يخبرنا الكتاب المقدس عن ثلاثة من رجال الله الأتقياء تساءلوا عن هذا الأمر العجيب: لماذا ينجح الأشرار؟ هؤلاء الرجال هم: أيوب وآساف وإرميا النبي.
أيوب: كان أيوب رجلًا "كاملًا ومستقيمًا يتّقي الله ويحيد عن الشر." (أيوب 1:1) وقال الرب عنه للشيطان: "ليس مثله في الأرض." (عدد 8) ولكن الله سمح أن يجوز أيوب في ظروف صعبة جدًا. في يوم واحد فقد أولاده السبعة وبناته الثلاث. ليس ذلك فقط بل فقد كل أملاكه، مواشيه وغنمه وجماله ومعظم خدامه. بل جاء يوم فيه ضُرب بقرحٍ رديء من باطن قدمه إلى هامة رأسه. وقد تمَّ تسجيل هذه الوقائع في الأصحاحين الأولين من سفر أيوب. وفضلًا عن ذلك فقد احتقره خدمه وأصبحت رائحته كريهة عند زوجته. ولكن الروح القدس يقول: "قد سمعتم بصبر أيوب." (يعقوب 11:5) لقد امتُحن أيوب بأقسى أنواع الامتحانات. تعجب أيوب مما حدث له، وتساءل قائلاً: "لماذا تحيا الأشرار ويشيخون، نعم ويتجبّرون قوة؟ نسلهم قائم أمامهم معهم، وذرّيتهم في أعينهم. بيوتهم آمنة من الخوف، وليس عليهم عصا الله. ثورهم يلقح ولا يخطئ. بقرتهم تنتج ولا تُسقط. يسرحون مثل الغنم رُضّعهم، وأطفالهم ترقص. يحملون الدف والعود، ويطربون بصوت المزمار." (أيوب 7:21-12) ولكن شكرًا لله أنه لم يترك أيوب في حيرته، بل تكلم معه شخصيًا. فأدرك أيوب أن الله يعمل كل شيء بحكمة إلهية تفوق إدراك عقولنا، ويعمل كل شيء لبركة نفوسنا. فقال أيوب لله: "قد علمت أنك تستطيع كل شيء ولا يعسر عليك أمر... ولكني قد نطقت بما لم أفهم، بعجائب فوقي لم أعرفها." (أيوب 2:42-4)
بعد أن تعلم أيوب الدروس المهمة التي أراد الله أن يعلمه إياها، ردّ له الله ضعف ما فقده في أيام تجربته. حقًا نقول مع يعقوب عبد الله والرب يسوع المسيح: "ها نحن نطوّب الصابرين. قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب. لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف." (يعقوب 11:5)
آساف: كان آساف أحد المرنمين الذين عيّنهم داود الملك لخدمة الهيكل. وكان له مركز مرموق بين المرنمين. وهو كاتب المزامير 73-83. في مزمور 73 الذي هو موضوعنا الآن، والذي أرجو أن تقرأه بعناية لأهميته الكبرى – في هذا المزمور يحدثنا آساف عن اختباره الشخصي فيقول: "أما أنا فكادت تزلّ قدماي. لولا قليل لزلقت خطواتي. لأني غرت من المتكبّرين، إذ رأيت سلامة الأشرار." (مزمور 2:73-3) وقال أيضًا: "هوذا هؤلاء هم الأشرار، ومستريحين إلى الدهر يكثرون ثروة." (عدد 12)
كانت نتيجة هذه النظرة وهذه الأفكار مؤلمة جدًا حتى أنه ظن أن حياة التقوى والبر هي بلا فائدة، بل هي خسارة. ولكن الله لم يترك عبده ولم يسمح له أن ييأس. لذلك افتتح آساف هذا المزمور بالقول: "إنما صالح الله لإسرائيل، لأنقياء القلب." (عدد 1) فهو كان على وشك أن تزلّ قدماه وتنزلق خطواته. ولكن الله صالح لذلك قاده الرب إلى معرفة الحق. "بعد أن تمرمر قلبه وانْتُخِست كليتاه" قاده الله إلى المقادس، أي إلى محضره الإلهي، فقال: "حتى دخلت إلى مقادس الله، وانتبهت إلى آخرتهم." (عدد 17) فقال: "حقًا في مزالق جعلتهم. أسقطهم إلى البوار. كيف صاروا للخراب بغتة! اضمحلوا، فنوا من الدواهي. كحلم عند التيقّظ يا رب، عند التيقّظ تحتقر خيالهم." (أعداد 17-20)
ما أعظم نعمة الله: آساف الذي تمرمر قلبه نسمعه في هذا المزمور 73 يقول: "ولكني دائمًا معك. أمسكت بيدي اليُمنى. برأيك تهديني، وبعد إلى مجدٍ تأخذني. من لي في السماء؟ ومعك لا أريد شيئًا في الأرض." (عدد 23-25) ويختم هذا المزمور بالقول: "أما أنا فالاقتراب إلى الله حسن لي. جعلتُ بالسيد الرب ملجأِي، لأُخبر بكل صنائعك."
