "فقال الرسل للرب: زِدْ إيماننا." (لوقا 5:17) وهذه الكلمات تعني أن الرسل أحسّوا بضعف إيمانهم وطلبوا زيادة هذا الإيمان.
وأرى لزامًا عليّ أن أقول إن الإيمان الذي طلب الرسل زيادته ليس هو الإيمان الذي ينال به المؤمن الخلاص. فهذا الإيمان يتساوى فيه جميع المؤمنين كما قال بطرس الرسول: "سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله، إلى الذين نالوا معنا إيمانًا ثمينًا مساويًا لنا، ببر إلهنا والمخلص يسوع المسيح." (2بطرس 1:1)
لكن الإيمان الذي طلبه الرسل هو الإيمان الذي نقابل به آلام الحياة، وتقلّباتها، وتجاربها، ومغرياتها. هذا الإيمان هو الذي يتأرجح بين النقص والزيادة، والذي يجب أن نطلب من الرب أن يزيده.
عن هذا الإيمان قال الرب لتلاميذه بعد أن جاءوا لإيقاظه وهم في وسط العاصفة قائلين: "يا معلم، أما يهمّك أننا نهلك؟" "ما بالكم خائفين هكذا؟ كيف لا إيمان لكم؟" (مرقس 40:4) وعن هذا الإيمان قال الرب في مناسبة أخرى لبطرس الذي كاد يغرق وسط أمواج البحر: "يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟" (متى 31:14) ومرة ثالثة قال الرب عن هذا الإيمان لامرأة جاءت تطلب منه شفاء ابنتها المجنونة: "يا امرأة، عظيم إيمانك! ليكن لك كما تريدين." (متى 28:15)
ونحن نرى أن مقياس الإيمان قد تغير من إيمان غير موجود، إلى إيمان قليل، إلى إيمان عظيم، ونحن نحتاج أن يزيد إيماننا الذي نقابل به تقلبات الحياة... نقابل به الموت، والمرض، والأزمات المالية، والمعاكسات، والمضايقات... وأريد أن أركز رسالتي على وسائل زيادة الإيمان. ما هي الوسائل التي نزيد بها إيماننا؟
1- طلب معونة المسيح لإيماننا الضعيف
عندما نزل المسيح مع بطرس ويعقوب ويوحنا من فوق جبل التجلي "للوقت كل الجمع لما رأوه تحيّروا، وركضوا وسلموا عليه. فسأل الكتبة: [بماذا تحاورونهم؟] فأجاب واحد من الجمع وقال: [يا معلم، قد قدّمت إليك ابني به روح أخرس، وحيثما أدركه يمزّقه فيُزبد ويصرّ بأسنانه وييبس. فقلت لتلاميذك أن يخرجوه فلم يقدروا.] فأجاب وقال لهم: [أيها الجيل غير المؤمن، إلى متى أكون معكم؟ إلى متى أحتملكم؟ قدّموه إليّ!] فقدّموه إليه. فلما رآه للوقت صرعه الروح، فوقع على الأرض يتمرّغ ويزبد. فسأل أباه: [كم من الزمان منذ أصابه هذا؟] فقال: [منذ صباه. وكثيرًا ما ألقاه في النار وفي الماء ليهلكه. لكن إن كنت تستطيع شيئًا فتحنّن علينا وأعنّا.]" (مرقس 15:9-32)
فبماذا أجاب الرب هذا الأب المسكين؟ قال يسوع: "إن كنت تستطيع أن تؤمن. كل شيء مستطاع للمؤمن." وهنا "صرخ أبو الولد بدموع وقال: [أومن يا سيد، فأعنْ عدم إيماني." (مرقس 24:9) لقد أدرك الرجل أنه في حاجة إلى زيادة إيمانه، وعرف أن الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يعين ضعف إيمانه هو المسيح، فصرخ له هذه الصرخة المرّة التي تعلن عن شوقه إلى زيادة إيمانه. ويختم البشير القصة بالكلمات: "فلما رأى يسوع أن الجمع يتراكضون، انتهر الروح النجس قائلاً له: [أيها الروح الأخرس الأصمّ، أنا آمرك: اخرج منه ولا تدخله أيضًا.] فصرخ وصرعه شديدًا وخرج. فصار كميتٍ، حتى قال كثيرون: [إنه مات.] فأمسكه يسوع بيده وأقامه، فقام." ويرينا متى البشير صورة أخرى من جوانب القصة بالكلمات: "ثم تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا: [لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه؟] فقال لهم يسوع: [لعدم إيمانكم.]" (متى 19:17-20)
حين تشعر بضعف إيمانك، اذهب إلى الرب يسوع واطلب إليه أن يعين إيمانك الضعيف ولا شك في أنه سيرفعك فوق ضعفك ويزيد إيمانك.
