يقدِّم لنا الكتاب المقدس ثلاث حقائق رئيسة:
أولًا، الخليقة وكيف سقطت تحت سيادة الخطية.
ثانيًا، الناموس والأعمال التي تحدّد سلوك الإنسان أمام الله.
ثالثًا، ثم يقدم ابن الله الذي جاء في الهيئة كإنسان فأبطل الخطية ووهب الحياة لكل من يؤمن به على أساس عمله الكفاري الذي أكمله على الصليب. ولو أجرينا مقارنة بين فلسفة الإنسان وفلسفة الأديان في سفر الجامعة أولًا فإننا نجد شخصًا يطلب الشبع والسعادة «تحت الشمس» في عالم الماديات وأخيرًا يكتشف أن «الكل باطل وقبض الريح».
أما في سفر نشيد الأنشاد فإن نفس الحكيم وقد دفعه اليأس والفراغ إلى السعي والبحث عن النصيب الصالح الذي حصل عليه أخيرًا في المسيح ومع المسيح حيث فيض من الفرح والشبع والكأس ريّا. والله في نعمته يقدِّم العلاج إذ أمر إرميا أن يذهب ليراقب الفخاري وهو يصنع الآنية على الدولاب (إرميا 18)، ويشتري منه إناء من خزف. فماذا تعلَّم إرميا عندما قال له الله: «هناك أُسمِعك كلامي»؟ وماذا نتعلم نحن في هذه الأيام؟
أولًا: أصل الإنسان
كانت الأواني الخزفية تُستخدَم لحفظ الكنوز (2كورنثوس 7:4)، وعندما يشكل الفخاري قطعة من الطين على الدولاب، تظهر بعض العيوب كما هي، وللفخاري سلطان على الطين، إما أن يترك العيوب كما هي أو يعيد تشكيل الإناء. وهذا ما يعمله الله ليصنع منا إناء ثمينًا. إن الإنسان مصنوع من الطين، والله قادر على أن يحيي العظام اليابسة (حزقيال 37). كما أن طبيعة الإنسان تميل للتغيير: فالبعض منهم إرادتهم مفكّكة ينطلقون مع أي ريح، وآخرون يتشكّلون بحسب الوسط الذي يوجدون فيه، أما النوع الثالث فإن إيمانهم يحفظهم بشكلهم أينما وُجدوا. وتظل كلمة الله تتحدّى عناد الإنسان «لأنك من تراب وإلى تراب تعود... صعب عليك أن ترفس مناخس.» وجاء المسيح بنعمته فأنشد المؤمن قائلًا:
«قد قضى ديني... كلَّه الحمل
حينما مات لذا... قال قد كمل»
ثانيًا: صانع الإنسان
«في البدء» أوجد الله المادة والخلية والشرارة الأولى للحياة، و[كانت الأرض خربة» أي بدون عمران، أو نظام، أو تطوُّر أجناس. ألا ترى في الطبيعة ونواميسها برهانًا على وجود حكمةٍ وقوةٍ لا تختلط بالمادة؟ إن الإنسان يقصر عن معرفة المسيح وإلا كان نصيبه الخزي والخسران «لأن من وقع على هذا الحجر ينكسر، ومن وقع الحجر عليه يسحقه سحقًا.» (متى 44:21- ترجمة تفسيرية) أي لا بد من قبوله بالإيمان. ولا عجب أننا نحن أنفسنا سر قريب من فهمنا. «كثيرون ممن كانوا يتبعونه تعثروا بذلك الكلام الصعب.» (يوحنا 64:6)
لا شك، جاءت قصة الخلق في أساطير الأمم القديمة إلى جانب ما كتب في كلمة الله، ومنها إحدى قصص الصينيين التي تزعم أن بوانج كو وجد نفسه ذات يوم فوق صخرة وإلى جانبه طائر ومعه إزميل وقدّوم فأمسك بهما وظل يضرب الصخور التي أمامه ثمانية عشر ألفا من الأعوام حتى خلق السماء والنجوم، وعندما مات تحوّل رأسه إلى الجبال، وأنفاسه إلى الرياح، وصوته إلى الزوابع، وشرايينه إلى الأنهار. ومن الذي يمكنه أن يصف ما حدث في خفايا الأزلية إلا الله وحده؟
ثالثًا: مشكلة الإنسان
إن مشكلة الإنسان تتمثل في أمرين:
أولًا، إن شعب الله تركوه قائلين: «نسعى وراء أفكارنا وكل واحد يعمل حسب عناد قلبه الرديء.» والله يردّ قائلًا: «هل يخلو صخر حقلي من ثلج لبنان أو هل تنشف المياه المتفجرة الباردة الجارية؟» أي، هل في حرارة الصيف يترك المسافر على الطريق حقولي التي هي سهلة من أجل صخرة جامدة صلبة، أو من أجل ثلج لبنان الذي يكون في كتل كبيرة مما يجعل الطريق غير قابل للعبور؟ أو هل يترك المياه الجارية من أجل المياه الباردة الغريبة؟
