"ليس أحد وهو يتكلم بروح الله يقول: [يسوع أناثيما]." وأناثيما تعني في الأصل ملعونًا أو معدًّا للهلاك، "وليس أحد يقدر أن يقول: [يسوع رب] إلا بالروح القدس." (1كورنثوس 3:12) أي بالروح القدس وإرشاده.
بكلمة أخرى يسوع المسيح هو المحكّ الأساسي للإيمان الحقيقي والاعتراف به ربًا ظهر في الجسد، والله هو الرب في العهدين القديم والجديد. في أعمال 30:16، سأل سجان فيلبي: "يا سيديَّ، ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟" وكان جواب بولس وسيلا: "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك."
إن الخلاص يبدأ بإعلان الروح القدس، وتبكيت الروح القدس، وتغيير القلب بعمل الروح القدس، وختم الروح القدس وتأييده "فأنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد. وأنواع خِدَمٍ موجودة، ولكن الرب واحد. وأنواع أعمال موجودة، ولكن الله واحد، الذي يعمل الكلَّ في الكلِّ." ألا ترى هنا تلميحًا إلى عقيدة الثالوث الأقدس؟ فما هي مواهب وخدم وأعمال الروح القدس؟
أولًا: مواهب الروح
إن مواهب مثل الحكمة والمعرفة والإيمان هي مواهب الروح الخاصّ بنوع خاص المتنوّعة (إشعياء 2:11)، وهي خدمات تتمثل في الشفاء، والمعجزات، والتنبّؤ منسوبة للمسيح لأنه قدّمها بدون انقطاع على الأرض ولم تختفِ في العصر الحاضر. أما تمييز الأرواح والتكلّم بألسنة وترجمتها فتتّصل بالله الآب وتُعطى من وقتٍ لآخر. كذلك فإن إظهار قوة الروح الإلهية يتجلّى في آياتٍ خارقة للطبيعة للمنفعة الروحية، فكلام الحكمة هو القوة على رؤية الأشياء والتعبير عنها كما يراها الله. إنه بُعد نظر وتعمُّق إلى حقائق الأشياء. ثم كلام العلم هو العقل المستنير والفهم الصحيح للوحي الإلهي. ثم الإيمان هو الذي ينقذنا من مجرد اليقين الأدبي إلى الإدراك العملي لحقيقة ما نؤمن به. إن أهم شفاء للنفس المريضة هو الاعتراف بالخطايا بعمل فداء المسيح الذي شفى منكسري القلوب وأطلق المأسورين أحرارًا وفتح أعين العميان مع اهتمامه بمعجزات الشفاء الجسدي والسلطان على الطبيعة. هناك ثلاث مواهب أخرى: "أنواع أعمال" إلهية، وتمييز أرواح وألسنة وترجمة ألسنة" (1يوحنا 1:4). كانت الألسنة ضربًا من الإلهام الروحي في الصلاة والحمد بلغة لا يفهمها إلا من يترجمونها، كما أن تمييز الأرواح مقدرة ونعمة تفرّق بين الوحي الإلهي الصادق وبين المتظاهرين أو المقلّدين. إن النبوة بمعناها الضيِّق قد زال وبقي الوعظ في الكنيسة بمعناه الروحي. في كورنثوس الأولى 1:14، نجد علاقة المواهب الروحية بعضها ببعض عند ممارستها، فالتكلّم بألسنة أقلّ شأنًا من التنبؤ وبدون الترجمة يصير التكلّم بألسنة عقيمًا لا نفع منه مع توخّي اللياقة وبحسب الترتيب في العبادة. ثم أن التكلم بالألسنة له علاقة بغير المؤمنين ومن يتكلم بألسنة يلزمه مترجم. إن كنيسة بدون الروح القدس تقسّي القلب أكثر من أن تربحه، وتخدم الشيطان أكثر من خدمتها لملكوت الله.
