Voice of Preaching the Gospel

vopg

هذه واحدة من تسميات عديدة أُطلقت على المسيح قبل ميلاده، وبعد ميلاده، عبارات ردّدها الوحي في أسفار العهد القديم، وأسفار العهد الجديد، والمسيح القدوس أشار بها إلى شخصه في أكثر من موقف...

ويُلاحَظ أن هذه التسمية لا تنسِب لله ولدًا، ولا علاقة لها بفعلِ الولادة، بدليل أن العبارة أُطلقت على المسيح قبل ولادته بمئات السنين، ومن أطلقها هو «الوحي» كما في المزمور الثاني من مزامير داود، العددان 11 و12، وفي سفر الأمثال أصحاح 30 في الآيات الستة الأولى، وفي سفر دانيال أصحاح 7 وعدد 13، فالتسمية كانت مخزّنة في ذاكرة الوحي قبل الميلاد، فلا يُعقل أن يتّفق اليهود مع المسيحيين بتوزيع ألقاب وأسماء في توراتهم تُعظِّم مسيحًا هم يرفضونه.
وعندما جاء ميعاد الله ظهر الملاك جبريل للعذراء الطهور، وبشَّرها بأن الله اختارها لتكون أُمًّا للمسيح الموعود مع بقائها عذراء مصونة، فقال لها: “ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمِّينه يسوع. هذا يكون عظيمًا، وابن العليّ يُدعى...» (لوقا 31:1-32)
فابن العليِّ وابن الله المعنى واحدٌ، لا يعني ذلك لا من قريب ولا من بعيد أن الله يلد أو يتوالد، إنما تلك هي إشارة إلى النبع الذي ورد منه المسيح... فالساقية التي تصل بقنواتها إلى المُزارع في حقله، هي بنت النبع الذي انطلقت منه...
فمن أين جاء المسيح؟ فهو لم يأتِ من تزاوج ذكر بأنثى... والمسيحية كما اليهودية تؤمن بربٍّ واحدٍ مُنزَّه عن التزاوج والتوالد!
في المزمور الثاني من مزامير داود النبي يتحدّث الوحي هناك مُندِّدًا بالشعوب المتمرِّدة على الله بالقول: "لماذا ارتجّت الأمم، وتَفَكَّر الشعوب في الباطل؟ قام ملوك الأرض، وتآمر الرؤساء معًا على الرب وعلى مسيحه، قائلين: [لنقطع قيودهما، ولنطرَحْ عنّا رُبُطَهما.] الساكن في السماوات يضحك. الرب يستهزئ بهم. حينئذٍ يتكلّم عليهم بغضبِه، ويرجُفهم بغيظِه."
فتلك هي كلمات وحيٍ وردت على لسان داود النبي قبل ميلاد المسيح بقرون، وعندما جاء المسيح انطبقت عليه بمنتهى الوضوح، فقام هيرودس ملك البلاد، وكهنة اليهود، وقضاة الشريعة وحشد من يهودٍ ورومان، ليحتجّوا بالباطل على المسيح، وتآمروا عليه وحاكموه.
ثم وفي نفس المزمور يُخاطب الوحي ملوك الأرض وقضاتهم كممثلين لشعوبهم: "أيها الملوك تعقَّلوا. تأدّبوا يا قضاة الأرض. اعبدوا الرب بخوف، واهتفوا برعدة. قبِّلوا الابْنَ لئلَّا يغضبَ فتبيدوا من الطريق... طوبى لجميع المتّكلين عليه.» (مزمور 10:2-12)
السؤال هنا: من هو هذا الابن الذي بيده هذا الجلال وهذه الهيبة؟! ابن من هو؟ ومن أين جاء؟
