أما البار فهو الرب يسوع المسيح الذي "لم يعمل ظلمًا، ولم يكن في فمه غشّ." (إشعياء 9:53) "الذي جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلّط عليهم إبليس، لأن الله كان معه." (أعمال 38:10)
ليس ذلك فقط بل تحدّى بني إسرائيل بما فيهم رجال الدين قائلاً: "من منكم يبكّتني على خطية؟" (يوحنا 46:8) ومن العجيب أنه في اليوم الذي حُكِمَ عليه بالموت مصلوبًا حدثت خمسة شهادات ببراءته:
أولًا، من يهوذا الإسخريوطي الذي أسمله، إذ ندم وردّ الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ "قائلاً: [قد أخطأت إذ سلّمت دمًا بريئًا.]" (متى 4:27)
ثانيًا، زوجة بيلاطس البنطي التي أرسلت رسالة لزوجها قائلة: "إيّاك وذلك البار، لأني تألّمت اليوم كثيرًا في حلمٍ من أجله." (عدد 19)
ثالثًا، الوالي بيلاطس البنطي إذ قال لليهود: "إني بريءٌ من دم هذا البار!" (عدد 24)
رابعًا، اللصّ التائب موجّهًا الكلام للّصّ الآخر: "[أما نحن فبعدل، لأننا ننال استحقاق ما فعلنا، وأما هذا فلم يفعل شيئًا ليس في محلّه.]" ثم قال ليسوع: [اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك.]" (لوقا 41:23-42)
خامسًا، قائد المئة الروماني الذي لما "رأى ما كان، مجّد الله قائلًا: [بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًا!]" (لوقا 47:23)
أما الفجار الذين حاكموه، فهم الذين قال عنهم الرسول بطرس: "لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع، الذي مسحته، هيرودس وبيلاطس البنطي مع أممٍ وشعوب إسرائيل." (أعمال 27:4) نتعلم من الوحي المقدس أن بيلاطس أرسل يسوع إلى هيرودس الملك. "فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأ به، وألبسه لباسًا لامعًا، وردّه إلى بيلاطس." (لوقا 11:23) وأما بيلاطس فبالرغم من أنه كان مقتنعًا ببراءة الرب يسوع، إلا أنه خضع لإرادة الشعب عالمًا بأنهم أسلموه حسدًا. "حينئذ أطلق لهم باراباس (اللص والقاتل)، وأما يسوع فجلده وأسلمه ليُصلب." (متى 26:27) وأما بخصوص شعب إسرائيل فقد صرخوا قائلين: "دمه علينا وعلى أولادنا." (متى 25:27) ولا شك أن هذه أخطر عبارة نطق بها هذا الشعب في كل تاريخه. كم من المصائب حلّت عليهم، ولا زالت تحدث. "إلى خاصّته جاء، وخاصّته لم تقبله." (يوحنا 11:1) ولكن شكرًا لله "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه." (يوحنا 12:1)
والآن سنشير باختصار إلى ما حدث ابتداء من القبض على الرب يسوع في البستان إلى أن وُضع جسده الطاهر في قبر يوسف الرامي المشير الشريف.
1- القبض على يسوع: بعد أن غسل الرب يسوع أقدام تلاميذه (يوحنا 13)، وبعد حديثه معهم في يوحنا 14-16، وصلاته من أجلهم (يوحنا 17)، دخل مع تلاميذه بستان جثسيماني. وهناك جثا على ركبتيه وصلّى قائلاً: "يا أبتاه، إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس. ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك. وظهر له ملاكٌ من السماء يقوّيه. وإذ كان في جهادٍ كان يصلّي بأشدّ لجاجة، وصار عرقه كقطرات دمٍ نازلة على الأرض." (لوقا 42:22-44) "فأخذ يهوذا الجند وخدامًا من عند رؤساء الكهنة..." لكي يقبضوا على يسوع، كأنه أحد المجرمين، وهو القدوس البار. سألهم يسوع: "[من تطلبون؟] أجابوه: [يسوع الناصري.] قال لهم: [أنا هو.] ... فلما قال لهم: [إني أنا هو]، رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض." لو كان يسوع مذنبًا لكانت هذه فرصته للهروب أو الانتقام. ولكنه منع تلاميذه عن الدفاع قائلاً: "الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟" "ثم إن الجند والقائد وخدام اليهود قبضوا على يسوع وأوثقوه..." يا لحماقة الإنسان! لم تكن هذه القيود هي التي قادته إلى الصليب، بل محبته الإلهية نحونا نحن الخطاة. قال الرب لتلاميذه أنهم "... سيفعلون هذا بكم لأنهم لم يعرفوا الآب ولا عرفوني." (يوحنا 3:16)
2- المحاكمة الدينية: يؤسفنا أن نشير باختصار إلى حقيقة مؤلمة، وهي إنكار بطرس لمعرفة المسيح. نعلم أنه بعد ذلك بكى بكاء مرًّا؟ ولكن كم كان مؤلمًا للرب يسوع أن بطرس أنكره وباقي التلاميذ هربوا! ولكن هذا لم يؤثّر على محبة المسيح له ولباقي التلاميذ. فنحن نفرح إذ نرى كيف أحبهم الرب وجعلهم رسله، فقادوا دولاً بأسرها إلى معرفة المسيح ربًا ومخلّصًا. فالخلاص الذي يمنحه المسيح للمؤمنين هو خلاص أكيد بلا ندامة.
