هل تجلس أمام الإنترنت أم تقف في مجلس الرب؟
زارني خادم الإنجيل في بيتي..
سألته: كم من الوقت تقضيه يومياً في قراءة ودراسة الكتاب المقدس، وأرجو أن تجيبني بصدق؟
أجاب: أقضي ربع ساعة كل يوم، وأحياناً حين أكون مشغولاً بأمور كثيرة فلا أجد وقتاً لقراءة الكتاب...
سألته: كيف تجهّز عظة الأسبوع... العظة التي تمتلئ الكنيسة لسماعها؟
أجاب: أجلس أمام الإنترنت، وأبحث عن عظات كبار الواعظين.. والعظة التي تعجبني أنقل نقاطها ومضمونها وأعظها...
قلت: يعني أنت تسرق عظات الخدام الكبار وتعظها لكنيستك.
ضحك وقال: كل الخدام يفعلون ذلك.
قلت: هل تعرف أن الله يدين مثل هؤلاء الخدام؟
قال: أين نجد ما يثبت كلامك في الكتاب المقدس؟
فتحت سفر إرميا النبي وقرأت له هذه الكلمات: "لِذلِكَ هأَنَذَا عَلَى الأَنْبِيَاءِ، يَقُولُ الرَّبُّ، الَّذِينَ يَسْرِقُونَ كَلِمَتِي بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ" (إرميا 30:23).
قال: لم أعرف هذه الآية قبل اليوم.. لكن اسمح لي أن أسألك، كيف أجهّز مواعظي وليس عندي الوقت الكافي للدراسة؟
قلت: خدمة خادم الإنجيل الرئيسية، وأقول ايضاً الجوهرية هي الصلاة وخدمة الكلمة.
لما تذمّر اليونانيون على العبرانيين في أيام الرسل لأن أراملهم كن يُغفل عنهنّ في الخدمة اليومية "فَدَعَا الاثْنَا عَشَرَ جُمْهُورَ التَّلاَمِيذِ وَقَالُوا: لاَ يُرْضِي أَنْ نَتْرُكَ نَحْنُ كَلِمَةَ اللهِ وَنَخْدِمَ مَوَائِدَ. فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَال مِنْكُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ، فَنُقِيمَهُمْ عَلَى هذِهِ الْحَاجَةِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنُواظِبُ عَلَى الصَّلاَةِ وَخِدْمَةِ الْكَلِمَةِ" (أعمال 1:6-4).
خدمة خادم الإنجيل المدعو حقاً من الرب، هي الصلاة وخدمة الكلمة.
ولذا فإن على خادم الإنجيل الأمين أن يقضي ساعات كل يوم في قراءة ودراسة الكتاب المقدس، ليُخرج من كنزه جدداً وعتقاء.
وعلى خادم الإنجيل أن يعرف أن بين رعيته شتى أنواع الناس: بين رعيتك امرأة مجروحة القلب، حزينة الروح... بين رعيتك رجل مدمن على المسكرات والمخدرات... بين رعيتك شباب غارق في الخطايا الجنسية... بين رعيتك فتيات مراهقات تتقاذفهن العواطف.. بين رعيتك بيوت تكاد تنهار وتنتهي بالطلاق. ولعلّك تعرف هذا كله، أو القليل من هذا كله... لكن الرب فاحص القلوب ومختبر الكلى يعرف هذا كله... ولديه العلاج لهذا كله لو وقفت في مجلسه.
اسمع كلماته وضعها في حنايا قلبك.
"لَمْ أُرْسِلِ الأَنْبِيَاءَ بَلْ هُمْ جَرَوْا. لَمْ أَتَكَلَّمْ مَعَهُمْ بَلْ هُمْ تَنَبَّأُوا. وَلَوْ وَقَفُوا فِي مَجْلِسِي لأَخْبَرُوا شَعْبِي بِكَلاَمِي وَرَدُّوهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمِ الرَّدِيءِ وَعَنْ شَرِّ أَعْمَالِهِمْ" (إرميا 21:23-22).