في سفر الرؤيا الأصحاح الأول يطلعنا الرسول يوحنا على اختبارٍ شاهدَ فيه جلال المسيح وكتب يقول: "فالتفتُّ لأنظرَ الصوت الذي تكلّم معي. ولمّا التفتّ رأيت سبعَ منايرَ من ذهبٍ، وفي وسطِ السبعِ المنايرِ شبهُ ابنِ إنسانٍ، مُتسربلًا بثوبٍ إلى الرجلين، ومتمنطقًا عند ثديَيهِ بمنطقةٍ من ذهب... وصوته كصوت مياه كثيرة... وسيف ماض ذو حدَّين يخرج من فمه، ووجهه كالشمس وهي تُضيء في قوّتها. فلمّا رأيته سقطت عند رجليه كميتٍ، فوضع يده اليُمنى عليّ قائلًا لي: [لا تخفْ، أنا هو الأوَّلُ والآخِرُ، والحيُّ. وكنتُ ميِّتًا، وها أنا حيٌّ إلى أبد الآبدين! آمين. ولي مفاتيح الهاوية والموت. فاكتب ما رأيت، وما هو كائنٌ، وما هو عتيدٌ أن يكون بعد هذا.]"
ثم يتواصل المشهد في الأصحاح الثاني من سفر الرؤيا (الاعداد 18–21) فيُكلِّف يوحنا بأن يكتب إلى كنيسة ثياتيرا التي يمدحها على محبتها وأعمالها وصبرها ويُذكِّرها بخطأٍ تغافلتْ عنه، كاشفًا عن هويّته في عدد 18 بأنه هو [ابن الله] «الذي له عينانِ كلهيبِ نارٍ] تكشفُ الأعماق الخفيّة.
فالمشهد واحدٌ: في الأصحاح الأول هو المسيح [ابن الإنسان] (عدد 13) إشارة إلى ناسوته بالتجسّد الذي به أتمّ الفداء... وفي الأصحاح الثاني عدد 18 هو [ابن الله] إشارة إلى سموِّ لاهوته، هما طبيعتان امتلكهما المسيح: طبيعة لاهوتيّة وطبيعة ناسوتيّة.
هناك مشهد آخر يثير الدهشة، نجده في سفر دانيال 13:7-15 يقول فيه:
"كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سُحُبِ السماء مثلُ «ابنِ إنسانٍ]... فأُعطيَ سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبَّد له كلُّ الشعوبِ والأممِ والألسنةِ. سلطانُه سلطانٌ أبديٌّ ما لن يزول، وملكوتُه ما لا ينقرض."
يقول: "لتتعبَّد له كل الشعوب والأمم والألسنة..." والكلام هناك يُخاطِبُ أمّةً لا تتعبَّد لغير الله... فدانيال نبيٌّ يهودي، والوحي ينطق على لسانه ليُخاطب شعبه اليهودي بهذا القول! فمن تُرى يكون هذا الكائن العجيب الموصوفُ بكلمات لا تجوز لغير الله؟!
ألا يثيرُ هذا عجبًا للباحث الجادّ عن حقيقة من تُرى يكون المسيح؟! ألم يصطدم شاول الطرسوسي بهذا الواقع الذي كان يغفل عنه قبل أن التقاه المسيح برؤيا مُعجزيّة على طريق دمشق؟! ولما عرف حقيقته انفتح قلبه له وتغيّر!
بقي مشهد آخر يُطلعنا عليه سفر دانيال عن شبانٍ ثلاثة سباهم نبوخذنصّر من فلسطين إلى عاصمة ملك في بابل (اصحاح 3).
نبوخذنصر هذا صنع تمثالًا هائلًا من ذهب نصبه في ساحةٍ كُبرى وطلب من شعوبٍ تجمّعت أمامه لتسجد للتمثال في موعد دقيقٍ حدّده... وفي الميعاد صدحت الأبواق فانحنت وسجدت الشعوب للتمثال القائم أمامهم، أما الشبان الثلاثة فلم ينحنوا، وشوهدوا وقوفًا من دون غيرهم! فاغتاظ الملك وأمر أن يُزجّ هؤلاء في أتّون نارٍ مستعرة أُعِدَّت لهذا الغرض. فعندما حمل رجالٌ أشدّاء هؤلاء الشبان ليرموهم في الأتّون، قتل وهج النار الذين كُلِّفوا بطرحهم في الأتّون... أما هم فغابوا في وسط اللهيب!
