"فإننّا ننظرُ الآنَ في مرآةٍ، في لُغزٍ، لكن حينئذٍ وجهًا لوجه." (1كورنثوس 12:13)
لقد طال غيابه، وألهبَنا الانتظار، فامتلأت نفوسنا حنينًا إليه، واضطرمت أفئدتنا بنيران الشوق لشخصه العزيز المبارك، ولكن اليوم آتٍ، وآتٍ مسرعًا كالبرق، فعشرات العلامات تبشِّرنا بقربه، وشعور الكنيسة يهمس فيها قائلاً: لقد جاءت ساعة لقائه، واقتربت جدًا لحظة مشاهدة وجهه؛ حقًا ويقينًا سنراه، سنراه وجهًا لوجه – فيبطل إيماننا، ويتحقّق رجاؤنا، ويولّي خيالنا – حين نرى عريسنا بشخصه، بذاته، بعظمته اللامتناهية، بمجده العجيب، سنراه بيسوعيته وألوهيته وجهًا لوجه.
ستتلاقى نظراتنا بنظراته، فيتفاعل شكرنا وامتناننا مع محبته اللامتناهية...
عندما نراه سيشتدّ مرض قلوبنا بمحبته، وستفقد ذاكراتنا في محضره كل مؤلم ومزعج، وستشعر أجسادنا الممجّدة بقربه، براحة أبدية لا مثيل لها.
أجل، سنرى حمل الله الوديع، وجهًا لوجه، وسنشاهد آثار الجراح ظاهرة في جنبه وفي يديه ورجليه. نعم، وسنراه الأسد الخارج من سبط يهوذا، ملكًا متوَّجًا.
سنراه كما هو، فتتكحّل عيوننا ببهاء جماله وجلاله وعظمته، فتتصاغر نفوسنا أمام هيبة قداسته وكماله. سنراه بأم أعيننا فتكتمل معرفتنا، لأننا الآن نعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سنَعْرف كما عُرفنا.
حدثٌ لم يحدث مثله من قبل، فهو أعظم من مقابلة يعقوب في فنيئيل، وهو أسمى من مقابلة موسى على جبل حوريب، وهو أعجب من رؤى إشعياء ويوحنا وأدهش من مشاهدات بولس.
يا له من وعدٍ ثمين، ويا لها من حقيقة سامية، ويا له من اختبار سامٍ وجليل وجهًا لوجه.
فحريٌّ بنا إذًا أن نستهين بكل ما في العالم، ونستخفّ بمعطياته وإغراءاته. فأمام رجاء لقياه، تهون كل الصعاب وتتلاشى، وتتبدّد كل الأحزان وتولي، وتحلّ المشاكل وتنتهي.
وجهًا لوجه – رجاء يشدّد عزائمنا ويشجّع نفوسنا، ويرفع حياتنا إلى مستوى ذلك الاختبار العجيب.