2- القراءة الفاهمة للكتاب المقدس
قال بولس الرسول: "إذًا الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله." (رومية 17:10) وكما وصَلَنا الإيمان الخلاصي بالخبر بكلمة الله، كذلك يزيد إيماننا بالقراءة المستوعِبة للكتاب المقدس.
هذا العصر ابتعد تمامًا أو كاد عن القراءة المنظمة للكتاب المقدس. لقد سرق التلفزيون وقت شبابنا، ورجالنا، ونسائنا، وسرقت الروايات الهزيلة، والكتب المسمومة نور عيوننا. وأهملنا تمامًا قراءة الكتاب.
إن كثيرين يرفعون اليوم الشعارات الملحدة ضد الكتاب المقدس قائلين: "لا تضيّع وقتك في قراءة الكتاب، إنه مجموعة أساطير. إنه ضد العلم." هذا الكلام شرّ! فأنا أومن بالعلم، ولكنني أومن بالعلم السليم، وأومن أن الكتاب المقدس هو كتاب العلم السليم، لقد أخبرنا الكتاب المقدس عن كروية الأرض قبل أن يقول جاليليو عن هذا بمئات السنين، إذ قال إشعياء النبي: "الجالس على كرة الأرض." (إشعياء 22:40)
اقرأ الكتاب المقدس لكي ترى معاملات الله مع شعبه، وعناية الله ورعايته، وعظمته وقدرته، وسيزداد إيمانك يومًا بعد يوم.
من الرجال الذين خدموا جيلهم بمشورة الله "جورج مولر"، مؤسس الملاجئ المشهور، ورجل الإيمان العظيم الذي حصل على أكثر من مليون ونصف من الجنيهات دون طلب من إنسان. سألوه: "كيف ازداد إيمانك هكذا؟" قال: "لقد كنت أقرأ الكتاب بتأمل وفهم ساعتين كل يوم، وهكذا ازداد إيماني في إلهي.
هل أتاك خبر ما حدث في ملجئه؟ ذات صباح، أقبل إليه طباخ الملجأ يقول: "الوقت حان لتناول طعام الإفطار، وليس عندنا خبز أو لبن (حليب)." وفي هدوء قال مولر: "أدخِل الأولاد إلى العنابر وضع أمامهم الأطباق." هل تعرف كم كان عدد الأولاد؟ تسعمئة (900)!
إننا نصرخ من الفزع لو كان عندنا تسعة أولاد، أما هذا الرجل فقد كان عليه أن يطعم تسعمئة. وأدخل المسؤولون الأولاد إلى العنابر، ودخل جورج مولر يكلم الآب السماوي - أبو اليتامى - ويطلب منه أن يسرع بإرسال طعام الإفطار للأولاد. وعاد الطباخ يخبر مولر أن كل شيء قد أُعدّ، ودخل مولر العنابر وطلب من الأولاد أن يرنموا ترنيمة الصباح، وبينما هم يرنمون قُرع باب الملجأ ودخل رجل مهرولاً يقول: "اعذروني يا مستر مولر، لقد أيقظني الرب في نصف الليل وقال لي: [قم اصنع خبزًا للأولاد في ملجأ مولر.] وقد تكاسلت من فرط برودة الجوّ، لكن صوت الرب انتصر عليّ. وقد صنعت الخبز وها هو على عربتي. مرْ بإدخاله للملجأ." ودخل الموزعون يوزعون الخبز على الأولاد، وفي نفس اللحظة دخل رجل آخر يقول بسرعة: "أنجدوني! ثُقِبَ خزان اللبن في عربتي، فأسرعوا بإناء، وخذوا اللبن لأولاد الملجأ. إنه لبن معدّ للشرب، أسرعوا بالأواني." وأكل الأولاد الخبز وشربوا اللبن وتمجّد اسم الله العظيم!
إن أردت أن يزداد إيمانك اقرأ كلمة الله بتأمل وفهم.
