"عظيم هو الرب وحميد جدًا وليس لعظمته استقصاء." (مزمور 3:145)
سنتكلم باختصار عن ثلاث نواحٍ لعظمة إلهنا. فالله عظم في ذاته وفي أعماله وفي خطته نحو خليقته.
هو غير مجدود وعظمته تفوق كل فكر أو وصفٍ ولكننا سنكتفي بملاحظات قليلة عن عظمة قدرته، وعظمة علمه أي معرفته، وعظمة محبته. ولا بد لي أن أعترف أنني مهما كتبت ومهما تماديت في الوصف فإنه لن يعادل نقطة ماء من بحرٍ كبير واسع الأطراف أو من أوقيانوس. وهدفي من هذا المقال أن يقودنا إلى السجود القلبي والمحبة الشديدة نحو هذا الإله العظيم الذي ليس لعظمته استقصاء.
أولاً: الله عظيم في قدرته
يفتتح الكتاب المقدس بالقول: "في البدء خلق الله السماوات والأرض." تأمّل في هذا أيها القارئ العزيز. "قال الله: [ليكن نور.] فكان نور." هل هناك كائن ولو صرخ بأعلى صوته يستطيع أن يحوّل الظلام إلى نور؟ ولو اجتمع آلاف وملايين البشر في ليلة حالكة الظلام، وصرخوا بأعلى صوتهم لمدة ساعة أو ساعات، هل يستطيعون أن يحوّلوا الظلام إلى نور؟
إن الأصحاح الأول من سفر التكوين يدعونا لنفكّر في عظمة قدرة الخالق. يا لحماقة الإنسان الذي يجادل ويحاول أن ينكر حقيقة ما جاء في الأصحاح الأول من الكتاب المقدس. ليتنا جميعًا نقول مع داود: "أيها الرب سيدنا، ما أمجد اسمك في كل الأرض! حيث جعلت جلالك فوق السماوات... إذ أرى سماواتك عمل أصابعك، القمر والنجوم التي كوّنتها، فمن هو الإنسان حتى تذكره؟ وابن آدم حتى تفتقده؟ ... أيها الرب سيدنا، ما أمجد اسمك في كل الأرض!" (مزمور 8) وقد ظهرت قوة الله في حياة ربنا يسوع المسيح، "الذي هو صورة الله غير المنظور..." والذي "فيه يحلّ كل ملءِ اللاهوت جسديًّا" (كولوسي 9:2) ظهرت قوة الله في معجزاته التي هي أكثر من أن تُعدّ. أمر الرياح والأمواج أن تهدأ فأطاعته. شفى المرضى، وفتح أعين العميان، وطهّر الأبرص، فعل كل ذلك وأكثر بكلمة منه. بل أقام الموتى أيضًا بكلمة. قال للصبية التي ماتت: "يا صبية، قومي! ... وقامت في الحال." (لوقا 54:8-55) وإلى شاب ميت – كان هو الابن الوحيد لأمه الأرملة. قال: "أيها الشاب، لك أقول: قم!" فجلس الميت وابتدأ يتكلم." (لوقا 13:7-14) كما أقام لعازر بعد أن كان له أربعة أيام في القبر – إذ قال له: "لعازر، هلمّ خارجًا!" فخرج في الحال من القبر (يوحنا 43:11-44) وسوف يسمع الأموات صوته في يوم قادم... والسامعون يحيون (انظر يوحنا 25:5-29). وحين تجتمع ملوك الأرض وأجنادهم ليحاربوه، سيُقتلون بسيف ذي حدّين خارج من فمه – أي بكلمة فمه (رؤيا 19:19-21) أما بالنسبة لنا نحن المؤمنين، فهو "سيغيّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء." (فيلبي 21:3) إن الأخبار المفرحة عن الرب يسوع المسيح، أي الإنجيل هي قوة الله للخلاص لكل من يؤمن. إذًا رأينا قوة الله في الخليقة، في الخلاص وفي الدينونة. نعم،
الله قوة لنا وحمانا الوطيد
في الضيق عون قادر ونصير شديد
ثانيًا: الله عظيمٌ في معرفته، أي في علمه بكل الأمور
