"الحكمة تنادي... إلى متى أيها الجهّال تحبّون الجهل، والمستهزئون يُسرّون بالاستهزاء...؟"
(أمثال ٢٠:١ و٢٢) "وكان واحد من المُذنِبَيْن المُعلّقَين يجدّف عليه..." (لوقا ٣٩:٢٣)
أريد أن أذكّر القارئ العزيز بمقالةٍ نُشرت في أكتوبر ٢٠٢٢ عنوانها "اللّصّ الحكيم" أي اللّصّ التائب، موجودة على موقع "صوت الكرازة" (إذا أحببت الاطلاع عليها) - وقد ارتأيتُ هذه المرة أن تكون المقالة عن شخصيّة "اللّصّ الهالك"، وتتكرّر صياغة السؤال ذاته: لماذا يُعتبَر ذلك اللّصّ جاهلًا؟ وباختصار شديد أقول لك: كانت أمامه أعظم فرصة للنجاة من الهلاك الأبدي لكنه أضاعها بِلسانِه.
وقبل أن نخوض في تفاصيل "الجهل المُهلِك" علينا أن ندرك الخلفية الثقافيّة لذلك المجرم. فنحن نتكلّم عن شخصٍ كان يربو منذ السادسة من عمره بحسب التقليد اليهودي وقد دخل مدارس تعليم وتحفيظ التوراة، وشرح الشريعة وتقليد الشيوخ فيما بعد. لكن يجب أن ندرك أن الديانة شيء ومعرفة الله شيء آخر. فلندخل إلى عمق الموضوع ونسأل: لماذا كان جاهلًا؟ هناك على الأقل خمسة أسباب:
أولًا، جاهلٌ لأنّه لم يختَرْ مخافة الرب: لم يضع في قلبه حسابًا لله القدّوس الذي يرى ويراقب... لم يكترث بالجرائم التي فعلها ولم يفكِّر بشروره التي ستلقي به في جهنم.
ثانيًا، جاهلٌ لأنّه بقيَ متمثّلًا بالشّر: حنجرته قبرٌ مفتوح وتمثَّل بالشتّام شمعي بن جيرا (٢صموئيل ٥:١٦-١٣) الذي لاحقه القضاء العادل بعد سنوات طويلة ولم ينجُ من العقاب... فالذي شتم الملك داود نال عقابًا عادلًا، فكم بالحري يكون عقاب من يجدّف على ابن داود (يسوع) وربّ داود الرب يسوع المسيح؟
إن ذلك المستهزئ بالخلاص والمجدّف ينطبق عليه ما جاء في رسالة يهوذا: "هوذا قد جاء الرب في ربوات قدّيسيه، ليصنع دينونة على الجميع، ويعاقب جميع فجّارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها، وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلّم بها عليه خطاة فُجّار." (يهوذا 14-15)
فإن وقعت هذه الرسالة بين يدَيِّ أحدٍ جدّف على الرب يسوع فالفرصة لا تزال مفتوحة: "تبْ وارجعْ ليسوع المخلص الوحيد فيطهّرك من كلّ خطيّة وتنال الحياة الأبدية."
ثالثًا، جاهلٌ لأنه سمع أعظمَ وعدٍ وتجاهله: لقد سَمِع يسوع يقول للّصِّ التائب: "الحقّ أقول لك: إنَّك اليوم تكون معي في الفردوس." (لوقا ٤٣:٢٣)
كنّا نتوقّع أنه يندم في قلبه ويقول لنفسه: "أتـوب وأعترف بالمُخلّص الوحيد يسوع"، ولا يخجل بل يقول علنًا: "يا ربّ، اذكرني متى جئت في ملكوتك." لكن للأسف لم يحدث هذا... وحسرتاه! لقد بقي قلبه متحجّرًا متزمِّتًا بأفكاره الصدئة!
رابعًا، جاهلٌ لأنّه لم يفهم إرادة الله: كان يردّد ذلك المذنب ما يقوله الرعاع المارّة مع رجال الدين المضادّين ليسوع المصلوب "خلِّصْ نفسك... انزَلْ عن الصليب".
فلو علم أولئك المستهزئون ما هي إرادة الله، لما تحدّثوا بكلمات السخرية والجهل.
فما هي إرادة الله؟ "الله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون."
هل تساءلت في قلبك: لماذا لم ينزل يسوع عن الصليب؟ الجواب: لكي يحمل خطايانا (طوعًا واختيارًا). ويؤكد الكتاب المقدس هذه الحقيقة الراسخة "وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسمٌ آخر تحت السماء، قد أُعْطِي بين الناس، به ينبغي أن نخلص." (أعمال ١٢:٤)
خامسًا، جاهلٌ لأنه تكلّم بأسلوب الشيطان: قال الشيطان للرب يسوع في البرّية: "إن كنت ابن الله..." إنّ الشيطان يعرف حقّ المعرفة هويّة يسوع ابن الله، ولكنه يتصلّف ويحاول أن يشكّك! وهكذا اللّصّ الأحمق يقول ليسوع: "إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ، فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَإِيَّانَا!" وسمع المجتازون أمامه يقولون: "إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فانزل عن الصليب" وهذه بعينها هي أمنية الشيطان. وإن جاز لي التعبير أنه يفرح الشيطان بأن يُنْزِل المسيح عن الصليب قبل أن يموت، فلا يكمُل عمل الفداء وتضيع فرصة نجاة الخطاة من الهلاك الأبدي. ولكن حاشا وألف حاشا أن ينزل يسوع عن الصليب، لقد فشل الشيطان واندحر، والرب يسوع قضى على الصليب 6 ساعات كفارة كاملة لنا، تبارك اسمه! لقد نطق بعبارة جعلتنا نطمَئن ونستريح: "قد أُكمِل!"
ماذا يريد الوحي المقدس أن يقول لنا من خلال شخصيّة اللّصّ الجاهل؟
الاستهزاء بخلاص يسوع جهل يؤدّي للهلاك الأبدي.
التشكيك بيسوع المصلوب وعمل صليبه جهلٌ مصدره الشيطان يؤدّي إلى النار الأبديّة المُعدَّة لإبليس وملائكته.
الذهن الأعمى في عدم فهم بساطة الإنجيل (١كورنثوس ١:١٥-٣) هو جهل روحيّ يؤدّي إلى ظلام أبديّ مع رئيس سلطان الظلمة.
عزيزي القارئ، جميع الذي يذهبون إلى الهلاك الأبدي يشتركون في قاسمٍ مشترك ألا وهو الجهل، أما المؤمنون الحقيقيّون بالرب يسوع فيقول لهم الوحي عدّة مرات: "لا أريد أن تجهلوا." وعندما قبلنا الرب يسوع مخلّصًا لحياتنا فقط قبلنا الحكمة وصرنا حكماء.
إن أعظم خلاص يمنحه الرب لكل من يفتح قلبه ويقبل الرب يسوع مُخلّصًا لحياته ليس فقط الخلاص من الدينونة ومن سلطان الظلمة، ولكن أيضًا الخلاص من الجهل، لأنه يصبح لكلِّ واحدٍ أعظم حكمة! في المسيح قوّة الله وحكمة الله.