ساعتانِ من الزمن في أولِ إشراقةٍ لشمسِ اليوم الأول من السنة 2020 قضيناها ونحن نشاهد موكبَ الزهور المئة والحادي والثلاثين.
هذا الحدَثُ التقليدي الذي يحتلُّ المركزَ الأول في الإعلام في كاليفورنيا وكَذا في أميركا ويشتركُ في تقديمه العديدُ من الفنَّانين، والممثِّلين، والمغنّين، والطلاب، والعازفين، وفِرَق الكشَّاف، والفرسان، والمركبات في أميركا ومن حول العالم أيضًا. ويَعرضُ هذا الموكبُ أربعين مركبةً مزيَّنة بكاملها بالزهور الزاهيةِ الألوان وحتى بالنباتات والأعشاب والحبوب المختلفة الأنواع. ويستهلك العاملون المتبرِّعون في تزيين هذه المركبات عشرات الملايين من الزهور التي يفحُّ منها العَبَقُ الجميل.
وأكثرُ ما شدَّ انتباهي في كَرْمِس الزهور هذا، هو شعارُ هذه السنة "قوة الأمل أو الرجاء". أجل كان هذا هو الشعار الذي يحملُه للناس في هذه السنة. بمعنى أن "الكرمس يحتفل بمدى تأثيرِ وقوةِ فاعلية التفاؤلِ والأمل، والإيمان أنَّه يمكننا أن نحصل على كلِّ ما نرغب به ونريده من خلال معاناة وتجارب الحياة التي مرَّ بها سابقونا، ومن خلال الأحلام التي نحلُم بها نحنُ وأجيالُنا، والتي ستتحقَّق يومًا ما. فالأملُ بكلِّ بساطة هو أسمى بكثير من احتمال الوصول إلى ما نبغيه ليس إلا." https://tournamentofroses.com
ليس هذا فحسب بل إنَّ بعضَ المركبات في الكَرْمِس حملتْ عناوينَ معبّرة تمامًا عن هذا الشعار كمِثل: "أملٌ لِمَنْ ليس له مأوىً"، و "رحلةُ الرجاء"، "الشجاعةُ في أن نحلُمَ ونتخيَّل"، وأيضًا "حديقتُنا من الآمال والأحلام".
بالطبع يبتهجُ القلبُ وتنشرحُ الأساريرُ إزاءَ هذه المناظر الخلاَّبة التي هي في الحقيقة تَزاوجٌ بين الطبيعة الجميلة وما تحملُه إلى الإنسان، وبينَ الإنسانِ المبدع والخلّاق في دمجِ اختراعاته من آليات وإلكترونيات وميكانيكيات في سبيلِ تقديم ما هو أفضل لكل المشاهدين والمحتشدين والزائرين في بداية عامٍ جديد لا بل عَقْدٍ جديد، محاولين بذلك منحَ الأمل في تحقيق الأماني والأحلام عندَ كل إنسانٍ لا سيَّما الذين يعانون سواء من الأمراض أو الفقر أو العيش في الشوارع من دون مأوىً يأويهم. لكنْ حتَّى مَتى؟ وإلى متى يستمرُ هذا الأملُ يا تُرى؟ هذا هو السؤالُ الهام؟
كنتُ في ذلك الصباح عينِه، أتأمَّل بالمزمور التسعين لرجل الله النبي موسى. وإذ قرأتُ الآيةَ الأولى منه، سَرَحْتُ بعدَها في رحلةٍ مع أفكاري إلى الماضي، فمرَّت أمام ناظري وكأنَّها البارحة. وحَباني شريطُ ذكرياتي منها سويعاتٍ قضيتُها بأحداثٍ أفرحَتْني، وأبهجَتْني، وأخرى كانت على العكس من ذلك تمامًا. محطاتٌ فيها من الألم والمعاناة الكثير. وتعجَّبتُ من نفسي كيف أنني استطعتُ تخطّيَها جميعًا. لم أجتزْ بها فقط، لكنَّني تعلَّمتُ من كلِّ ما مرَّ عليَّ دروسًا وعِبَرًا ثمينةً واتَّخذتُ منها حكمةً للأيام الآتية ولِما يمكنُ أن أواجهَه في أيام المستقبل.
