أردت أن أكتب لك رسالة تُدخل البهجة إلى قلبك، لكن الواقع الذي أراه دفعني لكتابة هذه الرسالة التي تعلن أن أعمدة الحياة قد انقلبت. وقد سأل كاتب المزمور: "إذا انقلبت الأعمدة فالصديق ماذا يفعل؟" (مزمور 3:11).
الصديق هو المؤمن الذي تبرر بالإيمان... والأقلية المؤمنة التي تعيش اليوم ترى انقلاب الأعمدة...
والأعمدة هي التي يقوم عليها البناء. فإذا انقلبت الأعمدة انهار البناء، ونحن نرى بعيوننا بداية انهيار البناء. ونظرة صادقة لأحوال العالم اليوم تؤكد أن الأعمدة قد انقلبت.
عمود الاقتصاد انقلب
فالحالة المالية في العالم كله تعلن إفلاس العالم اقتصاديًا. والإفلاس المالي أدّى إلى وجود المتعطلين رغم وصولهم إلى أعلى درجات العلم. ومع الإفلاس المالي وانتشار الفقر تزداد الجرائم والسرقات.
عمود الأسرة المتماسكة انقلب
فحالات الطلاق بلغت حدًا ينذر بالخطر، وبسبب ازدياد حالات الطلاق قرر الجيل الجديد من الشبان والشابات الحياة معًا بغير زواج، وقبول المجتمع لهذا الوضع معناه الرضى عن الزنى باعتباره قد صار وضعًا عامًا ومقبولاً.
عمود الروحيات انقلب
فالكنائس التي يجب أن تكون مصدرًا ومكانًا للروحيات والتعزيات صارت باردة كالثلاجات! وشعب الكنيسة يقول للرعاة: "لاَ تَنْظُرُوا لَنَا مُسْتَقِيمَاتٍ. كَلِّمُونَا بِالنَّاعِمَاتِ. انْظُرُوا مُخَادِعَاتٍ. حِيدُوا عَنِ الطَّرِيقِ. مِيلُوا عَنِ السَّبِيلِ. اعْزِلُوا مِنْ أَمَامِنَا قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ" (إشعياء 10:30-11). ورعاة الكنائس "وَيَشْفُونَ كَسْرَ بِنْتِ شَعْبِي عَلَى عَثَمٍ (شفاء سطحيًا دون تنظيف الصديد) قَائِلِينَ: سَلاَمٌ، سَلاَمٌ. وَلاَ سَلاَمَ" (إرميا 14:6).
انتهى العصر الذي كانت الكنائس فيه مكان شركة بين المؤمنين ومكان إحساس بآلام المتألمين كما قال الرب: "فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ" (1كورنثوس 26:12)، ومكان تعليم الحق الإلهي الثمين. وصارت الآن كنائس كثيرة العدد يقدم رعاتها لبنًا ممزوجًا بالماء أو بفلسفات العالم، وعدد المؤمنين الحقيقيين فيها انخفض إلى نسبة أدنى كثيرًا من عدد غير المؤمنين، ومع ذلك التدهور فنحن ندعوهم مؤمنين!
عمود الأخلاق انقلب
صارت جلسات الذي يُدعون "مؤمنين" جلسات لتبادل القصص الجنسية الداعرة، وشرب الخمر، وارتكاب شتى المحرّمات، ورغم ما يرونه من تدهور في كل دوائر الحياة. "فَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى لاَ يَسْجُدُوا لِلشَّيَاطِينِ وَأَصْنَامِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ الَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُبْصِرَ وَلاَ تَسْمَعَ وَلاَ تَمْشِيَ، وَلاَ تَابُوا عَنْ قَتْلِهِمْ وَلاَ عَنْ سِحْرِهِمْ وَلاَ عَنْ زِنَاهُمْ وَلاَ عَنْ سَرِقَتِهِمْ" (رؤيا 20:9-21).
عمود العلاقات الإنسانية انقلب
فلا صداقات حقيقية بين الناس، وأصبح الفرد "أَنْعَمُ مِنَ الزُّبْدَةِ فَمُهُ، وَقَلْبُهُ قِتَالٌ. أَلْيَنُ مِنَ الزَّيْتِ كَلِمَاتُهُ، وَهِيَ سُيُوفٌ مَسْلُولَةٌ" (مزمور 21:55). ومن هنا صار الزمان الذي نعيش فيه صعبًا، وصعوبته ناجمة عن الناس الذين يعيشون فيه.
كتب بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس يقول: "وَلكِنِ اعْلَمْ هذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ، لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضًى، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي النَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ، خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ للهِ" (2تيموثاوس 1:3-4).
من يعيش في وسط أناس هذه صفاتهم ولا يقول أنه في غابة سابت فيها الوحوش البشرية ينهش فيها بعضهم بعضًا؟!
والآن، ماذا يفعل الخادم الأمين وقد انقلبت الأعمدة؟
عليك أن تكرز بالكلمة في وقت مناسب وغير مناسب.
أعطى الوحي لبولس الرسول إعلانًا عن مجيء العصر الذي تنقلب فيه الأعمدة فكتب إلى تلميذه تيموثاوس قائلاً: "أَنَا أُنَاشِدُكَ إِذًا أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْعَتِيدِ أَنْ يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ: اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ. لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ، فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى الْخُرَافَاتِ. وَأَمَّا أَنْتَ فَاصْحُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. احْتَمِلِ الْمَشَقَّاتِ. اعْمَلْ عَمَلَ الْمُبَشِّرِ. تَمِّمْ خِدْمَتَكَ" (2تيموثاوس 1:4-5).
هذا أول ما يجب أن تفعله في العصر الذي أحب الناس فيه الخرافات أكثر من حبهم لكلمة الله.
عليك كذلك أن تثق أن "الرب في هيكل قدسه" وأن "الرب في السماء كرسيه". (مزمور 4:11)
فالرب هو صاحب السيادة، وقد يرضى بإرادته السامحة أن تنقلب الأعمدة. لكنه يظل صاحب السلطان ليتمم إرادته الصالحة ويعاقب الشرير ويكافئ البار. فلا تيأس حين ترى الأعمدة المنقلبة، بل لتثبت عيناك في الإله القادر على كل شيء، "إِنْ رَأَيْتَ ظُلْمَ الْفَقِيرِ وَنَزْعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، فَلاَ تَرْتَعْ مِنَ الأَمْرِ، لأَنَّ فَوْقَ الْعَالِي عَالِيًا يُلاَحِظُ، وَالأَعْلَى فَوْقَهُمَا" (جامعة 8:5).
وأخيرًا، عليك أن تضع في قلبك أن انقلاب الأعمدة يعلن قرب عودة المسيح ملك الملوك ورب الأرباب، الذي سيؤسس ملكوته الذي لا يتزعزع، وحينئذ تتم الكلمة المكتوبة: "وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتًا فِي رَأْسِ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ، وَتَجْرِي إِلَيْهِ كُلُّ الأُمَمِ. وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَيَقُولُونَ: هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، إِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ... فَيَقْضِي بَيْنَ الأُمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ، فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ" (إشعياء 2:2-4).
إلى هذا اليوم يجب أن تتوق نفسك، وبهذا الإيمان يستريح قلبك.
شريككم في الخدمة المقدسة
القس لبيب ميخائيل