بحضرة المسيح، هل يوجد العابد مع اللصّ؟ ألا يلتقي الورد مع الشوك؟ ها هي مريم تقدِّم أغلى ما عندها،
طِيبَ ناردينٍ خالصٍ كثير الثمن، وتدهن به قدمَي المسيح قبل أن تُدقّا بمسمارين، وتسكبهما على رأسه قبل أن يُتوِّجَهُ إكليلُ الشوك. وفي الوقت نفسه يضرب يهوذا الأخماس بالأسداس، ويقود حملة التذمّر ضدّ ما أسماه إسرافًا وإتلافًا، بينما يشرح الكتاب دوافعه الحقيقيّة، “ليْسَ لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ، بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقًا، وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ” (يوحنا 6:12).
لقد تعرّض المؤمنون للسلب منذ القِدم. فأيّوب سُرِقت ممتلكاته: “الْبَقَرُ كَانَتْ تَحْرُثُ، وَالأُتُنُ تَرْعَى بِجَانِبِهَا، فَسَقَطَ عَلَيْهَا السَّبَئِيُّونَ وَأَخَذُوهَا... الْكَلْدَانِيُّونَ عَيَّنُوا ثَلاَثَ فِرَق، فَهَجَمُوا عَلَى الْجِمَالِ وَأَخَذُوهَا”
(أيوب 14:1-15، 17)؛ ثم إسحاق، الذي بعد أن حفر بئرين وتعب فيهما نُهِبتا منه الواحدة بعد الأخرى (تكوين 19:26-21). ورأيت قمّةَ السلب والظلم بين البشر في قصّة يوسف. فقد سُرِقت حريّته وكرامته وسنو شبابه، وحُرِم من أبيه ومن أخيه، الذي يحبّه؛ ولم يفعل ذلك أعداء غرباء، بل إخوته بنو أبيه: “بِيعَ يُوسُفُ عَبْدًا، آذَوْا بِالْقَيْدِ رِجْلَيْهِ. فِي الْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ” (مزمور 17:105-18).
وللسرقة أنواع وأشكال، وهي من الخطايا التي تتّسم بها الطبيعة البشريّة الساقطة. لذلك تقول إحدى الوصايا العشر، “لَا تَسْرِقْ” (خروج 15:20). فالسرقة لا تمتّ لحياة الإيمان بصلة. يقول بولس، “لَا يَسْرِقِ السَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلًا الصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ احْتِيَاجٌ”
(أفسس 28:4). عندما يرجع الإنسان إلى الله، فهو لا يكفّ عن السرقة فحسب، وإنما يتعب ويجتهد ليعين المساكين أيضًا. ونرى بولس الذي يعلّم بذلك، يوصي فليمون بقبول العبد الهارب التائب أنسيمس؛ واعدًا بأن يعوّض بنفسه عما سرقه ذاك العبد: “ثُمَّ إِنْ كَانَ قَدْ ظَلَمَكَ بِشَيْءٍ، أَوْ لَكَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاحْسِبْ ذلِكَ عَلَيَّ. أَنَا بُولُسَ كَتَبْتُ بِيَدِي: أَنَا أُوفِي” (فليمون 18-19).
لمَ يتعرّض المؤمن للسرقة؟
يبدو أن المؤمنين أكثر عرضة للسرقة والاستغلال من غيرهم. فما هو السبب، يا تُرى؟
1. استقامة المؤمن: فهو لا يكذب، ولا ينتبه أحيانًا إلى أساليب هذا الدهر. لذلك يوصينا الرب يسوع بقوله، “هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسْطِ ذِئَابٍ، فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ”
(متى 16:10).
2. مكر الأشرار: إن طيبة المؤمن تجعله ميّالًا للوقوع ضحيّة السرقة، كما تجعله هدفًا للأشرار الأذكياء. فكثيرون مثلًا يتوجهون إلى المؤمنين ليستدينوا منهم المال بحجّةٍ ما، ولا يوفونهم ما استدانوه. فهم يعرفون أن المؤمن يسرع إلى المساعدة بقلبٍ طيّب، ويشفق على المحتاج حسب وصية المسيح: “وَكُلُّ مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ” (لوقا 30:6).