لما قبضوا على الرب يسوع أتوا به إلى قيافا رئيس الكهنة "وكان رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله يطلبون شهادة زورٍ على يسوع لكي يقتلوه." (متى 59:26) من الواضح أن هذه المحاكمة لم تكن إلا مظهرًا خارجيًا، لأنهم قرّروا أنه لا بُدّ أن يُقتل. لما قال الرب يسوع لرئيس الكهنة: "لماذا تسألني أنا؟ اسأل الذين قد سمعوا ماذا كلّمتهم... لطم يسوع واحدٌ من الخدام..." هل هناك ظلم أكثر من هذا؟! لم يجدوا ولا شهادة واحدة تثبت أنه أذنب.
3- المحاكمة لدى الوالي بيلاطس البنطي: "ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه، فأوثقوه ومضوا به ودفعوه إلى بيلاطس البنطيّ الوالي." (متى 1:27-2) "فَفِيمَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟» لأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا." (متى 17:27-18). "فقالوا: [باراباس!] قال لهم بيلاطس: [فماذا أفعل بيسوع الذي يُدعى المسيح؟] قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: «لِيُصْلَبْ!»"
فسألهم: "وَأَيَّ شَرّ عَمِلَ؟" فلم يستطيعوا أن يجيبوا عن هذا السؤال، وازدادوا صُرَاخًا قَائِلِينَ: «لِيُصْلَبْ!» فقال بيلاطس: "إني بريءٌ من دم هذا البار!" ولكن هل هذا جعله بريئًا حقًّا؟ كلّا. وهنا نتعجّب كيف يسمح الضمير لحاكم مقتنع ببراءة المتهم ولكنه يحكم بعقابه القاسي إرضاءً للجموع وخوفًا على مركزه. حكم بيلاطس على يسوع البريء. أطلق لهم باراباس اللصّ القاتل "وأما يسوع فجلده وأسلمه ليُصلب." (متى 26:27) ليتنا حين نقرأ هذا نفكّر بعمق في كم تألّم المسيح القدوس البار! هو "قدوس، قدوس، قدوس."
يؤلمنا جدًا أن نشير إلى بعض الآلام التي قاساها ربنا وفادينا يسوع المسيح:
الجلد، وإكليل الشوك، والمسامير التي دُقّت في يديه ورجليه، وهي ليست كالمسامير العادية، بل هي غليظة وتسبّب آلامًا لا توصف... ثم الوضع على الصليب بين لصّين، وهو ملك الملوك وربّ الأرباب! اقرأ بخشوع مزمور 1:22-21 وإشعياء 53. اقرأ وتأمّل واسجد للمصلوب من أجلك ومن أجلنا جميعًا – لأن الرب وضع عليه جميع ذنوبنا!
أصغِ جيدًا لصوت أنينٍ صاعدٍ من قلبه؟ قال: "العار قد كسر قلبي فمرضت." دعونا نجثو ونطيل السجود عند أقدام المصلوب. هو يسوع المسيح ابن الله المحبوب، الذي أحبنا وأسلم نفسه لأجلنا – مات يسوع ودُفن في قبر يوسف الرامي، ولكنه قام إذ قهر الموت ورآه تلاميذه.
افرح وابتهج لأنه بموته نلنا حياة أبدية. افرح لأن الله "أقامه من الأموات، وأجلسه عن يمينه في السماويات، فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة، وكلِّ اسمٍ يُسمّى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضًا، وأخضع كل شيء تحت قدميه، وإياه جعل رأسًا فوق كل شيء للكنيسة، التي هي جسده، ملءُ الذي يملأ الكلَّ في الكلِّ." (أفسس 20:1-23)