مقدمة: يسوع المسيح هو موضوع الكتاب المقدس كله، ابتداء من سفر التكوين حيث نرى أول إشارة له في قول الرب أن نسل المرأة سيسحق رأس الحية، التي هي رمز للشيطان.
ثم نرى رمزًا له في قصة إسحاق الابن الوحيد الحبيب لإبراهيم الذي كان مستعدًا أن يقدّمه ذبيحة للرب، ونراه بوضوح في قصة يوسف الذي أرسله أبوه ليتفقَّد سلامة إخوته، ولكنهم تآمروا على قتله، قائلين:
"هلمّ نقتله... فنرى ماذا تكون أحلامه." (تكوين 37) وهكذا نراه مرارًا كثيرة، أحيانًا بالرموز وأحيانًا بالنبوّات، وبكلام واضح وصريح مثلما جاء في إشعياء 53 إلى أن نأتي إلى العهد الجديد، فنراه الأول والآخر، الألف والياء، البداية والنهاية. ونسمعه يقول: "أنا والآب واحد." وفي ختام سفر الرؤيا يقول: "أنا يسوع. أرسلت ملاكي لأشهد لكم بهذه الأمور." (رؤيا 16:22) في هذا المقال سنعلّق على سبعة مرات تكلم فيها المسيح عن نفسه في إنجيل يوحنا.
1- خبز الحياة
"أنا هو خبز الحياة من يقبل إليّ فلا يجوع. ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا." (يوحنا 35:6) الخبز طعام أساسي، ونجده في كل الدول والمجتمعات. هناك أطعمة نجدها في بعض الدول ولا نجدها في دولٍ أخرى، أما الخبز فقد أصبح رمزًا للطعام عمومًا. ومع ذلك فقد قال الرب يسوع: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله." (متى 4:4) كما قال لليهود: "آباؤكم أكلوا المنّ في البريّة وماتوا." (يوحنا 49:6) أما عن كونه خبز الحياة فقد قال: "أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحدٌ من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم." (يوحنا 51:6) وقد وضح معنى كلامه هذا في قوله "الروح هو الذي يُحيي. أما الجسد فلا يفيد شيئًا. الكلام الذي أكلّمكم به هو روح وحياة." (يوحنا 63:6) أي، أن ما قاله يجب أن يُفهم روحيًا لا حرفيًّا. الخلاصة هي أن موت المسيح هو أساسُ خلاصِنا ونوال الحياة الأبدية.
2- نور العالم
"أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة." (يوحنا 12:8)
في افتتاحية إنجيل يوحنا يقول الروح القدس: "كان النور الحقيقي... آتيًا إلى العالم. كان في العالم، وكُوِّن العالم به، ولم يعرفه العالم." (يوحنا 9:1-10) والتاريخ نفسه يشهد لهذه الحقيقة. فقد كان العالم يتخبّط في الظلام في الأزمنة الماضية التي قال عنها الرسول بولس أنها كانت "أزمنة الجهل" (أعمال 30:17)، واستمرّ الظلام في الدول التي لم يدخلها نور إنجيل يسوع المسيح.
يُحكى عن الملكة فيكتوريا ملكة إنجلترا سابقًا أنها أضافت أحد رؤساء الدول في أفريقيا فسألها عن سرّ تقدّم بلادها. فأخذت نسخة من الإنجيل وقالت له: هذا هو السرّ! من الواضح أن الدول التي انتشر فيها الكتاب المقدس تقدّمت كثيرًا، ونحن نعرف أن الرب يسوع المسيح هو الموضوع الأساس في الكتاب المقدس. وللأسف الشديد نحن نرى الآن المصائب التي تحلّ على المجتمع الذي بعد أن استنار بمعرفة الرب يسوع تحوّل عنه فسقط في الشرّ والفساد وساد عليه الظلام.
3- الباب
"أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى." (يوحنا 9:10)
نعم، هو الباب إلى محضر الله. قال: "ليس أحد يأتي إلى الآب إلّا بي." (يوحنا 6:14) باسمه ندخل إلى مقادس الله، كما فعل آساف حين أزعجته أفكاره (انظر مزمور 73). لكن بعد أن دخل مقادس الله العليّ خرج فرحًا ويقظًا ومنتصرًا وقال: "أما أنا فالاقتراب إلى الله حسنٌ لي." (عدد 28) إذ يدخل المؤمن من هذا الباب يتمتّع بالحرية الحقيقية ويخرج ليؤدّي أعماله التي خوَّله له الله أن يعملها في الحقول التي ابيضّت للحصاد. كما أنه يجد مرعى له، لأن الراعي يقوده إلى المراعي الخضراء وإلى مياه الراحة (مزمور 1:23-2). هناك يتغذّى ويتقوّى ويرتوي.
