المجلة
اي كتاب هذا! الذي يزعج شيخًا، ويجعله يفقد وقاره واتزانه، ويصيح بصورة هستيرية: "إنجيل! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، ثم يخرج من جيبه علبة الكبريت التي يستعملها في التدخين، ويشعل فيه وهو يسب ويلعن في الكفر والكفار. فإذا بأحد تلامذته المتعمدين، الذين اكتشفوا ما يحويه الكتاب من نغمة جميلة خالدة، يقول: "إذا كان هذا الكلام الجميل العظيم هو الذي وصفه شيخنا بالكفر، فما أجمل الكفر! وأنا أريد أن أكون كافرًا من الآن!".
أي كتاب هذا، الذي يتهمونه بالتحريف والتزوير، فيقترفون جريمة ذبح العقل والضمير! فخطر التزوير لا يكمن فقط في رواج ما هو باطل، وحيث لا يجد الظامئ للحق إلا أن يشرب من الينابيع الملوثة، بل في كون البشر يفقدون الثقة في كافة الكتب الأخرى، ويجعل الأمر عسيرًا عليهم في المستقبل أن يعرفوا الطريق إلى الينبوع النظيف!
أي كتاب هذا، الذي وصفوه بأنه من صنع البشر، فإذا بكلماته الإلهية حوّلت الغابات إلى أماكن متحضرة، وغيّرت آكلي لحوم البشر وجعلتهم أناسًا متحررين متحضرين!
أي كتاب هذا، الذي هجوه بأنه "الكتاب المكدس"، فلم يروا إشراقاته وبركاته في كافة مجالات التقدم الذي وصلت إليه البشرية وفي تأثيره في اللغات الحية، وفي خلق لغات لملايين من القبائل البدائية الذين لم تكن لهم لغة مكتوبة، فاخترع المرسلون لهم الأبجديات وأصبح الكتاب المقدس هو أول كتاب استطاعوا أن يقرأوه في لغتهم الوطنية، كما كان هو أول كتاب طبع في العالم!