ثانيًا: خِدَم الروح
لقد وضع الله في الكنيسة أولًا رسلًا، ثانيًا أنبياء، ثالثًا معلّمين ثم قوّات، أي الذين لهم قوى معجزيّة يليها مواهب شفاء أعوانًا، تدابير، وأنواع ألسنة. تمتّع بولس بكل هذه المواهب أما في أفسس 11:4، إحصاء آخر لهذه المواهب، ولكنه أقلّ وقد يكون المقصود بـ "أعوانًا وتدابير" ما جاء في رومية 6:12-8 في قوله "المعطي فبسخاء، المدبِّر فباجتهاد" أي العطاء السخي وحسن التدبير، والألسنة تجيء في آخر المواهب. ألعل الجميع يتكلمون بألسنة؟ إلا إذا تُرجمت، وأرواح الأنبياء خاضعة للأنبياء. هل هناك يا ترى فرق بين أنبياء العهد القديم وأنبياء العهد الجديد؟ الأنبياء قديمًا كانوا الناطقين بلسان الله ويشرحون الكلمة عاملين القوّات بصورة فوريّة. في العهد الجديد عيَّن الرب رسلًا الذين وضعوا الأساس العقائدي للكنيسة كما علّمه يسوع المسيح، لكن الآن لم يعد لدينا رسل بل مرسلين. إن محبتنا لبعض أو للرب لا تسقط أبدًا أما المواهب الروحية فهي خدمات خاصة. ومتى جاء الكامل ونصل إلى حالة الكمال يُبطَل ما هو بعض وهنا تنتهي حياة الطفولة أيضًا. إننا الآن ننظر في لغز، والله فقط كلِّي المعرفة، وبانتهاء عصر الرسل اكتملت الأسفار وتم القول "صرّ الشهادة. اخْتِمِ الشريعةَ بتلاميذي." (إشعياء 16:8) إنه بالروح يعرف خادم الله الأشياء الموهوبة له ويفهم الأمور الآتية، والروح يعين الضعفات ويعزّي ويتكلّم بأسرارٍ، ويشفع بأنّاتٍ لا يُنطَق بها، ويصلّي ويرتِّل فينا ويؤدّي الشهادة. كان موسى مكلَّفًا بأمرين: أن يُخْرِجَ الشعب من مصر وأن يخرج مصر من قلب الشعب (قدور اللحم والأكل)، فزوّده الرب بمعونة سبعين رجلًا في الوقت المناسب.
ثالثًا: أعمال الروح
للمسيحية الحقيقيّة جانبان: جانب خارجي ويشمل عمل المسيح وخدمته وموته وقيامته وصعوده، وجانب داخلي يتمثّل في عمل روح الله الذي بواسطته تصير هذه الحقائق واقعية. وقد انسكب الروح القدس في يوم الخمسين كألسنةٍ من نارٍ غير خافية على كلّ واحدٍ مطهّرًا وملهبًا، وتكلّم أناس الله القديسين مسوقين (محمولين) من الروح القدس. جاءت صفات الروح القدس في زكريا والرؤيا "السبعة الأرواح التي أمام العرش" كروح النور، والحياة، والقداسة، والقوة، والفرح، والمحبة، والرجاء. أو "سبعة مصابيح نار" نسبة إلى كمال نور الروح. ويعبّر عنه في رؤيا 6:5-9. إن الأسد الذي يشير إلى قوة المسيح الغالبة هو الحمل المذبوح لأجل فدائنا الذي فكّ الختوم. إنه ذبيح فدائنا العظيم. والروح القدس "له سبعة قرون وسبع أعين هي سبعة أرواح الله" رمزًا لكمال القوة والمعرفة بلغة الأنبياء. أما في كورنثوس الأولى 8:12-10 هناك تسعة مواهب تقسم وتتميّز في اليونانية بكلمتين "أللو Allw وهيتروس hetros" وكلاهما يعني آخر، ويتميّز كلٌّ منهما حسب التخصّص، والنوع، والجنس، والمنفعة. وبعد أول هيتروس يأتي "إيمان" ثم قبل "ألسنة" أيضًا، وتنقسم إلى ثلاثة: أولًا مواهب خارقة للطبيعة أو مواهب عقلية "حكمة وعلم أو معرفة، والثانية مواهب إلهية خارقة للطبيعة المتمثلة في إيمان خاص أو شفاء وأعمال قوات ونبوة وتمييز أرواح، وثالثًا: مواهب ألسنة للمؤمنين وترجمة ألسنة لغير المؤمنين. والسبب في استخدام كلمة هيتروس hetros يعود إلى أن الإيمان نوعان: إيمان المؤمن العادي ثم المعجزي، كما أن الألسنة قد تفيد النطق بكلمة الله أو النطق بألسنة "لكناء"، وهذا يرجع إلى الجنس والنوع: الحكمة جنس مصدرها الله أما العلم فنوع (عقلي أو روحاني)، الإيمان المعجزي جنس لكن للجميع نوع، النبوة جنس (وحي) أو نوع (وعظ وتشجيع)، الألسنة نطق وتترجم جنس، أما الألسنة وعظ وتشجيع نوع. ومن هنا لنا تقسيم آخر. "... الروح الذي حلّ فينا يشتاق إلى الحسد"، أي الروح الذي جعله الله فينا يدفعنا للاندفاع إلى الغيرة الروحية للحياة المقدسة ويهدي فكرنا ويوسّع حلمنا ويؤهلنا لرفقة المسيح الأبدية. "مبارك الله... الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح." أي، حيث يقيم المسيح فوق الحياة الطبيعية مشتركًا مع العالم السماوي. لماذا نكون ضعفاء؟ لماذا نجهل هذه النعمة التي يتيسّر البلوغ إليها إيمان والصلاة؟ وهل نضوج الكنيسة الكافي يبطل المعجزات؟ لنرجع إلى المحبة الأولى التي يصبح المسيح فيها في المقام الأرفع.
منذ سنين مضت صرخ أحد الخدام بدموع: نحن لم نتعلم الروح القدس. كما إن الإصلاح لم يحصل لأن خدمة الروح القدس كانت في غاية الغموض وقلة الاختبار. "عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى".
بالروح القدس والنار عمِّدنا أجمعين