Voice of Preaching the Gospel

vopg

في أصل اللغة: غارَ، يغارُ غَيرَةً، فهو غيورٌ، وغيران، وهي غيورٌ وغَيرى. ويُستخدم المصدر "غيرة" ومشتقاته بمعنيين يمكن التمييز بينهما من سياق الكلام وهما:

1- ابتغاء ما للغير أو تشويهه وإتلافه وهي بهذا المعنى مرتبطة بالحسد.
2- النخوة والحماس نحو الحسنى وخدمة الله والآخرين وإسعادهم.
ونتأمل هنا في المعنى الثاني وهو الغيرة بالمعنى الحسن أو الغيرة المقدّسة وهي التي تؤدي بالمرء للرغبة الجامحة والحماس في تنفيذ مقاصد الله الخيِّرة، وعمل مشيئته الصالحة، والتضحية لتحقيق هذا الغرض، ولخدمة الآخرين حبًّا بالرب وطاعةً لوصاياه.
تقول الكلمة الإلهية: "حسنةٌ هي الغَيرة في الحُسنى." (غلاطية 18:4) وتقول أيضًا عن المسيح: "الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا خَاصًّا غَيُورًا فِي أَعْمَال حَسَنَةٍ." (تيطس 14:2)
فالغَيْرة بهذا المعنى مقبولة من الله بل مطلوبة وممدوحة منه، وهي ضدّ الإهمال والتهاون والتراخي في الأمور الصالحة والمقاصد الخيّرة التي ترضي الله وتعلّي مجده وتجلب الخير والبركة للآخرين.
- ومثالنا الأول في الغيرة على عمل الله هو غيرة الرب يسوع في أيام تجسّده. يقول داود عن ذلك في مزمور 69 وهو مزمور "مسيّاني" أي، انه يتكلم فيه بالوحي وبروح النبوّة بلسان المسيح الرب يسوع المسيح الذي نزل من السماء لفداء بني البشر: "لأن غيرة بيتك أكلتني، وتعييرات معيّريك وقعت عليّ." (مزمور 9:69) وقد استشهد يوحنا البشير بهذه الآية حين أخبر في بشارته عن غيرة المسيح في تطهير الهيكل في بداية خدمته الجهارية حيث يقول: "فتذكّر تلاميذه أنه مكتوب: [غيرة بيتك أكلتني.]" (يوحنا 17:2) وتشير الكلمة الإلهية إلى غيرة الله الآب في المقاصد الأزلية، فهو قد تسربل بالغيرة لأجل خلاصنا باذلاً أغلى ما في السماوات ابنه الوحيد ليتجسّد بهيئة إنسان كامل، كي يصير بديلاً عنا في تحمّل القصاص الإلهي، فيموت على عود الصليب لأجل خلاصنا. فيصف هذا التجسّد النبي إشعياء بالروح القدس بقوله: "لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابنًا، وتكون الرياسة على كتفه، ويُدعى اسمه عجيبًا، مشيرًا، إلهًا قديرًا، أبًا أبديًّا، رئيس السلام. لنموّ رياسته... غيرة ربّ الجنود تصنع هذا." (إشعياء 6:9-7)
ثم يتكلّم أيضًا عن خطة الله المحكمة لضمان هذا الخلاص، حيث استخدم أنجع وأصوب الطرق لتحقيق هذا الهدف مهما كان ذلك مكلّفًا حيث يقول: "فرأى أنه ليس إنسان، وتحيّر من أنه ليس شفيع. فخلّصت ذراعه لنفسه، وبرّه هو عضده. فلبس البرّ كدرعٍ، وخوذة الخلاص على رأسه. ولبس ثياب الانتقام كلباسٍ، واكتسى بالغَيْرة كرداء." (إشعياء 16:59-17) ففي هذا النص يخبرنا الوحي بأن الله القدير فحص في المشورات الأزلية بنور علمه الواسع وقدرة لاهوته قلوب جميع أفراد الخليقة فعلم أنه لا يوجد إنسان يصلح للشفاعة، و"تحيّر" ليس حيرة الارتباك بل حيرة الاهتمام نظرًا لضخامة المشكلة حيث ثقُل عليه التفريط بالأمين الذي "سيُهان" كما ثقُل عليه "أدبيًا" هلاك بني الإنسان بعقوبة الموت بكل أصنافه: الموت الأدبي بالانفصال عن الله القدوس بسبب خطية العصيان، والموت الجسدي بانفصال الروح والنفس عن الجسد الذي سيُقام فيما بعد، والموت الأبدي في جهنم النار. ففضّل لشدّة غيرته على عمل يديه، أن يفتدي البشرية بابنه الحبيب الذي حمل النقمة لكي يسجّل برّه العظيم لحساب البشر في عملية الفداء! ولذلك فإنه "اكتسى بالغيرة كرداء"، أي كانت غيرته ورغبته في خلاصنا جامحة حيث غطّت على جميع الاعتبارات الأخرى! له كل المجد والسلطان. فما أروع وأعظم هذا الإله الرحيم العطوف؟! فغيرته متعدّدة الجوانب نحو بني آدم:

1- غيرة الله لخلاص جميع الناس
تقول بعض المعتقدات أن الله يريد أن يخلّص أشخاصًا معيّنين ويُهلك آخرين. ولكن كلمة الله تبيّن أن الله يريد خلاص جميع بني البشر كما نقرأ ما كتبه الرسول بولس قائلاً: "... الذي يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون." (1تيموثاوس 3:2-4) ويقول على فم حزقيال النبي: "هلْ مسرّةً أُسرّ بموتِ الشرير؟ يقول السيد الرب. ألا برجوعه عن طرُقه فيحيا؟" (حزقيال 23:18)