إن ما أوجد هذا التغيير في أفكار وقلب آساف هو ما جاء في عدد 17 "حتى دخلت مقادس الله العليّ وانتبهت..." ونحن أيضًا نحتاج يوميًا أن ندخل مقادس الله، ونجلس عند قدمي الرب يسوع المسيح، نصلي ونقرأ في الكتاب المقدس. أما إذا أهملنا هذا سوف نتمرمر ونضعف ونعذّب أنفسنا بأوجاع كثيرة. نحن محتاجون إلى الدرس الثمين الذي يعلمنا إياه الروح القدس في مزمور 73.
إرميا النبي: كان إرميا غلامًا حين دعاه الرب وقال له: "قبلما صوّرتك في البطن عرفتك، وقبلما خرجت من الرحم قدّستك. جعلتك نبيًا للشعوب." ولكن الرب شجعه وقال له: "لا تخف من وجوههم، لأني أنا معك لأنقذك." (اقرأ إرميا 4:1-10) قاسى إرميا كثيرًا من الشعب ومن السلطات. وُضع مرة في جبٍّ لم يكن فيه ماء بل وحل. فغاص في الوحل. ولو لم يرد الرب إخراجه من الجب لمات هناك (إرميا 6:38-13)
كان إرميا النبي رجلاً تقيًا منذ صباه وكان يعرف الكتب المقدسة. ولا شك أنه كان يعرف ما جاء في مزمور 1:37 و2 "لا تغر من الأشرار، ولا تحسد عمال الإثم، فإنهم مثل الحشيش سريعًا يُقطعون، ومثل العشب الأخضر يذبلون." ولكنه تساءل أيضًا بخصوص هذا الأمر. قال للرب: "أبرٌ أنت يا رب من أن أخاصمك. لكن أكلّمك من جهة أحكامك: لماذا تنجح طريق الأشرار؟ اطمأن كل الغادرين غدرًا! غرستهم فأصّلوا. نموا وأثمروا ثمرًا. أنت قريب في فمهم وبعيد من كُلاهم." (إرميا 1:12-2)
فنرى إذًا أن نجاح الأشرار قد يحيّر المؤمن، ولكنه نجاح مؤقت يعقبه هلاك ودمار. إذ قال إرميا بعد ذلك: "أفرزهم كغنم للذبح وخصّصهم ليوم القتل." كما قال آساف أيضًا: "حقًا في مزالق جعلتهم أسقطتهم إلى البوار."
فد أعطانا الله في كتابه المقدس نصائح ثمينة لتحمينا من الوقوع في الفخ الذي نصبه عدو الخير، إبليس. فقد أعطانا الرب إنذارات ضدّ محبة العالم ومحبة المال، مثل ما جاء في 1تيموثاوس 6، التي يجب أن ندرسها ونطبقها في حياتنا اليومية في هذه الأيام التي أُصيب فيها كثيرون من المؤمنين بمحبة المال. ليتنا نتذكر ما جاء في 2كورنثوس 18:4 "ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى بل إلى التي لا تُرى. لأن التي تُرى وقتية وأما التي لا تُرى فأبدية."
قصة واقعية: عرفت امرأة فاضلة في دولة تقاوم الإيمان بالمسيح وتضطهد المسيحيين. كانت تعمل كمدرّسة، وكان المؤمنون يجتمعون في بيتها سرًّا للعبادة. فكانوا يحتفظون بكتب مقدسة وكتب ترنيم في بيتها. وذات يوم اتصل بها رجال الشرطة وقالوا لها أن ترجع إلى البيت لأن لصوصًا دخلوا بيتها وسرقوا بعض الأشياء. فخافت جدًا لئلا يكونوا قد اكتشفوا وجود الكتب المقدسة في بيتها. فلما رجعت إلى بيتها وجدت أنهم سرقوا مجوهرات وأشياء مثل هذه ولكن لم يمسوا الكتب المقدسة. فقالت بفرح شديد للمؤمنين الآخرين: "شكرًا للرب! إنهم سرقوا الأشياء الفانية، ولكن لم يروا الأشياء الباقية." ونحن نقول معها: "شريعة فمك خير لي من ألوف ذهب وفضة." (مزمور 72:119)