1- الوقوف في مجلس الرب يجعلك
تنظر إلى جمال الرب
قال داود النبي: "وَاحِدَةً سَأَلْتُ مِنَ الرَّبِّ وَإِيَّاهَا أَلْتَمِسُ: أَنْ أَسْكُنَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى جَمَالِ الرَّبِّ، وَأَتَفَرَّسَ فِي هَيْكَلِهِ" (مزمور 4:27).
وحين تقف في مجلس الرب وتنظر جماله، سيضفي الرب عليك من جماله وهيبته.
فيحدث لك ما حدث لموسى النبي "وَكَانَ لَمَّا نَزَلَ مُوسَى مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ وَلَوْحَا الشَّهَادَةِ فِي يَدِ مُوسَى، عِنْدَ نُزُولِهِ مِنَ الْجَبَلِ، أَنَّ مُوسَى لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ جِلْدَ وَجْهِهِ صَارَ يَلْمَعُ فِي كَلاَمِهِ مَعَهُ" (خروج 29:34)، وما حدث لاستفانوس أول شهداء المسيحية إذ نقرأ عنه: "فَشَخَصَ إِلَيْهِ جَمِيعُ الْجَالِسِينَ فِي الْمَجْمَعِ، وَرَأَوْا وَجْهَهُ كَأَنَّهُ وَجْهُ مَلاَكٍ" (أعمال 15:6).
2- حين تقف في مجلس الرب سيعطيك أسراره ويكشف لك احتياجات شعبه
"سِرُّ الرَّبِّ لِخَائِفِيهِ، وَعَهْدُهُ لِتَعْلِيمِهِمْ. عَيْنَايَ دَائِمًا إِلَى الرَّبِّ، لأَنَّهُ هُوَ يُخْرِجُ رِجْلَيَّ مِنَ الشَّبَكَةِ" (مزمور 14:25-15).
سيعرّفك الرب حاجات شعبك، ويجعل عظاتك بركة لهم، يجدون فيها رداً على أسئلتهم، وتعزية وفرحاً لقلوبهم، وكشفاً لخطاياهم.
أذكر هذه القصة لمجد الرب:
منذ سنين طويلة دُعيت للخدمة في لوس أنجلوس بكاليفورنيا، ودعاني للغداء الأخ "فايز فرج" أحد الذين حضروا خدماتي في ذلك الوقت.. لما جلسنا حول المائدة نظر هذا الأخ إلى زوجته وقال: "أليس"، هل رأيتِ فرقاً بين عظات القس لبيب وعظات راعي الكنيسة؟.. وردّت "أليس" على زوجها وقالت: شعرت أنه يتكلّم إليّ وحدي دون سائر الحاضرين.. كلماته لمست قلبي بقوة. ونظر فايز لزوجته وقال: هذا نفس شعوري.. شعرت أن الرسالة موجهة لي وحدي.
أقول ليس هذا امتيازاً فيّ.. الروح القدس الذي عرف حاجات الآخرين، هو الذي أرشدني مقدماً.
حين تقف في مجلس الرب سيعطيك الرب كلمته.
3- حين تقف في مجلس الرب فلن تخاف من كشف خطايا سامعيك
سيعطيك الرب قوة لتكشف الخطايا التي سقط ويسقط فيها الكثيرون من شباب وفتيات ورجال ونساء كنيستك، وستقودهم رسالتك إلى التوبة والرجوع للرب.
عندما كنت في مصر، كانت جمعية خلاص النفوس تدعوني كثيراً. أحياناً لافتتاح سلسلة اجتماعاتها السنوية التي يعظ فيها آخرون، وأحياناً في سلسلة اجتماعات أكون أنا المتكلم فيها وحدي.
والقصة التالية حدثت في المنيا بصعيد مصر:
دعوني للوعظ أربعة أيام، وفي آخر ليلة تقدم شاب وسيم مني بعد انتهاء الاجتماع وقال: هل يمكن أن نجلس معاً لمدة دقائق؟
قلت: بكل سرور.
كان الشاب وسيماً جداً، وكان هادئاً في كلماته.
قال: هل سبق لك أن رأيتني أو سمعت عني؟
قلت: أنت في المنيا، وأنا في القاهرة.. لم أركْ، ولم أسمع عنك..