ثانيًا: «لأن شعبي قد نسيني» لأن طينهم يمكن أن يفسد بسهولة أثناء العمل. لذلك كما ملأوا «نوفة: مدافن الغرباء» بالقتلى هكذا يكون نصيبهم في الحرب. وهناك كسر إرميا «إبريقًا من خزف الفخار» إنذارًا لهم. إذًا، هل من حلٍّ لمشكلة الإنسان؟
إن خيانة يهوذا كانت عن سبق إصرار، وباع المسيح بقبلة الخيانة، وفي اليونانية تختلف عن ردّ المسيح «أبقبلة؟» وتعبّر عن دفء المشاعر والأحاسيس. هذا كان ردّ المسيح الحسن. أخيرًا، انتحر بدلًا من طلب الغفران. أما بطرس فأنكر بقسمٍ وتجديف وحلف، لكنه لم يتفوّه بكلمات قبيحة. إن قسمه هو ما يستلزمه القانون ثم لعن نفسه بقوله: «ليقتلني الله إن كنت كاذبًا» ثم جدّف لأنه أنكره. لذلك بكى بكاءً مرًّا. فمن أي نوع أنت؟
رابعًا: تجديد الإنسان
في 2تيموثاوس 15:2-18، بعدما بدأ بولس نصائحه لتلميذه بمجانبة الأقوال الدنسة والفلسفات البشرية والإنحرافات التعليمية، شدَّد على ضرورة الولادة الثانية، «وليتجنَّب الإثم كل من يسمِّي اسم المسيح.» وميّز بولس بين نوعين من الآنية التي يستخدمها الله قائلًا: «ولكن في بيتٍ كبيرٍ (لرجل ثري) ليس آنيةٌ من ذهب وفضة فقط، بل من خشب وخزف أيضًا، وتلك للكرامة وهذه للهوان. فإن طهر أحد نفسه (بماء الكلمة) من هذه، يكون إناء للكرامة، مقدسًا، نافعًا للسيد، مستعدًّا لكل عمل صالح.» فهناك أوان معدّة للمائدة من ذهب وفضة، وهناك أوان من خشب وخزف تُستخدم للطبخ، أو حسب موضع الاستعمال وحسب ما تحتويه، أو على الأرض. كذلك هناك معلمون يدينون بالولاء للمسيح وآخرون ليست لهم معرفة شخصية به. فما هي ضمانات الله للأمناء؟
الله هو الذي يصنع عملًا على الدولاب، والله عاد فعمله كما حَسُنَ في عينيه.
ثم إن كسر الإبريق ليس للدينونة بل للبركة!
وأخيرًا، «أنتم هكذا بيدي...» (إرميا 6:18) وخلاصة القول: كيف نؤمن بالمسيح؟
نحن لا نؤمن بالله عن طريق إعلانات جبل سيناء بحسب أحكام ومبادئ الناموس الأدبي حيث الرهبة والخوف...
ولا نؤمن بالمسيح عن طريق أعمال العناية مع بقاء صورة الله خارج نطاق الفكر البشري...
ولا نؤمن بالله عن طريق الخليقة فقط لأنها لا تبعث الراحة في ضمير ثقّلته الخطية...
لكننا نؤمن بالله عن طريق ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وفدائه.
هتفت الكنيسة قديمًا: «تحت ظلّه اشتهيت أن أجلس» من القيظ المحرق القاتل، وأثناء السير في أرض معيية، وعندما تفتح الجحيم أبوابها...
هل قرأت عن قضيب اللوز (عدد 1:17-8)؟ إن عصا اللوز أفرخت، وأخرجت فروعًا وأزهرت وأثمرت لوزًا، وكان فيها تعبير عن القيامة. فإن العصا في ذاتها لم تكن أكثر من قضيب لوز جفّ وماتت أصوله، لكنها رمز للمسيح رئيس الحياة الذي قام من الأموات. «أفرخت وأزهرت،» وبالقيامة من الأموات تتميز مسيحيتنا.
عجبًا يعرفني، هللويا! ولقد عيَّنني، هللويا!
ودعاني للصليب، عمَّني برٌّ عجيب
مجدنّي ذا الحبيب، هللويا!
قد فداني يا جموع، هللويا! وشفى نفسي يسوع، هللويا!
ليت لي ألف لسان، ألف نفس وجنان
هاتفًا طول الزمان: هللويا!
صلاة
يا إلهنا الصالح،
نشكر لك محبتك الأبدية واعتناءك الدائم بنا، ونشكرك أنك لم تدعنا نتخبّط في دياجير الإثم والشر والخطية بل فتحت لنا طريقًا إلى الخلاص والسلام والحياة الأبدية.
إمنحنا أن نعرف ذلك الطريق في المسيح الذي قال:
"أنا هو الطريق والحق والحياة."
وأعطنا القوة لنقبله ونسير في حقه إلى شركة تامة مقدسة معك.
ساعدنا يا إلهنا كي نكون بدورنا مساعدةً للمحتاجين، ونورًا للجالسين في الظلمات وأودية اليأس وظلال الموت.
إكرامًا لفادي نفوسنا الرب يسوع المسيح، آمين!