جاء يطوف أنحاء اليهودية، ويجوب أطراف الجليل، معلّمًا مبشّرًا، يصنع الخير والمعروف، ويحسن إلى الجميع...
جاء معلنًا رسالة المحبة إلى البشرية المعذّبة. أعلنها بأقواله وأفعاله، وأمثاله الخالدة، تلك الأمثال التي تفوّه بها، لكي يقرّب الحقائق من أذهان أتباعه ومريديه والجماهير الغفيرة الملتفّة حوله. "فكان يعلّمهم كثيرًا بأمثال." (مرقس 2:4)
وأمثال السيد المسيح، تمتاز بِرَوْعَتها وجمالها، وما انفردت به من الطابع الأدبي والديني. وإذا ما تتبعنا حوادث قصة السامري الصالح، رجل المروءة والشهامة، الطبيب البصير، المحب المضحّي، تلك القصة الرائعة التي أوردها المسيح لذلك الناموسي المتعجرف، أدركنا الغاية، واتَّضح لنا أنه أراد أن يلقي ضوءًا على معنى القريب. رغب في أن يبيّن له أن الله محبة، وأن الناس في جميع أنحاء العالم، على اختلاف أجناسهم واحد، وانهم إخوة في نظر المحبة.
تقيم الأمم نصبًا تمجيدًا لأبطالها، وتنحت الشعوب التماثيل إحياء لذكرى أبنائها البررة، وتبني قبر الجندي المجهول تخليدًا للذين سقطوا صرعى في ميدان الوغى دفاعًا عن أوطانهم. أما الناصري فقد خلّد ذكرى السامري المجهول بمثاله الرائع، وجعل اسمه عَلَمًا من أبرز أعلام التاريخ. وسيبقى هكذا كلّما كُرِزَ بهذه البشارة...
من هو قريبي؟ قريبي هو ذلك المقعد، الجالس على قارعة الطريق يستعطي. قريبي هو اليتيم الذي لم يذق طعم الحنوّ والمحبة، هو الأرملة التي فجعت ببعلها، وراحت تستقطر الرزق استقطارًا، ولا تبلغ منه الكفاف...
قريبي هو الزنجي، والصيني، والياباني، والأوروبي، والأميركي... قريبي هو المسيحي والمسلم والوثني، والعبد والحرّ، الغنيّ والفقير... قريبي هو كل فرد من أفراد البشر، بصرف النظر عن الجنس والعرق والدين لأنه "صنع من دم واحد كل أمة من الناس." (أعمال 26:17)
لقد علمنا السيد المسيح، بمثاله عن السامري الصالح، درسًا بليغًا وأمثولة قيمة... علمنا أن نحب الآخرين ونعطف عليهم ونرحمهم... علمنا أن نواسي الحزانى، ونمسح الدموع عن عيون اليتامى، ونعزّي الأرامل والبائسين...
علمنا أن نحب الجميع، ونمدّ إليهم يد المساعدة الروحية والمادية والمعنويّة، دون أن نتوقّع مكافأة على ذلك... فكم من كلام رقيق، جبر قلبًا كسيرًا! وكم من إرشاد صادق، هدى ضالاً تائهًا! وكم من مساعدة ضئيلة، أنقذت حياة عالية؟ وكم، وكم... فلنحبّ البشر جميعًا، لأنهم إخوتنا... ولنرحمهم ولنحسن إليهم، كلّما وجدنا إلى ذلك سبيلاً، لأنه أقرباؤنا.