"وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت." (رؤيا 11:12)
وُلـد مهدي ديباج سنة 1934 من أبوين مسلمين. اختبر المسيح سنة 1949وخدم الرب كراعٍ في إحدى كنائس الصخرة الإيرانية. وبسبب إيمانه، زُجّ به في السجن لمدة تسعة أعوام إلى أن حُكم عليه بالإعدام في 3 ديسمبر 1993، الأمر الذي ولّد موجة عالمية من الاحتجاجات مما حدا بالسلطات الإيرانية إلى إطلاق سراحه في 16/1/ 1994. وفي 24/6/1994 اختفى ديباج من مسكنه ولم يُعثر له على أثر حتى 5/7/1994، حيث أعلنت السلطات الإيرانية عن اكتشافها لجثته في إحدى الحدائق غرب طهران. والآن وبعد ثلاثين عامًا من استشهاد مهدي ديباج لا زالت شهادته حية ناطقة لأولئك الذين قتلوه، ولكل من يضطهد كنيسة يسوع المسيح، ومثالًا أسمى في الأمانة للمسيح للمؤمنين المضطهدين.
فيما يلي النص الكامل لدفاع مهدي ديباج أمام المحكمة قبل أن يصدر ضده الحكم بالإعدام:
بسم الله القدوس الذي هو حياتنا ووجودنا.
بكل تواضع أعبّر عن امتناني لحاكم السماء والأرض من أجل هذه الفرصة، وبكل انكسار أنتظر من الرب أن ينقذني من هذه المحاكمة حسب وعوده كما أرجو أيضًا من هيئة القضاء والحاضرين أن يصغوا بكل صبر إلى دفاعي، وبكل احترام من أجل اسم الرب.
أنا مسيحي خاطئ مُبرّر، أؤمن بأن يسوع مات من أجل خطاياي على الصليب وأنه بقيامته وانتصاره على الموت جعلني بارًا أمام الله القدوس. الله الحقيقي أعلن عن هذا الأمر في كلمته المقدسة، الإنجيل. كلمة (يسوع) تعني مخلص "لأنه يخلص شعبه من خطاياهم". يسوع دفع ثمن خطايانا بدمه وأعطانا حياة جديدة لكي نحيا لمجد الله بعون الروح القدس ونكون كسدٍّ منيع ضد الفساد وقناة للبركات وللشفاء محميِّين بمحبة الله.
واستجابة لهذا اللطف طُلب مني أن أُنكر نفسي وأن أكون من أتباعه الطائعين تمامًا، وألاّ أخشى الناس ولو قتلوا جسدي، لكن أن أتّكل على الذي وهبني الحياة وتوَّجني بتاج الرحمة والرأفة، وهو المدافع العظيم عن كل أحبائه.
أنا متهم بالردة والله الذي يرى ويعلم قلوبنا، أعطانا نحن المسيحيين الثقة بأننا لسنا من المرتدين الذين سيهلكون، لكننا نحن مع المؤمنين المخلصين. في الشريعة الإسلامية المرتد هو الذي لا يؤمن بالله والأنبياء والقيامة من الأموات، ونحن المسيحيين نؤمن بكل هذه الثلاثة.
يقولون: "كنت مسلمًا فأصبحت مسيحيًا." أقول: "لا! لأنه لسنين كثيرة لم يكن لي دين، وبعد البحث والدراسة قبلت دعوة الله وآمنت بالرب يسوع المسيح لكي أفوز بالحياة الأبدية." الناس يختارون دينهم لكن المسيحي هو مختار من المسيح الذي قال: "ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم" منذ متى؟ منذ تأسيس العالم.
الناس يقولون: "أنت مسلم منذ ولادتك" إلا أن الله يقول: "أنت مسيحي منذ البداية". يصرّح الرب أنه اختارنا منذ آلاف السنين. أي قبل تأسيس العالم، حتى أنه بذبيحة يسوع المسيح نصبح له. "المسيحي" هو الشخص الذي أصبح ملكًا للمسيح. الله الأزلي الذي يرى النهاية منذ البداية والذي اختارني لأكون له، يعرف منذ الأزل أي قلب سيستجيب له، وأيضًا الذين هم مستعدون لأن يبيعوا إيمانهم والأبدية برغيف خبز. أُفضِّل أن يكون العالم ضدّي على أن أتأكّد أن الله القدير معي، أن أُدعى مرتدًا وأعرف أن إله المجد راضٍ عني، لأن الإنسان ينظر إلى المظهر الخارجي، أما الله فينظر إلى القلب، وبالنسبة له - وهو إله الأبدية - ليس شيء غير مستطاع لديه لأنه يحوز بين يديه كل سلطان في السماء وعلى الأرض.