2- غيرة الله على نقاء كنيسته وطهارة شعبه
يقول الرسول بولس: "فإني أغار عليكم غيرة الله، لأني خطبتكم لرجل واحد، لأقدِّم عذراء عفيفة للمسيح." (2كورنثوس 2:11) ويقول أيضًا: "أيها الرجال، أحبوا نساءكم كما أحبّ المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها، لكي يقدّسها، مطهّرًا إياها بغَسْلِ الماء بالكلمة، لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة، لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك، بل تكون مقدّسة وبلا عيب." (أفسس 25:5-27)

3- غيرة الله على مواعيده
فبالرغم من كل زيغان الشعب القديم وتمرّده على الرب وعلى وصاياه، إلا أن الله يبقى غيورًا على مواعيده التي وعد بها الآباء والأتقياء بأنه سيُبقي لنفسه بقية أمينة تحب الرب وتصنع مشيئته حيث يقول: "لأنه من أورشليم تخرج البقية، والناجون من جبل صهيون. غيرة رب الجنود تصنع هذا." (2ملوك 31:19)
- وقد تبدّت غيرته هذه بسبب حرصه على كرامة اسمه المبارك حيث يقول: "وتعلم الأمم أن بيت إسرائيل قَدْ أُجْلُوا بِإِثْمِهِمْ لأَنَّهُمْ خَانُونِي، فَحَجَبْتُ وَجْهِي عَنْهُمْ وَسَلَّمْتُهُمْ لِيَدِ مُضَايِقِيهِمْ، فَسَقَطُوا كُلُّهُمْ بِالسَّيْفِ. كَنَجَاسَتِهِمْ وَكَمَعَاصِيهِمْ فَعَلْتُ مَعَهُمْ وَحَجَبْتُ وَجْهِي عَنْهُمْ. «... وَأَغَارُ عَلَى اسْمِي الْقُدُّوسِ.]" (حزقيال 23:3-25)
- وهو في غيرته هذه ينتظر توبة صادقة من الشعب لكي يرحمه: "[ولكن الآن، يقول الرب، ارجعوا إليّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ. وَمَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ». وَارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ وَيَنْدَمُ عَلَى الشَّرِّ... فَيَغَارُ الرَّبُّ لأَرْضِهِ وَيَرِقُّ لِشَعْبِهِ." (يوئيل 12:2-13 و18)
وقد تجسّدت هذه الغيرة بجلائها وقوة فعاليتها في شخص المسيح الفادي الذي نزل من عليائه لكي ينقذ ويخلّص ما قد هلك، كما هو مكتوب عنه: "الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خُلسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب." (فيلبي 6:2-8)
وقد قال عن نفسه: "كما أن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليخدِم، وليبذل نفسه فديةً عن كثيرين." (متى 28:20)
إن غيرة الله هذه التي ظهرت على مدى التاريخ المقدس ألهبت قلوب الكثيرين من أبناء الله في جميع العهود بالغيرة المقدسة على خلاص الآخرين.
- فهذا "موسى" رجل الله، بعد أن أخطأ الشعب بصنع عجل ذهبي وعبادته في البرية فقد حمي غضب الله وأراد إفناءهم فقال موسى للرب: "آهِ، قَدْ أَخْطَأَ هذَا الشَّعْبُ خَطِيَّةً عَظِيمَةً وَصَنَعُوا لأَنْفُسِهِمْ آلِهَةً مِنْ ذَهَبٍ. وَالآنَ إِنْ غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ، وَإِلاَّ فَامْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ الَّذِي كَتَبْتَ." (خروج 31:32-32)
- وهذا "إرميا" النبي الباكي يقول: "يَا لَيْتَ رَأْسِي مَاءٌ، وَعَيْنَيَّ يَنْبُوعُ دُمُوعٍ، فَأَبْكِيَ نَهَارًا وَلَيْلاً قَتْلَى بِنْتِ شَعْبِي." (إرميا 1:9)
- وهذا حزقيا الذي صار آية لبني إسرائيل حيث أمره الرب أن يتّكئ على جنبه اليسار ثلاث مئة وتسعين يومًا ليحمل ذنب بني إسرائيل وعلى جنبه اليمين 40 يومًا ليحمل ذنب بني يهوذا ويأكل خلالها "خبز الضيق" ويشرب "ماء الضيق".
- وهذا "بولس الرسول" يقول بعد رجوعه من رحلته التبشيرية الثانية: "والآن ها أنا أذهب إلى أورشليم مقيّدًا بالروح، لا أعلم ما يصادفني هناك. غير أن الروح القدس يشهد في كل مدينة قائلاً: إن وُثُـقًا وشدائدَ تنتظرني. ولكنني لست أحتسب لشيءٍ، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أتمّم بفرحٍ سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع، لأشهد ببشارة نعمة الله." (أعمال 22:20-24) ونحن نعلم أنه وضع عنقه في روما حيث قُطع رأسه من قِبَل أباطرة روما، لأنه رفض إنكار سيده المسيح – وكذلك جميع رسل المسيح ما عدا يوحنا الذي قضى ردحًا من حياته منفيًّا في جزيرة موحشة. جميعهم ماتوا في سبيل نشر بشارة الخلاص. وما المسيحية التي نراها منتشرة اليوم في العالم إلا ثمرًا لتضحيات هؤلاء الأفاضل.
عزيزي القارئ،
لقد فترت غيرة الكثيرين في هذه الأيام الأخيرة، وها هو الرب يخبرنا أن مجيئه قريب، وهو يدعونا لكي نكون غيورين على عمله بكل أمانة قائلاً:

"كن أمينًا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة."

المجموعة: أذار (مارس) 2022

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

113 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10674319