Voice of Preaching the Gospel

vopg

قطعَتْ حبلَ الصمت أصواتُ الموسيقى العذبة التي راحت تصدحُ بقوةٍ وابتهاجٍ. فالتفتَ الحاضرون - وكنتُ أنا واحدة منهم - إلى الوراء لنرى

بأمِّ أعيننا الفرقةَ التي تُدعى "السعادة" وهي ترافقُ حاملي النعش على راحاتِ وأكُفِّ الأولادِ والأحفاد. كانَ أداءُ الفرقةِ الموسيقية مُبهِجًا وهي تلعبُ اللَّحن الجميل لترنيمةٍ معروفة في الأوساط الكنسية الإنجيلية منذُ عصورٍ خلَتْ. لم يقتصرِ الأمرُ على الفرْقة التي كانت تعزفُ بالأبواقِ والنَّفير بأصواتِها المدوِّيَة في القاعة، لأنَّنا نحن الحاضرين ما لَبِثْنا أنْ ضممْنا أصواتنا وبشكلٍ عَفَوي إلى أصوات الموسيقى تلك وصرْنا نهتف بحماسٍ كلمات الترنيمة المعروفة Oh When The Saints Go Marching In أي: آه عندما يدخلُ القدِّيسون في الموكب (موكب النصرة). وتقول الترنيمة بما معناه:
أنا لستُ إلا سائحًا متعَبًا، أجولُ في عالمِ الخطأِ عابِرًا
أُعِدُّ نفسي لتلكَ المدينةِ مُستوطِنًا، مع موكبِ القدّيسينَ سائرًا
آهٍ، أريد أن أكونَ واحدًا منهم، نعم، هناك مع موكب القديسين مرافقًا
حيثُ سأرى المخلّص الذي اختبرتُهُ فاديًا، سيفتحُ ذراعيه لي مستقبلًا
حينَ أدخلُ مع موكبِ القدّيسين
تلكَ الديارِ مبتهِجًا
وهكذا اشتركَ الجميعُ أصدقائي باستقبالِ الجثمان لشخصٍ مميَّزٍ هو أبٌ وجَدٌّ وجَدٌّ أكبرْ لعائلته الكريمة. لم أشعرْ عند ذاك أنَّني كنتُ في جنازة، بل على العكس، كان الجوُّ بهيجًا وكأنَّهُ احتفالُ انتصارٍ لهذا الشخصِ المُتوفَّى بوصوله إلى موطنِه السَّماوي الأكيد.
وحين تكلَّم ابنُه عن حياتِه، ذكَر أنَّ والدَه كان دائمًا يقول وهو في أيّامه الأخيرة على فراش المرض: "أنا مستعِدٌّ للانطلاقِ إلى محضرِ سيّدي الفادي في أيَّة لحظةٍ الآن." نعم، كان والدي رجلًا حماسيًّا بهِجًا وفَرِحًا، وصفيرُه يملأُ بيتَنا منذُ الصِّغَر. كان يحبُّ العزفَ على البوق، ويعشقُ الموسيقى بكلِّ أنواعها، حتى إنَّه جعَل منا نحن أولادِه الثلاثة فريقًا موسيقيًا يلعب على آلاتٍ متعدِّدة في البيت وفي الكنيسة وفي الاحتفالات العائلية. وعندما أتاهُ الشخصُ المسؤول عن الإرشاد والمعيّن من قِبَل المستشفى لزيارة المرضى والصلاة معهم ومواساتهم، قامَ أبي بأداءِ الصلاةِ عنه ومن أجلِه في السويعاتِ القليلة قبلَ انتقاله. نعم، هذا هو والدي رجلُ الصلاة، معلِّمٌ لكلمته وخادمٌ للرب، رجلٌ مستقيم وأمينٌ في عمله وإيمانِه إلى أبعدِ الحدود.
عدتُ من "احتفال النصرة" هذا كما أسماهُ الرجل المتوفَّى نفسه، إذ كان قد أعدَّ مسبَقًا الخطوات المتّبعة في برنامج جنازته قبل انتقاله حسبَما سمعت. عدت من هناك لكن الترانيم التي سمعتها لم تبرح من ذاكرتي والتي كانت كلُّها من اختياره كترنيمة: "أنا أنتمي إلى عائلة المسيح،" "والطمأنينةُ المباركة،" و"لحنُ حُبٍّ يُدوِّي في داخلي". فكلُّ تلك الترانيم والأغاني اتَّصفتْ بالفرح والسلام والأمان لأنَّه كان حقًّا عالِمًا بمَنْ آمَن وموقِنًا أنَّه قادرٌ أن يحفظَ وديعتَه إلى ذلك اليوم. كل الترانيم أشارتْ إلى إيمانه الراسخ بمخلِّصه الفادي المسيح، الذي أحبَّه طيلةَ حياته على الأرض. ولقد توَّجَ هذا الحبَّ بحسب ما قالَهُ القس راعي كنيسته في عظته التي ألقاها في حفل الانتصار هذا: "توَّج هذا الحب حين أحبَّ امرأتَه فترك عمله لكي يقوم بخدمتِها بسبب المرض إلى أن قضتْ بين يديه بعدَ ستِّ عشرةَ سنة من رعايتِه لها. بالحق لقد تأثّرتُ أنا شخصيًا من تضحيتِه تلك، قال القس بصوتٍ متحشرجٍ والدموعُ تملأُ مآقيهِ. بالحقِّ كان مثالًا عمليًّا يُحتذى في الحبِّ المعطاء والباذلِ في سبيلِ مَن أحب، مثالًا لكل الأزواج ولي أنا شخصيًا أيضًا." أما موسيقى الختام وعند خروج النعش فكانتْ تحمل في طيَّاتها رسالةً لكلِّ مؤمن في غربتِه على هذه الأرض وهي بعنوان: "امنحِ العالمَ بسمتكَ وخفِّفْ أعباءَ الناس المتعبَة، وَهَبْ أغنيةً فرِحَة، لكلِّ سائحٍ عابر في طريقه إلى تلك الديار..."
نعم أصدقائي، نحن اليوم أمامَ سحابةٍ من الشُّهود من رجالٍ عِظام وكذا نساءٍ مباركات في الإيمان سبقونا إلى المجد، والذين نقدرُ أن نَحتذي بمثالِهم تمامًا كما قال كاتبُ سفر العبرانيين في الفصل الثاني عشر والعدد الأول: "لذلك نحن أيضًا إذْ لنا سحابةٌ من الشهود مقدارُ هذه محيطةٌ بنا، لنطرحْ كلَّ ثقلٍ، والخطيةَ المحيطة بنا بسهولة، ولْنُحاضرْ بالصبر في الجهادِ الموضوع أمامَنا، ناظرينَ إلى رئيس الإيمان ومكمِّله يسوع." ولْنمنحِ العالمَ من حولنا بسمةَ فرَح، وكلمةَ رجاءٍ وأمل، ولمسةً حانية. ولْنحرِصْ على أن نكونَ بركةً للَّذين حولَنا، ونمدَّ يدَ المساعدة لكلِّ محتاج، ونتحنَّن كما تحنَّن السيد إذ رأى الجموعَ منطرحينَ ومنزعجين كغنمٍ لا راعي لها. ولْنَعِشْ في كل يوم مصلِّين من أجل الناس كيما يفتحَ اللهُ بصيرَتهم الروحية فيعرفوا خلاصَ المسيح الأكيد ويعيشوا بانتظار تحقُّق هذا الرجاءِ المبارك والحياةِ الآتية في محضره المجيد.
والآن لا يسعُني إلا أن أشاركَ معكم في الختام هذه الصلاة التي ترجمتُها مؤخرًا عن الإنكليزية لأنَّها أثّرت فيَّ أيَّما تأثير. (من وحي إشعياء 6)
"على ركبتيَّ"
ليلةَ البارحةْ ذهبْتُ في رحلةْ
إلى أرضٍ عبرَ البحارْ
لم أذهبْ بالباخرة أو الطائرةْ
بل سافرتُ وأنا جاثٍ على رُكبَتَيَّ
***
رأيتُ الكثيرَ من الناس هناكْ
وهم مكبّلونَ في خطاياهمْ
"عليكَ أن تذهب" قال يسوع
فهناكَ نفوسٌ ينبغي ربْحهُم
"لا، لا أستطيعُ الذَّهاب"
قلتُ ليسوع
إلى أرضٍ عبرَ البحارْ
"نعمْ تستطيع" جاءني الجوابْ
بالسفرِ وأنتَ جاثٍ على ركبتيْكْ
***
"صَلِّ فلسوفَ أُسدِّدُ الاحْتياج" قال الرب
"اطلُبْ ولسوفَ أعطيكْ
فالمسؤوليةُ مُلْقاةٌ عليكْ
من أجلِ النفوس الضالَّة من بعيدٍ وقريبْ"
***
ففعلْتُ وجثوتُ وصلَّيتُ
وتخلَّيْتُ عن ساعاتٍ من الرَّاحةْ
والمخلِّصُ إلى جانبيْ
وسافرْتُ وأنا جاثٍ على ركبتيَّ
***
وبينَما أنا أصلِّي، رأيتُ نفوسًا تخلُصُ
وأشخاصًا من حالتهم يبرأونْ
وعاملينَ للربِّ يتقوُّونْ ويتشدَّدونْ
بينمَا في حقلِهِ عملَه يتابعونُ
***
قلتُ: "نعمْ يا ربْ، سآخُذ هذهِ المُهِمَّةْ
فأنْ أُسِرَّ قلبَك، هذا ما أريده
ولسَوف ألبِّي النِّداء وحالًا سأذهبُ
وسأسافرُ وأنا جاثٍ على رُكْبتَيَّ"

المجموعة: أيار (مايو) 2022

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

163 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10631960