إن سفر التكوين هو سفر البدايات والإعلانات الإلهية ويذكر فيه كل شيء من جهة المبدأ البدايات بينما سفرَي الخروج واللاويين يعلنان الفداء والذبائح والاحتماء وراء الأبواب المرشوشة بالدم.
إنها تذكّرنا بالتحرّر من العبودية، وعهد سيناء، وخيمة الاجتماع، وأرض الموعد، أو كمالات وأمجاد ذبيحة المسيح. فمثلًا، نجد في سفر اللاويين أنواع ذبائح: كتقدمة الدقيق مع "ملح عهد إلهنا" - أي بصدق - إشارة إلى إنسانية يسوع. والمحرقة تعبيرًا عن آلام الصليب وذبيحة السلامة رمز للشركة مع الله وحتى ذبيحة الخطية فهي تصحيح للعلاقة بين الله والإنسان.
لكن تقديم التيسين هو ضرورة لإعلان عدل الله ومحبته الذي أتمه المسيح على الصليب. مع أن الأخيرة نافعة لمدة عام واحد حسب الناموس، وكان هارون يعترف بخطايا الشعب وخطاياه الشخصية. أما المسيح "القدوس "الذي لم يعرف خطية صار خطية لأجلنا"، وحمل كل خطايانا وجرّب في كل شيء بلا خطية لأنه حُبل به من الروح القدس. وعند الصليب نجد عجائب رافقت المصلوب (مزمور 22؛ متى 39:27-56):
أولًا، توقيت الذبيحة
بين الساعة الثالثة والساعة السادسة (أي بين الساعة التاسعة والساعة الثانية عشر بحسب التوقيت الشرقي) سُمّر يسوع على الصليب.
وبعد الساعة التاسعة مباشرة (أي بين الساعة الثالثة والساعة الرابعة بعد الظهر) أسلم الروح. كان ذلك في موعد تقديم ذبيحة المساء وهو الوقت الذي كان يُذبح فيه خروف الفصح، وقد قدّم المسيح فصحنا ذبيحة لأجلنا (يوحنا 2:1).
كان عيد الفصح الأول يُذبح فيه الحمل بعد حفظه أربعة أيام، والمسيح دخل إلى أورشليم قبل الفصح بأربعة أيام.
ويرشّ الدم على العتبة العليا والقائمتين باستخدام عشبة الزوفا (الزعتر) إشارة إلى إعلان إيماننا بالمسيح، ويشوى على أعشاب مرة، إنها جزء من مرارة الآلام. إنها رحلة الألم وطريق الجلجثة حتى الصليب. وعند الصليب شهد الأشرار على قول المسيح:
"يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب... خلّص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها... قد اتّكل على الله فلينقذه... لأنه قال: "أنا ابن الله."
أما غيرهم فقالوا: "حقًّا كان هذا ابن الله." فماذا تقول أنت - عزيزي القارئ؟ وما هو موقفك من المخلص ربنا ومخلصنا يسوع المسيح؟
ثانيًا، صرخ يسوع: "إلهي، إلهي! لماذا تركتني؟"
لم تكن هذه الصرخة بسبب آلامه بل لأن حياته كانت فيه وحواسه قوية، لذلك سلّم نفسه اختيارًا "في يديك أستودع روحي." أسلم الروح ليبيّن أن ابن الله الذي مات على الصليب حقيقة انفصلت النفس البشرية عن الجسد "ذبيحة خطية"، لكن بقيت علاقة اللاهوت بالناسوت بدون انفصال. "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء." (يوحنا 13:3) وكان الجواب الذي لم (يعيه) يعِهِ أولئك الجهلاء المعاندين للسؤال "إلهي، إلهي! لماذا تركتني؟ جزء من نفس النص "وأنت الله القدوس الجالس بين تسبيحات إسرائيل." (مزمور 1:22-2)
ثم "أسلم الروح"، فكل إنسان يموت لأن ذلك محتوم عليه أما المسيح فقال: "... لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا. ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا..." (يوحنا 17:10-18) "لقد صُلب المسيح من ضعف" كآدم الثاني، لكن "ضعف الله (كما يراه الجهلاء) أقوى من الناس." (1كورنثوس 25:1) "وسار أخنوخ مع الله." في الترجمة السبعينية بمعنى "أرضى الله" (تكوين 24:5) أما المسيح المتجسّد - "كلمة الله" - فقد أعلن لنا طبيعة الله ومحبته وخلاصه... "هو خبّر".
