Voice of Preaching the Gospel

vopg

منذ عدة سنوات، كنت في زيارة أحد رعاة كنيسة، فالتقيت بواعظ ضيف في منزله دُعي ليتكلم في سلسلة اجتماعات انتعاشية. وفيما كنا نتجاذب أطراف الحديث قال لي: "أرجو من الله أن أتمكّن من هزّ المنبر والمقعد في هذه الحملة الانتعاشية التي دُعيت إليها."
تطلعت إليه في كثير من الدهشة، وخطر في بالي ما حدث في يوم الخمسين عندما وقف الرسول بطرس وخاطب الجماهير المحتشدة بقوة الروح القدس، فخلص في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف شخص. فلم أملك نفسي آنئذ عن القول:

يا صديقي، إن الذي يهزّ المنبر والمقعد وقلوب الحاضرين هو الروح القدس، وليس أنت.
فوجئ هذا الواعظ بموقفي وأخلد إلى الصمت.
أدركت آنئذ أنه كان يعبّر في كلامه عن فخر ذاتيّ وتباهٍ جسدي لا يمت إلى عمل روح الله وقوته في خدمة الوعظ. إن مثل هذه المواقف الذاتية التي تشلُّ عمل الروح القدس في كل نهضة في الكنيسة أو في أي حملة روحية، تضحي دائمًا العائق الأكبر في تحقيق الغرض الذي استهدفته الكنيسة.
ورد في الكتاب المقدس ما نطق به الوحي الإلهي في القديم هذه الآية: "لا بالقوة ولا بالقدرة بل بروحي قال رب الجنود." وفي رأيي أن هذه الآية تحمل في ذاتها سر نجاح الكنيسة الأولى وانتشارها في جميع أرجاء العالم لأنها كانت القوة الخارقة التي اقتحمت ظلمات الوثنية، وهدمت قلاعها وحصونها، وما زالت تعمل حتى الآن في كل خدمة روحية تسعى لتمجيد اسم رب الأرباب وفي ربح النفوس.
ولكنني هنا أود أن أشير إلى مدى تأثير قوة الروح القدس في خدمة الوعظ لأنها المصدر الرئيس في نهضة كل كنيسة.

أولاً: الإرشاد
إن الروح القدس هو الذي يرشد راعي الكنيسة إلى ما يجب أن يتكلم به في كل مناسبة ولا سيما في أثناء العبادة لأنه يدرك ما هي حاجات المستمعين الماثلين أمام الرب. فالمؤمنون منهم يحتاجون إلى تعزية، وتقوية، وانتعاش، وحماس، والبعض الآخر يفتقرون إلى من يمد إليهم يد العون للتغلّب على ضعفاتهم، ونقائصهم، وينتشلهم من وهدة الفشل، والشعور بالعجز. وهناك غير المؤمنين الذين جاؤوا لحضور الاجتماع لسبب أو لآخر، وهم موجودون ليس عن طريق الصدفة بل لقصد إلهي. هؤلاء في حاجة إلى خلاص المسيح ورحمته، وفي قلوبهم أشواق للتحرر من عبودية إبليس. وهناك المتألمون والحزانى، والذين يقاسون من عوادي هذا الدهر ويحتاجون إلى قوة روح الله القدوس لكي يثبتوا في مثل هذه الظروف الفاجعة. ولقد لخَّص المسيح في خطبته لتلاميذه بعد العشاء الرباني هذه الحقيقة عندما قال: "وأما المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم." (يوحنا 26:14) فما أحوج الراعي عندما يقف على المنبر أن ينسى نفسه ويسلِّم القيادة لقوة الروح القدس لكي تهيمن على الاجتماع. وفي 8:16-11 من نفس الإنجيل يتابع الرب يسوع مخاطبة تلاميذه: "ومتى جاء ذاك (أي الروح القدس) يبكت العالم على خطية وعلى برّ وعلى دينونة. أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي... وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين." إن راعي الكنيسة في مثل هذه الأحوال يحتاج إلى من يكشف له عن هذه الحاجات الروحية والعاطفية والنفسية لكي يخاطبها ويقدّم إليها الرسالة التي تسدّ احتياجات نفوسهم. ولكن أنّى له أن يفعل ذلك إن لم يرشده الروح القدس المطّلع على خفايا القلوب وسرائر النفوس.
وكم من مرة يقف واعظ على منبر ليلقي موعظة كان قد قضى في إعدادها أسبوعًا كاملاً، ولكن في اللحظة الأخيرة وضع روح الله على قلبه أن يلقي موعظة أخرى لم يكن قد أعدّها، ولم تخطر على باله سابقًا لأن الروح القدس قد أدرك ما هي حاجة النفوس الحقيقية في ذلك الصباح، فعمل على سدّها. إن الحاجات الروحية تختلف باختلاف الظروف والأحداث. وقد تكون تلك الحاجات عامة أو خاصة، ولكن روح الله لا يهمل واحدة منها، وهو الذي يحفز الواعظ على التحدّث بها مستعينًا بكلمة الله التي هي كسيف ذي حدّين.