الله القدير سيرفع من يشاء ويذلّ من يشاء، يرسل البعض إلى السماء والآخرين إلى جهنّم. ولأن الله يعمل ما يريد، فمن يستطيع أن يفرقنا عن محبته؟! ومن يستطيع أن يهدم العلاقة التي تجمع الخالق بالخليقة، أو يهزم قلبًا أمينًا لربه؟! إنه سيكون محفوظًا آمنًا تحت ظل القدير. إذًا، ملجأنا هو عرش رحمة الله الممجّد منذ البدء، وأنني "عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم"، إلى أن أصل ملكوت الله، المكان الذي يشعّ فيه البر كالشمس، ولكن الأشرار سيأخذون جزاءهم في نار جهنم.
يقولون لي: ارجع! لكن من بين يدَي إلهي؟! وإلى من أعود؟! هل يُعقل أن أقبل ما يقوله الناس بدلًا من إطاعة كلمة الله؟! مرت 45 عامًا وأنا أسلك مع إله المعجزات، ولطفه عليّ كالظلّ. فأنا مدين له بالكثير من أجل محبته الأبوية وعنايته، ومحبة يسوع التي غمرت كل كياني، وأشعرتني بدفء محبته في كل جزء من كياني. الله الذي هو مجدي وكرامتي وحماي، وضع طابع رضاه عليّ من خلال بركاته السخية ومعجزاته.
إن اختبار أمانة الله سهل المنال، الله صالح ولطيف يبكِّت ويؤدِّب الذين يحبّهم، يختبر مدى استعدادهم للسماء. إن إله دانيآل الذي أنقذ شدرخ وميشخ وعبدنغو في أتون النار أنقذني أيضًا طوال تسعة أعوام خلت في السجن، وكل الوقائع الشريرة انقلبت للربح والخير حتى أنني امتلأت إلى الفيض بالفرح والشكر. إن إله أيوب اختبر إيماني وتعهّدي لكي يقوّي صبري وصدق إيماني وأمانتي خلال هذه السنين التسع… إذ حررني من كل التزاماتي ومسؤولياتي، حتى - وأنا تحت راية اسمه المبارك - أقضي وقتي في الصلاة ودراسة كلمته بقلب باحث ومنكسر أنمو في معرفته. إنني أشكره في هذه المناسبة الفريدة، لأنه أعطاني فسحة في ضيقي، وشفاء في شقائي ولطفه أنعشني، فيا لها من بركات عظيمة مدّخرة عند الله للذين يهابونه! اعترضوا على تبشيري ولكن، "إن وجدت أعمى على حافة بئر وسكتّ فقد أذنبت" - شعر فارسي. وما دام باب رحمة الله مفتوحًا فإنه من واجبنا الديني أن نقنع الأشرار ليرجعوا عن طرقهم الردية، ويلجأوا إليه لكي يخلصوا من غضب إله عادل ومن العذاب الأليم الآتي.
قال يسوع المسيح: "أنا هو الباب. إن دخل بي أحد يخلص… أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلّا بي"، "وليس بأحد غيره الخلاص. لأنه ليس اسم آخر تحت السماء، قد أُعطي بين الناس، به ينبغي أن نخلص." من بين أنبياء الله كلهم، يسوع وحده هو الذي قام من الأموات وأصبح شفيعنا الحيّ إلى أبد الآبدين.
إنه مخلصنا، وهو أيضًا ابن الله. وأن نعرفه يعني أن نعرف الحياة الأبدية. أنا خاطئ آمنت بشخصه المحبوب، وآمنت بكلّ كلماته ومعجزاته المدوّنة في الإنجيل، وسلّمت حياتي بين يديه. فالحياة بالنسبة لي فرصة لخدمته والموت هو أفضل فرصة لأكون مع المسيح. لهذا لست راضيًا فقط أن أكون في السجن من أجل اسمه القدوس، بل أنا مستعدّ أن أمنح حياتي من أجل يسوع ربي، وأدخل إلى ملكوته قريبًا، إلى المكان الذي يدخل إليه مختارو الله، إلى الحياة الأبدية. أما الأشرار فيدخلون إلى اللعنة الأبدية. ليت ظلّ لطف الله ويده المباركة الشافية تكون معكم وتبقى إلى الأبد، آمين.
بكل احترام، سجينكم المؤمن المسيحي،
مهدي ديباج