قال لها يسوع: "أنا هو القيامة والحياة." (يوحنا 25:11)
ما هي حياة القيامة؟ هي الحياة التي تجتاز الموت ثمّ تظلّ حيّة،
كلّ ما يحيا بعد الموت يمتلك حياة القيامة. لقد أتى الموت إلى الإنسان بعدما أكل من شجرة معرفة الخير والشر، ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا لم يعدْ الإنسان قادرًا على هزيمة الموت. كلّ الذين دخلوا القبر لم يعودوا أبدًا، أعداد لا تُحصى من البشر لا يعودون بعد ذهابهم إلى الموت، لكن من بين كلّ هؤلاء كان هناك شخص واحد ذهب إلى الموت ثم عاد منه حيًّا، هذا الشخص الواحد هو ربنا يسوع المسيح: "فلما رأيته سقطت عند رجليه كميِّتٍ، فوضع يده اليمنى عليّ قائلاً لي: [لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ! آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ.]" (رؤيا 17:1-18)
أنا هو القيامة والحياة: الرب يسوع هو نفسه القيامة، نوعيّة الحياة التي فيه هي حياة القيامة، الحياة التي تمرّ من خلال الموت لكن الموت لا يستطيع أن يمسكها (أعمال 24:2). يستخدم الكتاب كلمة "يمسك" لكي يصف سلطان الموت، يدخل الناس إلى الموت ولا يقدرون أن يخرجوا مرة أخرى لأن الموت "يمسك" بقوّة كلّ الداخلين إليه، لكن الموت لم يقدر أن يمسك بحياة المسيح، لذلك فالحياة التي في المسيح ليست مجرّد حياة بل هي حياة القيامة، الحياة التي اجتازت الموت ثم ها هي تحيا إلى الأبد، الحياة التي نزلت إلى أقسام الأرض السفلى ثم صعدت إلى قمّة المجد، الحياة التي تعيش وهي تحمل آثار الموت!
آثار الموت: بعدما قام الرب يسوع من بين الأموات أظهر لتلاميذه آثار المسامير في يديه ورجليه وأثر الحربة في جنبه، وطلب منهم أن يلمسوها ويمتحنوها بدقّة، لأن هذه الآثار هي دلائل حياة القيامة. ما أراد الرب أن يؤكّده لتلاميذه ليس مجرّد أنه قد جُرح ومات بل أنه جُرح ومات وقام ثانية، أنه يحمل في جسده آثار الموت ومع ذلك هو حيّ، هذه هي حياة القيامة.
القيامة في حياتنا: ينبغي أن تكون نوعية الحياة التي فينا هي حياة القيامة، لكن للأسف ما زال في حياتنا أشياء عديدة لا تحمل آثار الموت، ولذلك لا يمكن أن نعتبرها حيّة بحياة القيامة، إنها حيّة بقوى الطبيعة وليس بقوى القيامة. هذا أخٌ سعيد لأنه يمتلك القدرة والمهارة والبلاغة، لكن للأسف هذه الإمكانيات لا تحمل آثار الموت ولذلك هي حيّة بقوى الحياة الطبيعيّة وليس بقوى حياة القيامة، وبالتالي تعجز هذه الإمكانيات عن الشهادة ليسوع لأنها غير عاملة بحياته، لأن حياته التي يعطيها لنا هي دائمًا حياة القيامة.
وهذا أخٌ آخر يمتلك موهبة عظيمة وقدرات هائلة، إنه يبدو [حيًّا] ونشيطًا جدًّا، ومع ذلك لا تلاحظ آثار الموت على حياته تلك، بل تستطيع أن تلاحظ بوضوح قدرًا هائلاً من الثقة بالنفس والاعتداد بالذات، يثق أنه لا يُخطئ أبدًا وهو متأكّد من النجاح في أيِّ شيء يفعله. إن الحياة النابضة بداخله هي حياة الذات وليست حياة القيامة، وبالتالي لا نندهش إذا وجدنا هذه الموهبة العظيمة وتلك القدرات الهائلة عاجزة تمامًا عن خدمة الله أو تمجيد المسيح.
نحن لا نقول إن الشخص الذي يمتلك حياة القيامة لا يمتلك مواهب عظيمة أو قدرات هائلة، بل نقول إنه يحمل آثار الموت على مواهبه وقدراته، لا تستطيع أن تلاحظ عليه ثقته في ذاته بل كل ثقته في الرب، إنه يستطيع أن يعمل أشياء كثيرة لكنه لا يعملها إلاّ إذا تحرّكت حياة الرب بداخله لعمل هذه الأشياء، لقد فقد القدرة على التحرّك الذاتي وقواه الخاصة باتت في نظره ضعفًا، هذا ما نعنيه بحياة القيامة.
الصليب والقيامة: لا يمكننا الفصل بين الصليب والقيامة في حياتنا، نحن نحتاج إلى كليهما: الصليب قوة "إنهاء"، أما القيامة فقوّة "إحياء". الصليب يضع نهاية لكلِّ الأشياء النابعة من الذّات، وبعد أن تجتاز الصليب لا تقوم ثانية لأن الصليب أنهاها، أما الأشياء النابعة من الله فهي تجتاز الصليب وتظلّ حيّة، تحمل آثار الموت ومع ذلك تبقى حيّة، هذه هي قوّة القيامة.
إخوتي، لو أردنا أن نعرف القيامة كقوة إحياء ينبغي أن نعرف الصليب كقوة إنهاء، لأن القيامة تستلزم المرور من خلال الصليب، والصليب يجرّدنا دائمًا من أشياء كثيرة لكن ما يبقى حيًّا بعد الصليب فهو وحده المتمتّع بحياة القيامة.