"يا رب كنتَ لنا ملجًا في دَوْرٍ فدَوْر." تقول الآية. ولمعَتْ في داخلي فكرةٌ هامة وهي كيف أنَّ الله كان وما زال هو ملجأي الذي كنتُ ألجأ إليه في كل الأوقات. هو ملجأي ولا أحَدَ سواه لسنينَ وأعوامٍ خَلتْ. هو حصني أتمنَّع فيه، وأركض إليه لأحتمي به في أيِّ وقت، لأنه معي دائمًا. هو لي المرجَع الوحيد. وقلت في نفسي بالحق ما أعظمَك أيها الرب لأنَّك وبالرغم من عظمتك إلاَّ أنَّك أنتَ وليّي وسَندي ورفيقي في رحلتي تسيرُ معي في التلالِ والوِهادِ وتقيمُني على مرتفعاتي. ما هذا الامتيازُ العظيم الذي جادَ به الله عليَّ وجَعلني أتنعَّمُ به! عندها تذكَّرتُ ترنيمةً قديمةً جدًّا كُنَّا نرنِّمها في سن المراهقة في كنيستنا في دمشق، واستطعتُ كذلك أن أسترجِع من بحر ذاكرتي أيضًا صوتَ القس الطيّب الذكر إبراهيم عويس - الذي كان مؤلّفها - وهو يرنّمها بصوته الجَهوري. فَشرعْتُ أُردِّدها مراتٍ ومرات، وبقيتُ على هذه الحال طيلةَ ذلك النهار. والأعجب من ذلك هو أنَّني صرتُ أتذكّر كلماتِها وشطورَها واحدًا بعدَ الآخر. ففاضَ قلبي بفرحٍ غامر وبزغَ في كياني أملٌ جديد أساسُه مَعِيَّةُ الله في حياتي.
أما كلمات الترنيمة فهي كالآتي:
1- فاضَ قلبي فرَحًا هللويا
إنَّ في ذا عجَبًا هلّلويا
مِن قيودي حلَّني فرَحا منطَقَني
آهِ قد خلَّصني هلّلويا
القرار:
هلّلويا قد خلَصْت
يا لَسَعْدي قد خلَصْت
سكَن ربّي الفؤاد حلَّ مِسْحي والحِداد
سبّحوه يا عبادْ هلّلويا
2- عجَبا يعرفُني هلّلويا ولقد عيَّنني هلّلويا
ودَعاني للصَّليب عمَّني بِرٌ عجيبْ
مَجَّدنّي ذا الحبيب هلِّلويا
3- يائسٌ مِثْلي أثيمْ هلّلويا
سوفَ يَحظى بالنَّعيم هلّلويا
باتَ عاري والعَناء وظلامي والشَّقاء
غبطةً في ذا البَقاء هلِّلويا
4- قد فَداني يا جموعْ هلِّلويا
وشَفى نفسي يسوع هلِّلويا
ليتَ لي ألفَ لسانْ ألفَ نفسٍ وجَنان
هاتفًا طولَ الزمان: هلِّلويا
توقفتُ لِلُحيْظة، وعدتُ أتأمَّل من جديد ومليًّا بهذه الكلمات وامتلأَ قلبي بالسرور لماذا؟ لأنَّ لي أنا شخصيًا مرجِعيةً دائمةً مستمرةً منذُ أن تنازلَ الابنُ الأزلي "والكلمة صارَ جسدًا وحلَّ بيننا"، ومنذُ أن قالَ الملاك ليوسف إن اسمَه "عمانوئيل أي الله معنا"، صارَ الله معي أنا، بواسطة الابن الوحيد- مصدر الأمل الدائم والرجاء الحقيقي وليس العابر لساعةٍ أو ساعتين أو يوم أو يومين. ألمْ يقُلِ الرسول بولس في رسالته إلى أهل كولوسي 27:1 "الذين أراد الله أن يعرّفهم ما هو غنى مجدِ هذا السر في الأمم، الذي هو المسيح فيكم رجاء المجد." هو المسيح مصدرُ هذا الأمل والرجاء وحده أستطيع أن أتوجَّه إليه ليلَ نهار، إلى ملكِ الملوك وربِّ الأرباب لأنَّني أصبحتُ من أهل بيتِ الله وأنتمي إلى عائلته المقدسة. يحلو حديثي معهُ في خُلوتي به، وروحه القدوس الساكن فيَّ هو يرشدني ويقودني ويقوّمني ويبكّتني ويعزّيني. لذا لا بدَّ أن أهتفَ وأشكرَ لا بل ويفيضُ لساني بالحمدِ له لأنَّه إلى هنا أعانَني، وهو الذي رَعاني طيلةَ هذه السنين وهو سَندي وملجأي وعوني دائمًا وأبدًا وإلى انقضاء الدهر.
هذه هي مرجِعيَّتي المتوافرة دائمًا وأبدًا لي، وكذا لكلِّ مَن وضَع ثقته بالمخلص المسيح. وهو وحده مانح الرجاء والأمل الدائمين. ومن دون المسيح الذي هو رجاء المجد ليس هناك أملٌ مستديم، لأنَّ ما يمنحه البشر هو أمل مؤقت، سرعان ما يخبو ويزول. فهل لديك يا قارئي مرجعية مؤكدة دائمة الحضور ومتوفرة في كل الأوقات؟ تفتحُ لها قلبك وتشارك معها ما يختلج في أعماقك؟
هل تعرَّفْت على هذا الملجأ الحصين والمنيع الذي في حِماه النفسُ تستكين وتستريح حتى في أصعب الحالات وأكثرِ الأوقات حَرَجًا؟ جيّد أن ينتعش الإنسانُ برؤية مراكبَ من الزهور ويشمَّ أريجَها ويقرأ ما تحمله إليه الشعاراتُ المختارة عن الأمل والرجاء والأحلام، لكنْ ما هذا إلاَّ شيءٌ عابر واهٍ. فهل تفتَّحت براعمُ الأمل الحقيقي في داخلك!