"وَإِنَّمَا إِذَا ذَكَرْتَنِي عِنْدَكَ حِينَمَا يَصِيرُ لَكَ خَيْرٌ، تَصْنَعُ إِلَيَّ إِحْسَانًا وَتَذْكُرُنِي لِفِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُنِي مِنْ هذَا الْبَيْتِ." (تكوين 14:40)
"يوسف... غصن شجرة مثمرة على عين... فمرّرته واضطهدته أرباب السهام... وُجّهت إليه سهام ملتهبة من إخوته، ومن زوجة فوطيفار، ولكن ثبتت بمتانة قوسه..." كانت أطوار حياة يوسف تحت السيطرة الإلهية.
ولما فسّر يوسف حلم رئيس السقاة عرض عليه إن أمكن أن يذكره أمام الملك فرعون حتى يخرجه من السجن... ولكن الله كان يتمّم خطة خاصة ليوسف، فأنسى رئيس السقاة كلام يوسف لوقت دبّره الله بنفسه ليخرج بها يوسف من السجن لا كإنسان عادي بل كثاني رجل في المملكة. وللفائدة نتأمّل فيما يلي:
أولاً: رؤية شخصية
"تصنع إليّ إحسانًا وتذكرني أمام فرعون." ولنفرض أن الرجل ذكر يوسف أمام فرعون، فهل كان فرعون سيفعل شيئًا ويخرجه؟ لا أعتقد أن الملك سيخرج يوسف من السجن. ولنفرض جدلاً أن الملك أمر بإخراج يوسف من السجن، إلى أين سيذهب؟ ليس له مكان يأويه، ولا شيء يقتات منه. لا بد أن يبحث عن عمل يعيش منه. فإذا ذهب إلى صاحب متجر يسأله إذا كان يريد أحدًا أن يعمل عنده فيقول له: نعم.
- هل أنت من تريد أن تعمل؟
- نعم، يا سيدي.
- أنا أريد أن أعرف عنك، ما اسمك؟ هل هذا أول عمل لك أم كنت تعمل قبل ذلك وأين؟ وما الذي جعلك تترك العمل؟
وسيجد يوسف حرجًا في الإجابة عن بعض الأسئلة كالقول إنه كان يعمل عند صاحب مصنع أو في مزرعة. وإذا قال إنه خارج لتوّه من السجن، فإن مصيره سيكون الرفض... وكان سيخرج من سجن صغير إلى سجن كبير يبحث فيه عن مكانٍ لينام وطعامٍ ليأكل. فكان أن الرب أنسى رئيس السقاة قصة يوسف لمدة سنتين... فالإنسان لا يرى إلا عند قدميه فقط... الرب لا يريد لابنه أن يخرج من السجن لكي يعاني! "لأن أفكاري ليست أفكاركم، ولا طرقكم طرقي، يقول الرب. لأنه كما علت السماوات عن الأرض، هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم." (إشعياء 8:55-9) فماذا كان فكر الرب وطريقه؟ وهذا يقودني إلى الكلمة الثانية.
