كتب الرسول بولس إلى المؤمنين في كورنثوس يقول لهم:
"فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُل وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ." (2كورنثوس 2:11)
ذكرنا في مقال سابق أن أهل كورنثوس كانوا معروفين بالفساد الخلقي، وكان منهم أناس يتّصفون بأردأ الصفات كما جاء في كورنثوس الأولى 9:6-10، التي تكلمنا عنها سابقًا. ولكن، ما أعجب نعمة الله! فمن هذا المجتمع الفاسد افتقدت نعمة الله أناسًا كثيرين فغسلتهم وقدّستهم وبرّرتهم، وجعلت منهم من أصبحوا من ضمن عروس المسيح، أي الكنيسة التي يجب أن تكون عذراء وعفيفة.
هذه هي نعمة الله الحقيقية التي نقيم فيها نحن الذين التجأنا لنمسك بالرجاء الموضوع أمامنا. فنحن المؤمنين لسنا بعد من هذا العالم، وإن كنا نعيش فيه، ولكن سيأتي الوقت الذي فيه سيأخذ يسوع المسيح ربنا عروسه التي اقتناها بدمه، فهو – له المجد – أحب الكنيسة "وأسلم نفسه لأجلها، لكي يقدسها، مطهّرًا إياها بغسل الماء بالكلمة، لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة، لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك، بل تكون مقدسة وبلا عيب." (أفسس 25:5-27) وسيأتي الوقت الذي يتم فيه ما جاء في سفر الرؤيا 7:19-8 "لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ! لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا. وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ." ولكن لنعلم أنه حتى ونحن على هذه الأرض فهو يهتم بعروسه، لذلك يقدسها مطهرًا إياها بكلامه – كما قال لتلاميذه: "أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به." (يوحنا 3:15) فبما أن عريسنا هو "قدوس، قدوس، قدوس رب الجنود. مجده ملء كل الأرض" (إشعياء 3:6) يجب أن تكون عروسه عذراء وعفيفة.
هناك عبارتان في سفر نشيد الأنشاد فيهما وصف العروس التي تليق بملك الملوك ورب الأرباب:
الأولى: "أُخْتِي الْعَرُوسُ جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ، عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ، يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ." (نشيد 12:4)
* "جنة مغلقة" - الجنة مكان السعادة والفرح حيث الأشجار المغروسة بجانب المياه التي تعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل. هذه الجنة مغلقة، أي هي ملك خاص لصاحبها لا يشاركه فيها أحد. لا يدخلها ما يدنّس أو ينجّس. هي بجملتها لعريسها، الذي شهد له الآب أنه ابنه الحبيب الذي سُرّ به كل سرور.
قال سليمان الملك: "عملت لنفسي جنات وفراديس... عملت لنفسي برك مياه... ثم التفتّ أنا إلى كل أعمالي... فإذا الكل باطل وقبض الريح." أما الجنة المغلقة التي لعريسنا فثمرها يُفرح قلب عريسها. إن عبارة "جنة مغلقة" تشير إلى حياة الانفصال عن فساد ونجاسة هذا العالم، وهي تعادل القول بأن هذه العروس هي عذراء وعفيفة.
* "عين مقفلة" – أي إن مياهها المروية لا تلوّثها أيدي الغرباء. هي مياه حيّة تروي صاحبها وهو بدوره يروي الآخرين. قال الرب يسوع للمرأة السامرية: "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية." (يوحنا 13:4-14)
أيها القراء الأعزاء، إن الجنة المغلقة والعين المقفلة تتحدثان عن حياة الانفصال عن الشر العملي والتعليمي. هذه هي الحياة التي تليق بعروس المسيح العذراء العفيفة.
* "ينبوع مختوم" – هذا هو الوصف الثالث لهذه الحقيقة الأساسية، وهي أن العروس كلها لعريسها في محبتها واهتمامها وخدماتها. هذه الثلاثة أوصاف: الجنة المغلقة، والعين المقفلة والينبوع المختوم، تعبّر عن حقيقة مهمة يجب أن تبقى في ذهن وقلب ومشاعر المؤمنين، الذين هم عروس المسيح "والخيط المثلوث لا ينقطع سريعًا."
العبارة الثانية: "جميلة كالقمر، طاهرة كالشمس، مرهبة كجيش بألوية." (نشيد 10:6)
ثلاث صفات جليلة وهي جمال وطهارة وهيبة. الجمال الحقيقي هو الجمال الأدبي. هذا الجمال يستلزم الطهارة، لأنه ليس هناك شيء يشين ويقبّح مثل عدم الطهارة.
"طاهرة كالشمس": قد يحمل الإنسان جراثيمه إلى القمر أو إلى أحد الكواكب، ولكن لا يمكن للميكروبات أن توجد في الشمس، لذلك يقول: "طاهرة كالشمس." وهل يمكن أن تكون عروس المسيح غير جميلة وطاهرة؟ فهو الذي قيل عنه أنه "أبرع جمالاً من بني البشر." ولا بدّ أن تكون طاهرة، لذلك يقول الكتاب: "ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية." (1يوحنا 7:1) هذا الجمال الخلقي والروحي ظهر بوضوح في حياة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، عريسنا المجيد، في كل خطوة وهو على هذه الأرض، لذلك انفتحت له السماوات وجاء صوت من المجد الأسنى قائلاً: "هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به." فهل يليق بالعروس أن تهمل حياة القداسة، التي بدونها لن يرى أحد الرب؟ الجمال والطهارة مرتبطان تمامًا الواحد بالآخر.
الصفة الثالثة في هذه الآية من نشيد 10:6 هي "مرهبة كجيش بألوية." كلمة "ألوية" هي صيغة الجمع لكلمة لواء – أي علم. "جيش بألوية" تعني جيشًا منتصرًا على كل أعدائه. فعروس المسيح التي هي الكنيسة لها هذا الوعد الإلهي: "وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعًا." (رومية 20:16) ليتنا لا ننسى أبدًا أن عريسنا هو ملك الملوك ورب الأرباب، لذلك يجب أن تكون الكنيسة التي هي عروسه عذراء وعفيفة.
"قومي عروس الرب لا تعيي من السهد
لكِ عريس في العلا وهو رجاء المجد."