3. شكوى إبليس: يبدو أن الشيطان يتعمّد سلبَنا ما نملك، كوسيلة لتجربتنا كي نبعد عن الله المحبّ؛ وهذا بالضبط ما فعله بأيّوب. ألم يتحدَّ المشتكي اللهَ مدّعيًا بأن أيوب سيتركه حالما يخسر ما يقتنيه؟ “ابْسِطْ يَدَكَ الآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ”. (أيوب 11:1)
4. الله المحبّ: نحن في حرب روحيّة، والله – بمحبّته وعلمه الكامل - قد يسمح للعدوّ بأن يسلبنا ما هو فانٍ في هذا العالم لتتعلّق قلوبنا بما هو باقٍ في الأبديّة: “لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلَا صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ، لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا” (متى 19:6-21). فبولس، وهو رسول المسيح، يعدّد ما لقيه من المشقّات في خدمته؛ ومن بينها، “أخطار لُصوصٍ” (2كورنثوس 26:11).
ما هو موقف المسيحي عندما يقع فريسةَ سارق؟
ابتعد عن لوم النفس!
لا تقل ليتني فعلت هذا وليتني لم أفعل ذاك. فما حدث قد حدث، ولا يمكن الرجوع إلى الوراء. سيكفيك لوم الآخرين من حولك!
لا تتوقّع تعاطف جميع الناس
ستعرف من يحبّك بالحقّ عندما تجتاز اختبار السرقة الأليم. وسترى الزميل غير المبالي يتّهمك بالجهل، أو يخبرك بأنه لم يقع ضحيّة محتال مشابه لأنّه أكثر حذرًا. ستكتشف أيضًا صديقك الحقيقيّ الذي يهتمّ بك، ويشجّعك، ويرثي لما أصابك، عوضًا عن إلقاء المواعظ.
لا تحقد على الجاني
فقد قال المسيح، رغم علمه المسبق بحسابات يهوذا وخططه، “اتْرُكُوهَا! إِنَّهَا لِيَوْمِ تَكْفِينِي قَدْ حَفِظَتْهُ، لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ” (يوحنا 7:12-8). وبعد هذه الحادثة بأيام غسل أرجل تلاميذه بمن فيهم يهوذا، وقال لهم، “وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا” (يوحنا 34:13).
سلّمْ لمن يسود على الكون
الظلم هو من أصعب الأمور التي يتعرّض لها الإنسان. تذكّر أن الله على العرش، وأنّ لك كلّ ما هو باقٍ. قال الرّسول للعبرانيّين، “قَبِلْتُمْ سَلْبَ أَمْوَالِكُمْ بِفَرَحٍ، عَالِمِينَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَنَّ لَكُمْ مَالًا أَفْضَلَ فِي السَّمَاوَاتِ وَبَاقِيًا”
(عبرانيين 34:10). فالله مصدر كلّ غنى وهو الذي يعطي ويأخذ، ويمتحنُ المؤمن من أجل تكميله، كما قيل: “عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ”
(يعقوب 2:1-4).
مع بداية السنة، وقعتُ ضحية سرقة ذئبٍ بثوب حَمَل؛ فما كتبته لم يكن من برجٍ عاجيّ، وإنما بعد اجتياز امتحان الخسارة نتيجة السلب ومرارته. فقد وجدتُ أعظم تعزية في وعد الربّ، الذي يقول، “وَأُعَوِّضُ لَكُمْ عَنِ السِّنِينَ الَّتِي أَكَلَهَا الْجَرَادُ... جَيْشِي الْعَظِيمُ الَّذِي أَرْسَلْتُهُ عَلَيْكُمْ. فَتَأْكُلُونَ أَكْلًا وَتَشْبَعُونَ وَتُسَبِّحُونَ اسْمَ الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّذِي صَنَعَ مَعَكُمْ عَجَبًا، وَلاَ يَخْزَى شَعْبِي إِلَى الأَبَدِ” (يوئيل 25:2-26).