"الرب رحيم ورؤوف." (مزمور 8:103)
الرحمة هي صفة من صفات الله،
وكلمة "الرحمة" ومشتقاتها منتشرة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.
أحبّ جدًّا كلمات ميخا النبي الذي تحدّث عن الرحمة فقال: "مَنْ هُوَ إِلهٌ مِثْلُكَ غَافِرٌ الإِثْمَ وَصَافِحٌ عَنِ الذَّنْبِ لِبَقِيَّةِ مِيرَاثِهِ! لاَ يَحْفَظُ إِلَى الأَبَدِ غَضَبَهُ، فَإِنَّهُ يُسَرُّ بِالرَّأْفَةِ. يَعُودُ يَرْحَمُنَا، يَدُوسُ آثَامَنَا، وَتُطْرَحُ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ جَمِيعُ خَطَايَاهُمْ." (ميخا 18:7-19) نحن لا نعبد إلهًا قاسيًا يأمر أتباعه بحمل السيف وقطع الأوصال والرقاب لكننا نعبد إلهًا رحيمًا يترأّف علينا. "كَمَا يَتَرَأَّفُ الأَبُ عَلَى الْبَنِينَ يَتَرَأَّفُ الرَّبُّ عَلَى خَائِفِيهِ." (مزمور 13:103) ويا له من أمرٍ رائع أن توجد الرحمة في عرش النعمة! "فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ." (عبرانيين 16:4)
أذكر ثلاثة أمور عن الرحمة الإلهية:
أولاً: حقيقة معزّية أننا نعبد إلهًا رحيمًا
1- شهد الله عن نفسه بأنه رحوم: عندما طلب موسى أن يرى مجد الله قال له الرب: "أُجِيزُ كُلَّ جُودَتِي (صلاحي) قُدَّامَكَ. وَأُنَادِي بِاسْمِ الرَّبِّ قُدَّامَكَ. وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ، وَأَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ."
2- شهادة أتباعه القديسين المساقين من الروح القدس:
قالت العذراء مريم الطهور: "ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتّقونه."
وقال داود: "الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ... لأَنَّهُ مِثْلُ ارْتِفَاعِ السَّمَاوَاتِ فَوْقَ الأَرْضِ قَوِيَتْ رَحْمَتُهُ عَلَى خَائِفِيهِ." وصلّى يونان إلى الرب: "... لأني علمت أنك إله رؤوف ورحيم بطيء الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشرّ." ويشهد بولس عن رحمة الرب: "... وَلكِنَّنِي رُحِمْتُ، لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْل فِي عَدَمِ إِيمَانٍ... لكِنَّنِي لِهذَا رُحِمْتُ: لِيُظْهِرَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ فِيَّ أَنَا أَوَّلاً كُلَّ أَنَاةٍ."
ثانيًا: أوصاف جوهرية لرحمة الله
1- رحمته كثيرة: تحدّث عنها كثيرون مثل داود الذي قال: "اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ..." ويحاول الشيطان أن يقنع الإنسان بأنه لا مكان له في الرحمة الإلهية لأن خطاياه كثيرة جدًا. لكن الرب يقول: "لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ، وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ، وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ، وَإِلَى إِلهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَانَ."
2- رحمته مستمرّة منذ الأزل وإلى الأبد: فقد ذُكرت 24 مرة في مزمور 136 وهذا يفيد أن باب رحمة الرب مفتوح أمام كل إنسان.
3- رحمته غنيّة: يقول الرسول بولس: "اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا (لاحظ هنا ارتباط الرحمة بالمحبة – أي إن الرحمة مصدرها المحبة)، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ."
4- رحمته قوية: قال داود: "لأَنَّهُ مِثْلُ ارْتِفَاعِ السَّمَاوَاتِ فَوْقَ الأَرْضِ قَوِيَتْ رَحْمَتُهُ عَلَى خَائِفِيهِ. كَبُعْدِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمَغْرِبِ أَبْعَدَ عَنَّا مَعَاصِيَنَا."
ثالثًا: واجبنا نحوها أن
1- نختارها: عندما قدّم النبي جاد عَرْضَ الرب على داود كعقاب له لأنه أحصى الشعب بدون أمر الرب (أو لأنه لم يدفع النصف شاقل عن كل معدود) بقوله: "ثلاثة أَنَا عَارِضٌ عَلَيْكَ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَاحِدًا مِنْهَا فَأَفْعَلَهُ بِكَ... أَتَأْتِي عَلَيْكَ سَبْعُ سِنِي جُوعٍ فِي أَرْضِكَ، أَمْ تَهْرُبُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ أَمَامَ أَعْدَائِكَ وَهُمْ يَتْبَعُونَكَ، أَمْ يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَبَأٌ فِي أَرْضِكَ؟ فَالآنَ اعْرِفْ وَانْظُرْ مَاذَا أَرُدُّ جَوَابًا عَلَى مُرْسِلِي».
فَقَالَ دَاوُدُ لِجَادٍ: «قَدْ ضَاقَ بِيَ الأَمْرُ جِدًّا. فَلْنَسْقُطْ فِي يَدِ الرَّبِّ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ كَثِيرَةٌ وَلاَ أَسْقُطْ فِي يَدِ إِنْسَانٍ».
لقد اختار داود السقوط في يد الرب.
2- نطلبها: طلبتها المرأة الكنعانية قائلة: "ارحمني، يا سيِّد، يا ابن داود! ابنتي مجنونةٌ جدًّا."
وطلبها الرجل الذي كان الشيطان يسكن في ابنه فأتى إلى يسوع وقال له: "يَا سَيِّدُ، ارْحَمِ ابْني فَإِنَّهُ يُصْرَعُ وَيَتَأَلَّمُ شَدِيدًا."
وطلبها أيضًا بارتيماوس الأعمى الذي صرخ قائلًا: "يَا يَسُوعُ ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!"
وطلبها العشّار الذي قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: "اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ."
3- نتغنّى بها: "بِمراحمِ الرَّبِّ أُغَنِّي إِلَى الدَّهْرِ. لِدَوْرٍ فَدَوْرٍ أُخْبِرُ عَنْ حَقِّكَ بِفَمِي." لقد تأثّر المرنمّون بهذه الكلمات المباركة فألّفوا ترانيم تبدأ بهذه الكلمات وأشهرها الترنيمة التالية:
"بمراحم الرب أغنّي عن حقّه يخبر فمي
أزال مخاوفي منيومنحني سعادة أبديّة"
4- نشكر الله لأجلها: "احْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ."
يجب عليّ أن أشكر الرب لأني أنا الذي كنت أستحق العذاب الأبدي قد رحمني رحمة واسعة.
5- نخبر بها: الشخص الذي كان به روح نجس ويسكن في القبور وكان يصيح ويجرّح نفسه بالحجارة؛ بعد أن أخرج يسوع منه الأرواح النجسة وأصبح جالسًا ولابسًا وعاقلاً، طلب أن يكون مع يسوع فلم يدعه يسوع ولكنه قال له: "اذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ». ولكن يعجبني أن هذا الرجل لم يكتفِ بأن يخبر أهل بيته وأهله فحسب بل ذهب وأخبر في العشر مدن كم صنع به الرب ورحمه.