ثانيًا: التأثير في النفوس
إن الواعظ مهما كان مفوّهًا، وقويّ الحجة، وبارعًا في الخطابة يعجز ببلاغته عن تخليص نفس واحدة من العذاب الأبدي. إن مهمة الواعظ أن يكرز بتأثير الروح القدس وإرشاده، لأن بقوة الروح يحدث التأثير والتغيير، والانتصار. لقد أمر المسيح تلاميذه أن يذهبوا ويكرزوا بالإنجيل، ولكنه أيضًا وعدهم برفقة الروح القدس الساكن فيهم والماكث معهم الذي يذهب معهم إلى حيث يذهبون وهو الذي يعمل في القلوب. إن الواعظ هو الأداة التي يستخدمها الله في خدمة الإنجيل، ولكن هذه الأداة لا يمكن أن تقوم بعملها، وتنجز المهمة المنوطة بها إن لم تكن مستسلمة ليد الصانع الماهر الذي يستخدمها.
دعي أحد الطلاب المتخرّجين حديثًا من كلية لاهوت ليعظ في كنيسة؛ ولكي يبهر السامعين بمقدرته البلاغية وغزارة علمه أخذ يكثر من ترديد عدد من المصطلحات اللاهوتية التي لا يألفها معظم الحاضرين أو حتى يعرفون معانيها. وبعد الاجتماع، وفيما كان يصافح بعض أعضاء الكنيسة، أقبل إليه أحد الشمامسة وقال له: لماذا تعظ بما لا يفهمه الناس ولا يؤثر في نفوسهم؟
إن المتأمل في مواعظ المسيح يراها مستمدة من الحياة اليومية، أو الطبيعة أو مظاهر الكون المألوفة للناس في زمانه (إلا فيما ندر) فاستوعبها الأمي والمثقف على حد سواء وكان لها أبلغ التأثير في القلوب؛ فالروح القدس هو الذي يبكت وكلمة الرب هي التي توغل في القلوب.
والواقع، لا يمكن لأية خدمة روحية أن تحظى بالنجاح إن لم تكن منقادة بقوة الروح القدس كما حدث في يوم الخمسين، وكما يحدث اليوم في كل كنيسة خضع فيها المنبر والمقعد لإرشاد الروح القدس الجاهز دائمًا لكي يضرم كل كنيسة تطلبه بإخلاص وتضحية وتسلّم ذاتها منبرًا ومقعدًا لإرادته. وأخيرًا أقول إنَّ على خادم الرب أن يكون رجل صلاة لكي يستخدمه الرب في حقله الذي ابيضّ للحصاد.
أخوكم صموئيل عبد الشهيد

المجموعة: 2015

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

103 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578375