Voice of Preaching the Gospel

vopg

تتكرّر مواسم الأعياد مع تتابُع السنين لتذكِّرنا بما تحمله الأعياد من معانٍ وقِيَمٍ ومبادئ، فنحتفل بها ونسمّيها بمسمَّياتها، فنحن الآن في موسم عيد القيامة.

وهذا ليس عيد الفصح كما اعتاد البعض أن يسمِّيه باستحياء... فلنقلها صريحة: "المسيح قام!" وهذا ما نحتفل به. صحيح أن القيامة سبقها موت وصليب ودماء نزفت من جسد المصلوب، إنما اليوم نحن نحتفل بقيامته تاركًا خلفه قبرًا فارغًا على غير عادة قبور الناس.
في ذكرى ميلاد المسيح، لنا عيد نحتفل به بفرحٍ وبهجة قلب، ويحتفل العالم معنا بطريقة أو بأخرى، والتقويم الميلادي الذي تبنّته كلّ شعوب الأرض يحمل دليلًا على عظمة الحدث الذي يفوق كل الأحداث.
وفي ذكرى قيامة المسيح من القبر عيد نحتفل به أيضًا باعتزاز، لأن المسيح حيٌّ غلب الموت بعد أن احتواه القبر ثلاثة أيام، وقام بقوّته الذاتيّة كاسرًا شوكة الموت، ومن يومها لم يعد المسيح يسكن في مدينة الأموات... وبعد القيامة بأربعين يومًا صعد إلا السماء بوضح النهار أمام عيون تلاميذه ومن لحظتها وهم شاخصون إلى السماء تلقّوا الوعد بأنه كما صعد سيأتي ثانية (سفر الأعمال 11:1). ولا عجب، فالحيّ يتنقَّل كما يشاء، لا تحدّه حدود المكان أو الزمان... ولأنه حيٌّ فسيأتي ثانية، ونحن بانتظاره.
في عيد سابق تساءل صديقي: أي العيدين لديكم هو الأعظم؟ وسألت نفسي ذات السؤال: أيهما أعظم؟ أمعجزة ميلاد المسيح من عذراء طهور لم يمسسها رجل، أم قيامته من القبر؟
ما تجرّأت أن أُعطي جوابًا قاطعًا أميّز فيه أحد الحدثين عن الآخر، فكلّ ما يتعلّق بالمسيح هو مُميَّزٌ فريدٌ مُدهشٌ يفيض بالعجب!
أما ميلاده، فكان البوّابة التي أطلّ الله منها على أرضنا بإشراقة نورٍ يطرد الظلام، فحلّ المسيح بيننا بجلاله متجسّدًا، وتجوّل في شوارعنا، ومسح دموع الأسى من عيون بائسينا، وشفى مرضانا، ورسم البسمةَ على وجوه الحزانى، واستمرّ يصنع خيرًا يشفي ويُعلّمُ ويقول ما لم يقل مثله غيره... فتساءل بعضهم ممّن لم يُدركوا هويّته، إذ فات عليهم أن يعرفوه كما هو، فقالوا باندهاشٍ: "من هو هذا؟"
واستمرّ المسيح يتجوّل ويصنع خيرًا، إلى أن وصل إلى الغاية القصوى التي جاء من أجلها، ليعتلي صليب الفداء فيكفّر عن ذنوبِنا وخطايانا، بل وعن خطايا كل من يُقبِل إليه من كل الشعوب والأمم والألسنة، فهو بجلاله ليس للمسيحيين وحدهم بل لكلّ الناس والأجناس، وفيه "الرحمة والحقّ التقيا. البرّ والسلام تلاثما." (مزمور 10:85)
واليوم ها نحن نشاهد أفواجًا من كل الشعوب يعبرون الطريق إليه، يتخطّون العقبات والحواجز المانعة، ويتحمّلون متاعب الدروب وأخطارها، ويشهدون بفرح غامر عمّا نالوه من خير روحي وسلام قلبي بعد أن استجابوا لندائه: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم." الميلاد والقيامة أيها الأحباء، حدثان متلازمان، كلٌّ منهما يُكمِل الآخر. فلولا الميلاد ما كانت قيامة، ولولا القيامة ما كان ميلاد.
ثم علينا أن نُدرك بأن مولود العذراء لم يولَد في العالم ليؤسّس دينًا جديدًا ينافس به أديان الغير، بل جاء لكل الناس مهما كانت معتقداتهم. جاء المسيح ليفدي، ليخلِّص، وليغفر الذنوب... جاء ليشقّ الطريق أمام المفديّين بدمه الكريم ليصل بهم إلى أبدية سعيدة ينعمون بها بلا دينونة، فهؤلاء لن يُحاسَبوا في يوم الدين، لأن الحساب قد سبق وسُدِّد عنهم بدم الصليب عندما لجأوا إليه وفتحوا قلوبهم له.
وفي يوم الدين عندما تصطفّ جموع الملايين أمام الديان سينادي أولًا المفديين الذين قبلوا خلاصه ويعزلهم عن غيرهم ويفتح لهم الأبواب للدخول إلى مدينة المفديين، كما يسمّيها سفر الرؤيا في أصحاح 22، ويقول لهم: "تعالَوْا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المُعَدَّ لكم منذ تأسيس العالم." (متى 34:25)
أما السماء (أو الجنّة كما يشير إليها البعض) فهي كما يصفها الإنجيل جنّة طاهرة نقية أنقى من قرص الشمس لا تدخلها نجاسة، ولا مكان فيها للملذّات والشهوات الدنيويّة، وكل من يدخلها هو مغفور الخطايا - لا دينونة عليه. يقول الإنجيل: "لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد (جسد الخطية والمعاصي) بل حسب الروح." (رومية 1:8) لأن المسيح دفع الحساب عن هؤلاء قبل رحيلهم للأبدية! هذا ما يصنعه صليب المسيح! يحذّر الإنجيل من تجاهل صليب المسيح بقول صريح: "كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المُخلصين فهي قوَّةُ الله."
هنا أدعو قارئي الكريم للاطّلاع معي على مشهد يثير الدهشة في إنجيل لوقا الأصحاح الثاني، والحديث هناك كان عن الميلاد، ثم فجأة ينتقل المشهد إلى الصليب من خلال شيخٍ جليلٍ هو بمنزلة نبي، يُدعى سمعان الشيخ، فحين دخلت العذراء للهيكل تحمل طفلها المولود حديثًا لتقوم بواجب ديني نصَّت عليه الشريعة الموسويّة وتلتزم العذراء به... فما كان من سمعان الشيخ المتواجد في المكان، أن قام واقترب من العذراء دون سابق معرفة بها، وأخذ الطفل من ذراعي العذراء وقال بروح النبوة: "ها إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل، ولعلامةٍ تُقاوَم."
أتوقّف هنا عند قوله "لعلامةٍ تُقاوَم" وأتساءل: هل تميَّز المسيح فعلًا بعلامةٍ تُقاوَم؟ وما هي تلك العلامة؟
هي علامة يرفضها البعض من بني جلدتنا، من أحِبَّة لنا فاتهم ما ترمي إليه تلك العلامة - والعلامة هي الصليب - والعلامة تُقاوَم رغم ما تحمله من دواءٍ شافٍ ينبع من جنب المصلوب للتكفير عن خطاياهم! ولأننا نحبهم، لا يسعنا إلا أن نردّد ما قاله المسيح عن صالبيه: "يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون."

المجموعة: نيسان (إبريل) 2023

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

344 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10632072