ثانيًا: التوقيتات الإلهية
الله يدبّر الأمور الحسنة لأولاده لتكون حياتهم في وضع أفضل. "يغيّر الأوقات والأزمنة. يعزل ملوكًا وينصِّب ملوكًا. يعطي الحكماء حكمة..." (دانيال 21:2) أرسل لفرعون حلمين عجز عن تفسيرهما كل حكماء مصر. وذكّر الرب رئيس السقاة بيوسف فتحدّث إلى الملك فرعون عن حلمَيْه هو ورئيس الخبازين، وكيف فسّرهما شخص من السجن. وبحسب التفسير، رجعتُ للعمل ورئيس الخبازين عُلِّق على خشبة كما ورد في تفسير الحلمين – أرسل الملك واستدعى يوسف وقال له: "سمعت عنك قولاً، أنك تسمع أحلامًا لتعبّرها." فأجاب يوسف فرعون: "ليس لي. الله يجيب بسلامةٍ فرعون." وقصّ فرعون حلمَيه على يوسف. رأى في الحلم الأول سبعة بقرات سمينات وسبعة بقرات هزيلات، فابتلعت البقرات الهزيلة البقرات السمينة ولم يظهر عليها شيء... ورأى سبعة سنابل ممتلئة وسبعة سنابل يابسة ورقيقة فابتلعت السنابل اليابسة السنابل الممتلئة ولم يظهر عليها شيء. وقال يوسف: حلمَي فرعون واحد، وقد تكرر لأن الأمر من الله. البقرات السمينة والممتلئة هي سبعة سنين شبع. والبقرات السبع الهزيلة والسنابل اليابسة هي سبعة سني جوع. وسنين الجوع تنسي الناس سنين الشبع... وعرض يوسف على الملك فرعون أن يختار رجلًا بصيرًا حكيمًا ليكون على كل الأرض فيجمع في سنين الشبع تُجمع خمس غلّة الأرض لتخزن لسنوات الجوع حتى لا تنقرض الأرض. أُعجب فرعون ورجاله بالتفسير وبالاقتراح وقال لرجاله: "هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله؟" ثم قال ليوسف: "انظر، قد جعلتك على كل أرض مصر." أي، أنا فقط في المكانة قبلك وأنت الرجل الثاني في كل المملكة. وخلع فرعون خاتمه من يده وجعله في يد يوسف، وألبسه ثياب بوص (لبس الملوك)، ووضع طوق ذهب في عنقه، وأركبه في مركبته الثانية، وغيّر اسمه إلى صفنات فعنيح، وزوّجه من أسنات بنت كاهن أون!
أنظروا الفرق بين الرؤيا البشرية والتدبير الإلهي وتوقيتاته. "لأني عرفت الأفكار التي أنا مفتكر بها عنكم، يقول الرب، أفكار سلام لا شر، لأعطيكم آخرة ورجاء."
ثالثًا: دروس حيويّة
1- لا تنطق: لا تنطق بكلمات تذمّر. كن شاكرًا باستمرار. كان يوسف شاكرًا. لم نسمع منه كلمة تذمّر ولما عرض الأمر على رئيس السقاة، قال لأني سُرقتُ من أرض العبرانيين، وهنا لم أفعل شيئًا حتى وضعوني في السجن.
2- لا تقلق: الإنسان يريد أن يصل إلى هدفه، وكم يقلق لتحقيق ذلك سريعًا... ولا شك أن يوسف لم يكن قلقًا فلم يقل لرئيس السقاة: إن أول عمل تعمله عندما ترجع إلى عملك أنك تذكرني قدام الملك فرعون... لا تتأخّر! لم يقل يوسف هكذا بل قال: "وإنما إذا ذكرتني عندك حينما يصير لك خير تصنع إليّ إحسانًا وتذكرني لفرعون وتخرجني من هذا البيت." كلمات ليس فيها ما يدلّ على القلق.
3- لا تتعلّق: لا تتعلّق بأحد من البشر. لم يتعلّق يوسف برئيس السقاة. من يتعلّق بالبشر يكون كمن اعتمد وتعلّق ببيت العنكبوت. "ملعون الرجل الذي يتكل على الإنسان..." "لأنه تعلّق بي أنجّيه. أرفّعه لأنه عرف اسمي."
4- لا تصدّق: لا تصدّق وساوس الشيطان لأنه كذّاب وأبو كل كذاب. لا شك أن الشيطان كان يوسوس دائمًا ليوسف بأن الله قد نسيه: "هاتقضي عمرك كله في السجن... شوف الإله اللي إنتَ بتعبده..." لكن يوسف لم يعطِ الشيطان فرصة. لا تصدق أقوال الشيطان... قل له: "لينتهرك الرب يا عدوّ كل خير."