أيها القارئ العزيز، إن يسوع المسيح هو الباب إلى الآب، إلى السماء، إلى السعادة الحقيقية! هل دخلت من هذا الباب؟ إياك والأبواب الأخرى الواسعة. تذكّر قول الرب: "لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك، وكثيرون هم الذين يدخلون منه!" (متى 13:7)
4- الراعي الصالح
"أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف." (يوحنا 11:10)
يقدِّم لنا الروحُ القدس ربَّنا يسوع المسيح كالراعي من ثلاث نواحٍ:
أولاً، كالراعي الصالح الذي بذل نفسه لأجل الخراف. وهذا ما نجده في مزمور 22. وخرافه نحن الذين آمنّا وقبلناه في قلوبنا.
ثانيًا، كراعي الخراف العظيم الذي يعيننا في كل عمل صالح لنعمل مشيئته كما جاء في عبرانيين 20:13 وهذا موضوع مزمور 23. قال عنه إشعياء بهذا الخصوص: "كراعٍ يرعى قطيعه. بذراعه يجمع الحملان، وفي حضنه يحملها، ويقود المرضعات." (إشعياء 11:40) أي يعرف احتياجاتنا ويتعامل مع كل واحد منا حسب ظروفه الخاصة واحتياجاته ومحدوديّته. ثالثًا، كرئيس الرعاة (1بطرس 4:5) الذي سوف يأتي بمجد عظيم ليمنح المكافآت للذين اعتنوا بقطيعه على الأرض. وفي مزمور 24 نجد إشارة لمجيئه بمجد عظيم. حقًا إن راعينا الصالح العظيم ورئيس الرعاة يستحق كل شكرٍ وسجود وإكرام.
5- القيامة والحياة
"أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا." (يوحنا 25:11)
"آخر عدوٍّ يُبطل هو الموت" (1كورنثوس 26:15). المسيح انتصر على الموت كما قال لليهود: "انقضوا هذا الهيكل (أي هيكل جسده)، وفي ثلاثة أيامٍ أقيمه." (انظر يوحنا 19:2) وهو سيقيم أجسادنا المائتة نحن المؤمنين "فإن سيرتنا نحن هي في السماوات، التي منها أيضًا ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع المسيح، الذي سيغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيءٍ." (فيلبي 20:3-21) والمسيح بموته وقيامته أباد "ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس." (عبرانيين 14:2) فأصبح الموت بالنسبة للمؤمن انتقال من هذا العالم إلى الوجود مع الرب في السماء -- إذ كانوا يرجمون إستفانوس شخص إلى السماء وقال: "ها أنا أنظر السماوات مفتوحة، وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله." (أعمال 56:7) المسيح بموته "أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل." (2تيموثاوس 10:1) لا عجب أن الرسول بولس قال: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا." (فيلبي 23:1)
6- الكرمة الحقيقية وأبي الكرّام
"أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام. كل غصنٍ فيّ لا يأتي بثمرٍ ينزعه، وكل ما يأتي بثمر ينقّيه ليأتي بثمر أكثر... اثبتوا فيّ وأنا فيكم. كما أن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة، كذلك أنتم أيضًا إن لم تثبتوا فيّ." (يوحنا 1:15-4)
بهذا التشبيه أراد الرب يسوع – تبارك اسمه – أن يعلّمنا أهميّة الثبات فيه. لأنه هو مصدر كلّ قوّة للخدمة، كما للحياة الروحية المرضية أمام الله، والمثمرة لمجد اسمه.
أيها القراء الأعزاء، ليتنا جميعًا ندرس هذا الفصل، أي يوحنا 1:15-11 باهتمام وبروح الصلاة لكي يتم فينا قول الرب: "كلّمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويُكمل فرحكم."
لقد شبّه الرب شعبه قديمًا بثلاثة أنواع من الشجر: الكرمة والتينة وشجرة الزيتون. وفي هذه الثلاثة ظهر فشلهم. وأكثرهم ذكرًا في الكتاب هو الكرمة. يقول الرب في إشعياء 1:5-7 أنه عمل كل ما يلزم لهذه الكرمة وانتظر أن تصنع عنبًا فصنعت عنبًا رديئًا. وفي متى 33:21-41 نرى أنهم ثاروا ضدّ الكرّام وابنه. أما الرب يسوع فهو الكرمة الحقيقية. هو الذي "به سُرّ الآب جدًّا، وبه تمّ رضاه كما تقول الترنيمة، بل كما قال الآب نفسه عند بدء خدمة الرب يسوع، أي عند معموديته. وحين اقترب وقت موته لأجلنا، وهو على جبل التجلّي.
7- الطريق والحق والحياة
"أنا هو الطريق والحق والحياة." (يوحنا 6:14) تكلّمنا عن هذا بالتفصيل في العدد السابق، فرأينا أنه الطريق الوحيد إلى الآب. وهو الذي شهد له الوحي المقدس قائلاً: "نعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق. ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية." (1يوحنا 20:5)
له المجد إلى أبد الآبدين." آمين.