كُتب عن أيام نوح هذا القول: "ورأى الرب أن شرّ الإنسان قد كثُرَ في الأرض، وأن كلّ تصوُّر أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم... فقال الله لنوح: [نهاية كل بشر قد أتت أمامي، لأن الأرض امتلأت ظلمًا منهم. فها أنا مهلكهم مع الأرض." (تكوين 5:6 و13)
وقال يسوع: "وَكَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا فِي أَيَّامِ ابْنِ الإِنْسَانِ: كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيُزَوِّجُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ نُوحٌ الْفُلْكَ، وَجَاءَ الطُّوفَانُ وَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ." (لوقا 26:17-27) وبالرغم من كل تحذيرات الله التي أنذرهم بها بفم نوح، فقد ظلّوا مشغولين بأنفسهم وبأمورهم وبشرورهم "ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع." (متى 39:24)
قال يسوع أيضًا: "كذلك أيضًا كما كان في أيام لوط: كانوا يأكلون ويشربون، ويشترون ويبيعون، ويغرسون ويبنون. ولكن اليوم الذي فيه خرج لوط من سدوم، أمطر نارًا وكبريتًا من السماء فأهلك الجميع. هكذا يكون في اليوم الذي فيه يُظْهَرُ ابنُ الإنسان." (لوقا 28:17-30)
لم يمضِ وقت كان الإنسان فيه يسعى بكل قوته للحصول على الفرح والطرب كما هو اليوم. نحن جميعًا سئمون، متضجّرون، متضايقون.
كتب تايلهارد دي شاردين في كتابه [مستقبل الإنسان] يقول: "إن أعظم عدوّ للعالم العصري، العدوّ رقم 1 هو الضجر... أكرّر: بالرغم من كل المظاهر، نجد الإنسانية متضجّرة سئمة. ربما كان هذا هو السبب الدفين لكل متاعبنا وآلامنا. نحن لم نعد نعرف ماذا نعمل بأنفسنا."
نحن نسأم حتى من إجازاتنا. ليست المسألة في أن برامجنا التلفزيونية رديئة، بقدر ما هي في أننا نحن أصبحنا نتعب ونسأم من كثرة ما عندنا. قديمًا صرخ أيوب وقال: "إن هتاف الأشرار من قريب، وفرح الفاجر إلى لحظة!" (أيوب 5:20) ويقول الكتاب المقدس: "أيضًا في الضحك يكتئب القلب." (أمثال 13:14)
إن العالم على حافة انهيار خلقي لم يشهد مثله حتى في أيام روما. لقد تلذّذنا بكل أنواع الملذّات التي يستطيع إنسان أن يستمتع بها، وأساء الإنسان كل هبة منحها الله له، بما في ذلك الجنس، حتى لم يجد فرحه وسعادته في شيء منها. نشرت مجلة "تايم" مؤخرًا أخبار "حفلة للتعبير المتحرّر" أُقيمت في أحد مراكز باريس، أنطلق فيها الشبان والشابات يمارسون أعمالاً فاسدة أمام المتفرّجين، منحطة بشكل لا يمكن أن نذكره هنا. هذا هو الإنسان إذ يطلق إلى هواه ويفعل ما يشاء. هذه هي الطبيعة البشرية بدون الله، تعبّر عن نفسها حرّة طليقة. وهي علامة النهاية.