أرجو أيها القارئ العزيز أن تتأمل فيما جاء في مزمور 139 فستقول مع داود: "عجيبة هذه المعرفة، فوقي ارتفعت، لا أستطيعها." (مزمور 6:139) قال داود: "لأنه ليس كلمة في لساني، إلا وأنت يا رب عرفتها كلها." (عدد 4) هل هذا ينطبق فقط على داود؟ كلاّ، بل على الجميع. ربما يوجد الآن أكثر من 7 مليار (أي 7 آلاف مليون) من البشر على وجه الأرض. إن الله يعرف كل كلمة ينطق بها الإنسان وكل فكر يجول في ذهنه، كما يعرف ويتذكّر تمامًا كلّ ما تكلّم به أو فكّر فيه كل إنسان وُجد على وجه الأرض. لا بدّ أن نقف مندهشين إزاء هذه الحقيقة. قال الرب يسوع المسيح: "إن كل كلمة بطالة يتكلّم بها الناس سوف يُعطون عنها حسابًا يوم الدين." (متى 36:12) ولكن شكرًا لله لأنه أيضًا يعرف كل كلمة نطقنا بها لمجد اسمه ولبركة الآخرين. ما أكثر النصائح التي لنا في الكتاب المقدس بخصوص موضوع الكلام. "لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ." (أفسس 29:4)
جاء في رسالة يهوذا عدد 15 أن الرب سيعاقب على جميع "الكلمات الصَّعبة" التي تكلّم بها عليه خطاة فجّار. ثم أن معرفته تشمل كل الخليقة. فهو "يحصي عدد الكواكب. يدعو كلها بأسماء!" (مزمور 147:4) يا للعجب! لا يستطيع العلماء أن يحصوا عدد الكواكب ولكنها كلها معروفة عند الخالق المجيد.
ولكن شكرًا لله أن هذا الخالق العظيم أيضًا "يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن." (مزمور 14:103) لذلك "كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه." (عدد 13) أعترف أن هذه الحقيقة هي سبب تشجيع كثير لي. وأرجو أن تكون كذلك لك أيها القارئ العزيز.
ثالثًا: الرب عظيم في محبته
"لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يوحنا 16:3) ربما تكون هذه أشهر آية في الكتاب المقدس.
كان هاري مورهاوس الشاب الإنجليزي شابًا طائشًا، ولكن نعمة الله افتقدته وهو في الحادية والعشرين من عمره، وفي الحال ابتدأ يبشر بنعمة الله. وبعد تردّد كثير سمح له د. ل. مودي المبشر الشهير أن يقوم هاري بالتبشير في إحدى الحملات التبشيرية لمودي لمدة أسبوع. في كل ليلة كانت موعظته من يوحنا 16:3 وكان لها تأثير كبير على مودي وعلى أسلوبه في التبشير، حتى عُرِفَ هاري بأنه الرجل الذي حرّك العالم، أي مودي.
"ليس لأحدٍ حبّ أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه." (يوحنا 13:15) جاء المسيح لا ليُخدَم بل ليخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين. ما أكثر ما جاء في الكتاب المقدس عن محبة الله. وما أكثر الترانيم الجميلة التي تُغنّى بمحبة الله، في لغاتٍ بلا عدد. ففي لغتنا العربية لا حصر للترانيم الجميلة التي موضوعها محبة الله، مثل "محبة الله سمت، ما قاسها عقل فطين" و "الله حبٌّ فالسما والأرض تبدي حبّه"، و"أحبني ربّي، نعم أحبني." ألا تبتهج قلوبنا حين كنا نتغنّى بمحبة الله؟ ليتنا نكثر من الترنيم والتسبيح لمن أحبنا وبذل نفسه لأجلنا. إن العائلة التي يقضي أفرادها وقتًا يشتركون فيه بالترنيم والشكر على محبة الله هي عائلة سعيدة.
وأخيرًا أشير إلى حادثة منذ حوالي 70 سنة أثّرت فيّ كثيرًا. ذات مرة تركت نسخة من العهد الجديد في غرفتي على السرير في مستشفى كلية الطب أثناء سنة التمرين بعد التخرّج من الكلية، فرآها زميل لي لم يكن مسيحيًا، وسألني: ما هذا الكتاب؟ فقلت له: الإنجيل. فقال: هل يمكن أن أقرأ فيه؟ فقرأ من 1كورنثوس 13، ثم قرأه ثانية وثالثة. ثم قال لي: "لم أكن أعلم أن كتابكم المقدس فيه كلام جميل مثل هذا. هل تسمح لي أن آتي وأقرأ فيه أحيانًا؟
وأخيرًا، أختم المقال بهذه الكلمات: "عظّموا الرب معي، ولنعلّ اسمه معًا."
"لأن الله هذا هو إلهنا إلى الدهر والأبد. هو يهدينا حتى إلى الموت." هللويا. آمين.