3- تذكّر إحسانات الله الماضية في حياتك
من طبيعتنا نحن البشر أن نذكر الإساءات وننسى الحسنات. قد يحسن إليك شخصٌ ما عشرات المرّات ويسيء إليك مرة واحدة، وهذه الإساءة الواحدة تحفر أخاديدها في قلبك لعشرات السنين وتنسى كل الحسنات... ما أردأنا، وما أشر طبيعتنا!
لكن داود النبي يذكر حسنات الله قائلاً: "باركي يا نفسي الرب، ولا تنسي كل حسناته. الذي يغفر جميع ذنوبك. الذي يشفي كل أمراضك. الذي يفدي من الحفرة حياتك. الذي يكللك بالرحمة والرأفة. الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك."
(مزمور 2:103-5)
وعندما عاد يعقوب من عند خاله لابان قال:
"يا إله أبي إبراهيم وإله أبي إسحاق، الرب الذي قال لي: ارجعْ إلى أرضك وإلى عشيرتك فأحسن إليك. صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك. فإني بعصاي عبرت هذا الأردن، والآن قد صرت جيشين." (تكوين 9:32-10)
إن تذكُّر حسنات الماضي يزيد إيماننا في إلهنا، فالملابس التي نلبسها، وفرص الحياة التي أُعطيت لنا، والبركات التي تغمرنا، كلها من يد الله الذي قال عنه موسى: "ليس مثل الله يا يشورون. يركب السماء في معونتك، والغمام في عظمته. الإله القديم ملجأ، والأذرع الأبدية من تحت. فطرد من قدامك العدو." (تثنية 26:33-27)
وقف داود يتأمل جليات الجبار ويستمع إلى تعييراته، وقرر أن يدخل المعركة معه ويقضي عليه. ووصل الخبر إلى شاول الملك فاستدعاه، ولما رأى أنه شاب غض قال له: "لا تستطيع أن تذهب... لتحاربه لأنك غلام وهو رجل حرب منذ صباه." وهنا تذكّر داود حسنات الله عليه في الماضي، واستمدّ من هذه الذكريات قوة للحاضر. "فقال داود لشاول: [كان عبدك يرعى لأبيه غنمًا، فجاء أسد مع دب وأخذ شاة من القطيع، فخرجت وراءه وقتلته وأنقذتها من فيه، ولما قام عليّ أمسكته من ذقنه وضربته فقتلته. قتل عبدك الأسد والدب جميعًا. وهذا... يكون كواحد منهما، لأنه قد عيّر صفوف الله الحي.] وقال داود: [الرب الذي أنقذني من يد الأسد ومن يد الدب هو ينقذني." (1صموئيل 31:17-37)
لقد كان في تذكُّر داود لحسنات الله معه السر في زيادة إيمانه. فلما تقدّم لمحاربة العملاق، قال له العملاق: "ألعلّي أنا كلب حتى أنك تأتي إليّ بعِصِيٍّ؟ ... تعال إليّ فأعطي لحمك لطيور السماء ووحوش البرية." فأجابه داود: "أنت تأتي إليّ بسيف وبرمح وبترس، وأنا آتي إليك باسم رب الجنود... هذا اليوم يحبسك الرب في يدي، فأقتلك." وقد كان إذ ضرب داود الجبار بالمقلاع، ارتزّ الحجر في جبهته، وسقط على الأرض."
اذكر دائمًا حسنات الله في ماضيك فيزداد إيمانك به في حاضرك.
4- عاشر دواماً الأقوياء في الإيمان
يقول كاتب سفر الأمثال: "المساير الحكماء يصير حكيمًا، ورفيق الجهّال يُضَرّ." (أمثال 20:13) وعلى هذا القياس يمكن القول إن المساير أقوياء الإيمان يزداد إيمانه. لقد قيل في سفر أعمال الرسل: "فاختاروا استفانوس، رجلاً مملوًّا من الإيمان والروح القدس." (أعمال 5:6) وعِشرة الرجال والنساء الممتلئين والممتلئات من الإيمان تزيد إيماننا في إلهنا.
5- امتلئْ من الروح القدس
إن الامتلاء من الروح القدس يُظهِر في حياتنا ثمر الروح، ومن ثمر الروح الإيمان كما نقرأ:
"وأما ثمر الروح فهو: محبة فرح سلام، طول أناة لطف صلاح، إيمان وداعة تعفّف." (غلاطية 22:5)