وفي لحظة، جاءت نظرة من الملك ليرى اللهيب تسحق عظام هؤلاء الشبان... فهاله ما رأى، وصاح في وجه رجاله: "ألم نُلقِ ثلاثةَ رجالٍ موثقين في وسط النار؟" ... قالوا له نعم أيها الملك ... فقال: "ها أنا ناظرٌ أربعة رجال محلولين يتمشَّوْنَ في وسط النارُ وما بهم ضررٌ، ومنظرُ الرابعِ شبيهٌ بابن الآلهة."
لا يلُام نبوخذنصر كرجل وثني، في ما وصف به الضيف الرابع بين هؤلاء!
ونحن يحقّ لنا هنا أمام هذا المشهد أن نتساءل: من تُرى يكون هذا الرابع؟ من أين جاء؟ وكيف وصل إليهم وسط لهيب النار؟ وكيف حوّل اللهيب المُستَعِر إلى نسيمٍ عليل؟! شيء مُذهل!
إنه المسيح الحيّ الذي يدعوه الإنجيل بابن الله وابن الإنسان... ابن الله في لاهوته الأزلي، وابن الإنسان في ناسوته الذي به قدّم الفدية لكلِّ من يُقبِل إليه ويقبَل فداءه.
وقبل ختام هذه الكلمة أشير إلى حقيقة لا بدّ منها، وهي أن الضيف الرابع في هذا المشهد كان كواحدٍ من ظهورات المسيح المتعدِّدة في زمن العهد القديم. ومنها حين ظهر لإبراهيم أمام خيمته بهيئةٍ منظورة ومعه رجلان، تبيَّن فيما بعد أنهما ملاكان أرسلهما الرب إلى سدوم وعمورة (سفر التكوين أصحاح 18).
ومنها حين ظهر لمنوح وامرأته العاقر وتكلّما معًا وجهًا لوجهٍ قبل أن يعرفاه (القضاة 13).
ومنها حين ظهر ليشوع بن نون عند نهر الأردن قبل دخول الشعب إلى أريحا، فظهر الرب أمامه بهيئة رجلٍ بيده سيف مسلول، ولما عرفه يشوع سقط على وجهه وسجد له (سفر يشوع 13:5-15).
فهو الرب، إلهٌ قديرٌ لا يعسرُ عليه أمر... كل شيء مستطاع لديه، فلنقدِّم له الإكرام والسجود، ولنفرح ونعتزُّ بالانتماء إليه. طوبى لمن عرف هويّته وانحنى أمام جلاله بتوبةٍ صادقةٍ فغُفرتْ خطاياه وأصبح من شعبه.


ومضــــات
لا تسمح لشيء يقفل فمك عن الشهادة لسيِّدك.
هل تحتفظ بكلمات الكتاب المقدّس في ذاكرتك أم في قلبك؟
أفاضل المؤمنين، من ينتقدون أنفسهم قبل أن ينتقدهم الآخرون.
لن تغلب العالم الخارجي إلا إذا غلبت العالم الداخلي الذي تعيش فيه وحدك، عالم نفسك.
فقدان التعزية، قد يكون لفقدان إيمان الثقة.
الحزن الذي يختاره الله للمؤمن، هو الفرح بعينه.
نحصل على سلام الله لنكون في سلام مع أنفسنا ومع غيرنا.
الطريق المستقيم، أقصر الطرق إلى المجد.
لا يوجد في الحياة المسيحية شيء يسمّى المسيحية السرّية.

المجموعة: حزيران (يونيو) 2022

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

364 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10624284