قال: كيف إذاً مزّقت كل الأقنعة التي استترت بها في حياتي؟
قلت: الرب الذي يعرف أسرارك هو الذي كشفها لك.
قال: اسمع إذاً قصتي.
نلت الخلاص في شبابي الباكر، ولما حصلت على شهادة الثانوية العامة، تأكدت أن الرب قد دعاني لخدمته، وقررت الالتحاق بكلية اللاهوت الإنجيلية لأعدّ نفسي لخدمة الرب. وصارحت والدي بذلك، ولكن والدي غضب جداً وثار، وقال لي: أتريد الالتحاق بكلية الشحاذين؟
قلت له: القسوس ليسوا شحاذين.. إنهم خدام الرب.. خدمتهم ربح النفوس الهالكة لملكوته.
قال: لن أسمح لك أن تلتحق بكلية اللاهوت.
انتهت معركتي مع والدي بأني التحقت بكلية التجارة بجامعة القاهرة، وتخرجت بدرجة جيد جداً، وعُيّنت رئيساً لمأمورية ضرائب المنيا، ولعلك تعرف تجارب مأموري الضرائب.
استأجرت شقة في عمارة يسكنها طبيب معروف، زوجته جميلة جداً. التقيت بزوجة الطبيب على السلّم مراراً وتبادلنا الحديث، ونشأت بيني وبينها علاقة غرامية ما زالت قائمة إلى اليوم.
لما حضرت عظاتك، كانت كل عظة أمضى من كل سيف ذي حدين، اخترقت قلبي، ومزّقت الأقنعة التي استترت وراءها.. رأيت نفسي عارياً في محضر الرب.. أنا الذي كنت أريد أن أخدم الرب، وأن أقف في المكان الذي وقفت أنت فيه لتنادي للناس بالتوبة والإيمان بيسوع.. أعيش في علاقة محرّمة نجسة.. أعيش في طين الحمأة وجبّ الهلاك.
والآن: ماذا أفعل؟ لقد قررت من صميم قلبي بعد أن أعلن الرب لي شرّي ونجاستي خلال هذه الليالي أن أتوب وأرجع إلى الرب.. لكن ماذا أفعل والتجربة قريبة جداً مني؟
قلت: لقد كشف الروح القدس لك شناعة خطيتك.. وشكراً لله لأنك قررت التوبة الحقيقية، والرجوع للرب.. والآن بأسرع ما يمكن اطلب من المسؤولين نقلك إلى مأمورية ضرائب أخرى في بلد بعيد.. وعُدْ إلى الكتاب المقدس وواظب على قراءته. وارفع الصلاة التي رفعها داود للرب بعد سقوطه المشين:
"قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي... رُدَّ لِي بَهْجَةَ خَلاَصِكَ، وَبِرُوحٍ مُنْتَدِبَةٍ اعْضُدْنِي. فَأُعَلِّمَ الأَثَمَةَ طُرُقَكَ، وَالْخُطَاةُ إِلَيْكَ يَرْجِعُونَ" (مزمور 10:51-13). وإن فعلت ذلك من قلبك، فالرب سيردّ لك بهجة خلاصه ويستخدمك في ربح الهالكين.
يا خادم الإنجيل، هذا هو ما يحدث حين تقف في مجلس الرب، ولن يحدث حين تسرق عظاتك من الإنترنت.
فتعلّم الوقوف في مجلس الرب، واقرأ كلمة الله كل يوم، وتأمّل معانيها.. واقضِ وقتاً كافياً في الصلاة لأجل نفسك ولأجل رعيتك، واذكر كلمات ترنيمة المصاعد:
"الَّذِينَ يَزْرَعُونَ بِالدُّمُوعِ يَحْصُدُونَ بِالابْتِهَاجِ. الذَّاهِبُ ذَهَابًا بِالْبُكَاءِ حَامِلاً مِبْذَرَ الزَّرْعِ، مَجِيئًا يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ حَامِلاً حُزَمَهُ" (مز 5:126-6).
والرب يبارك خدمتك،
زميلك في الخدمة المقدسة
القس لبيب ميخائيل