"لماذا تركتني؟" هل اجتزت في مزمور 13 يومًا ما؟ "إلى متى يا رب تنساني كل النسيان؟ إلى متى تحجب وجهك عني؟" ثق أنك سترنّم معه "يبتهج قلبي بخلاصك أغنّي للرب لأنه أحسن إلىّ."
ثالثًا: انشقّ الحجاب
إن حجاب الهيكل الثقيل كان يفصل بين القدس وقدس الأقداس ويمنع الدخول إلى حضرة الله إلا للكاهن الأعظم مرّة كل سنة. هذا الحجاب تمزّق، وهو يمثل جسد الرب يسوع المسيح الذي بذل جسده بالموت عنا لندخل بدمه إلى عرش النعمة كل حين (عبرانيين 19:1-20؛ و16:4). إن انشقاق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل أزال به الله ما يحجبه عن البشر بواسطة موت المسيح على الصليب، طريقًا حيًّا كرّسه الله لنا، ليست أقداس مصنوعة بيد أشباه حقيقيّة بل إلى السماء عينها "مرة واحدة" وأزال به الله كل النظام اليهودي القديم. "وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلىّ الجميع." "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع" متذكّرين شهادة الشهود السابقين الذي يحول أنظارنا إلى يسوع وصبره. "فتفكّروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة مثل هذه لئلّا تكلّوا وتخوروا في نفوسكم." وفي الأصل "متفكّرين جيّدًا" مجاهدين ضد الخطية. إن دم المسيح الحي سرّ الحياة في المؤمن لأنه دم الفداء على العتبة العليا والقائمتين ودم الكفارة على مذبح المحرقة ودم تطهير الأبرص من النجاسة وشفاء الجسد ودم العهد المرشوش على كتاب الشريعة ضامنا العهد الجديد ودم التكريس على الكاهن ودم الشفاعة على الغطاء (كرسي الرحمة) ودم الحياة للحفظ حتى الوصول إلى الأبدية.
رابعًا، تفتّحت القبور
لقد سبّب موت ابن الله ثورة في الطبيعة... وحدثت زلزلة عظيمة وتشقّقت الصخور وتفتحت القبور. إن الأرض تزلزلت تحت ثقل شر البشر "ملعونة الأرض بسببك" وبراءة المخلص، لكنها كانت بمثابة ضربة قوية ضد الشيطان ومملكته والصخور تشقّقت إشارة إلى موت هذه الصخرة التي شقّها موسى قديمًا في حوريب لتتفجّر منها مياه حياة في البرية. "والقبور تفتّحت" حيث "قام كثير من أجساد القديسين الراقدين"، ولقد أقيموا بقوة الرب يسوع المسيح وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة وظهروا لكثيرين. هل هم من الآباء القدامى أو من القديسين الجدد الذين سبقوا ورأوا الرب يسوع المسيح بالجسد أو شهداء أزمنة العهد القديم أو كشهود لقيامة المسيح؟ إن الفكرة الرئيسة هي أن هؤلاء الراقدين بعد قيامة المسيح دخلوا أورشليم ولا نعلم هل ماتوا ثانية أو مضوا معه إلى السماء؟ الحقيقة أن الذين ماتوا قبل المسيح سينتفعون بهذا الخلاص، وأن المسيح هزم الموت وسوف يقيم أجسادنا المائتة ثانية في ملء الزمان أو اليوم الأخير. إن موسى وضع دم الكبش على شحمة أذن هارون وعلى إبهام رجله اليمنى، وهذا معناه أن المغسول بالدم يسمع صوت الله وأنه يمكن أن يخدم الله، وأن الدم على الرجل معناه أننا لا نقدر على السير مع الله، أو عبور البحر الأحمر، أو جمع المنّ، أو عبور الأردن بدون علامة الدم، وفي المسيح نقترب إلى الله عن طريق الذبيحة الكاملة، لا رمزًا بل لنصير واحدًا معه وفيه كذبيحة لله. قد تمرّ علينا سنوات عدة حتى نرى ملاك الرؤيا مبشّرًا بقدوم الرب يسوع، فهل أنت مستعد للقائه؟
"آمين، تعال أيها الرب يسوع".