«تَوَكَّلُوا عَلَيْهِ فِي كُلِّ حِينٍ يَا قَوْمُ. اسْكُبُوا قُدَّامَهُ قُلُوبَكُمْ.» (مزمور 8:62)
ما أقوى هذا التعبير الذي يشير إلى عمق روح الصلاة والشركة مع الله! إنه يفتح آفاقًا جديدة، ويحمل لنا معاني جديدة مباركة للصلاة.
فعندما يدخل المؤمن إلى عرش النعمة وقلبه ممتلئ من العواطف والآمال، من الشكر والطلبات، هناك ينفتح القلب وتنسكب هذه كلها في حضرة الله.
قد ندخل إلى حضرة إلهنا والقلب مثقل بالهموم، ممتلئ بالمخاوف والمشغوليات، وهناك نسكب همومنا وارتباكاتنا ومشغولياتنا أمام الرب، كما فعلت حنة أُم صموئيل. عندئذ نخرج من حضرته ولا يعود الوجه مكمدًّا فيما بعد، بل تنفرج الأسارير، وترسم البسمة على الشفتين، ويحلّ الفرح محل الهم، إذ نطرح على الرب الهم، ونستريح على شخصه كمن يحمل حملنا ويهتم بأمورنا لأنه وعد أن يفعل ذلك.
ومرات قد ندخل إلى المقادس والقلب ممتلئ من الخطايا والضعفات وعدم التدقيق في الحياة، وما أثقل ما يكون القلب في هذه الحالة! وعند قدمي الفادي نسكب اعترافاتنا، ونحدث السيد بصراحة كاملة فلا نخفي عنه شيئًا. نشكو له ضعف طبيعتنا البشرية، ومحاربات العالم والشيطان. ونضع القلب الملوّث المنجس تحت تأثير الدم حتى يطهر. نصلي، ونسكب قلوبنا قدامه، كي يتغاضى عن عيوبنا وينقّي القلب والحياة. عندئذ يتنازل إلينا مخلصنا ويسامحنا، ولا يعود يذكر خطايانا ولا تعدياتنا فيما بعد.
بل إننا قد ندخل إلى حضرة الرب وقلوبنا مفعمة بعواطف الحنين والأشواق المقدسة إلى شخصه. فالقلب المتعب من العالم، ومن البشر، ومن أنفسنا يحنّ إلى ذاك الذي فيه راحتنا وسلامنا وسرورنا. هناك نسكب قلوبنا قدامه، نسكب هذا الحنين، ونحدثه عن مقدار اشتياقنا إليه الذي يشبه اشتياق الإيّل إلى جداول المياه. وقد يكون هذا السكيب في أنات متصلة تتصاعد من الروح القدس الذي يصلي فينا، أو قد يكون في دموع تنحدر من مآقينا، أو على هيئة هتاف وتمجيد يتصاعد كبخور طيب أمام فادينا.
آه، ما أحلى أن ينسكب القلب أمام الرب! هل اختبرت هذه الحالة أيها المؤمن؟