Voice of Preaching the Gospel

vopg

قد يكون في عرف أكثرية المؤمنين الرعاة وخدام الكلمة أن المطالعة تأتي في سلّم الأوليات في الدرجة العاشرة أو العشرين. وأغلبهم مكتفون بقراءة الكتاب المقدس ويعتبرون أن المطالعات الأخرى هي ممارسة ثانوية إن توافر لديهم الوقت، ويزعمون أنه قلّ أن يتوافر الوقت إذ أنهم منهمكون في الخدمة، والأعمال اليومية، ومشاكل الحياة المعقدة وسواها من أمور الدنيا، فلا تتاح لهم الفرصة لم طالعة كتاب جديد أو قديم مهما كانت منافعه ذات فائدة روحية وعقلية وحتى نفسيّة.

ولكن قبل أن يعترض أحدهم على ما أشرت إليه في الفقرة أعلاه أودّ أن أقول بصريح العبارة وبكل قوة أن الكتاب المقدس هو الذي نبني عليه مفاهيمنا الروحية وتصرفاتنا المسلكية، وعلاقاتنا الأدبية والاجتماعية، بل هو أساس دستورنا المسيحي ويجب أن يكون في المنزلة الأولى والعليا في سلّم الأوليات. ومن شأن هذا الكتاب الموحى به من الله، أن يكون المُعين الذي ننهل منه نظرتنا إلى الحياة ونستمدّ منه رؤيا مواقفنا في ظروفنا وأحوالنا اليومية، ونسترشد به في معرفة إرادة الله لنا وفي اختياراتنا لقراراتنا.
ولكنني أودّ أن ألفت القراء، خدّامًا، ورعاة، ومعلّمين، ومؤمنين، إلى بعض الحقائق التي لا بُدّ التوقّف عندها لأنها من واقع حياتنا ولأننا نواجهها في مسيرتنا الأرضية شئنا أم أبينا.
وأرغب بادئ ذي بدء أن أطرح بعض الأسئلة التي قد يراها البعض تتّسم بالسذاجة: لماذا خلق الله الكتّاب والمؤلفين، والمفسّرين، والمرشدين والوعاظ وسواهم إن لم يكن هناك حاجة إلى المطالعة (بالإضافة إلى الكتاب المقدس) لتغذية الروح والعقل؟ لماذا تكتظ المكتبات، والمعاهد العلمية، بالمراجع والمصادر التي يقضي فيها الطلاب والمتخصصون آلاف الساعات في الدراسة والبحث والتنقيب؟ لماذا تمتلئ رفوف المكاتب في المعاهد الدينية بمختلف الأبحاث والمراجع التي تلقي أضواء ساطعة على ما ورد في الكتاب المقدس وكيف جُمع، ومن هم مدوّنوه؟ وماذا عن المصادر الأثرية ولا سيما ما يتعلق بأحداث الكتاب المقدس وما ورد فيه من قصص تاريخية، وحروب وحضارة؟ بل ماذا عن الكتب العلمية والدراسة التي تكشف عن قدرة الله وعظمته؟ ألم يقل صاحب المزامير: "السماء تحدّث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه؟" ألا نجد في مثل هذه الكتب العلمية التي تعلن لنا عن قدرة الله في خلق النظام الفلكي وتركيبه بصورة مدهشة مما يجعلنا ندرك أننا نحن أبناء القرن الواحد والعشرين، على الرغم من التكنولوجيا والاكتشافات ما زلنا نقف على مشارف عظمة الله وقدرته اللتين لا تُستقصيان؟
طبعًا، إن الكتاب المقدس سيظل هو دستورنا الذي نعتمد عليه في إيماننا، وعقائدنا، وممارساتنا، وعليه نباين ونقارن ما نقرأ فنرفض ما يخالفه، ونقبل ما يتناغم معه لأن لدينا الآن بعض المعرفة ولا سيما في القضايا التي ما زالت قيد الاكتشاف والبحث.
وهنا جوهر المشكلة. إن الكتاب المقدس ليس كتابًا علميًا، أو نصوص شرائع أو معمل مختبرات. إنه سجل معاملات الله مع الإنسان في شخص المسيح وفيه ملخص قصة الفداء والحياة الأبدية. هذه الخلاصة يجب أن يستوعبها المؤمنون والخدام، لأن ملخص قصة هذا السجل هو شخص المسيح بالذات. ولكن المطالعات الأخرى هي مناهل مفيدة كلها تنصب في بحيرة النموّ الروحي وتسعفنا على فهمٍ أعمق لكلمة الله لأنها توفّر لنا الرؤيا على التمييز بين الغثّ والسمين، وتلقي أضواء مشعّة على حكمة الله في تعليمنا ونموّنا.
ومن ناحية أخرى، فإن المطالعات النافعة ضرورية ومفيدة لنا لأننا إن اكتفينا بما لدينا نكون كمن يغترف من بئر ماء إلى أن ينضب ما فيه، ولا يبقى في قعره إلا النزر اليسير. فلا عجب أن نرى بعض الوعاظ قد جفّ معينهم، وأخذوا يرجعون إلى ما كانوا قد ألقوه سابقًا على مسامع مستمعيهم، فيُكثرون من التكرار، بل اللغو أحيانًا، ويخيّم الملَل على أجواء الاجتماع لأن مخزونهم من فكر واستيحاء ورؤيا روحية قد أصابه الخواء.
وهناك من يتذرّع بضيق الوقت، وكثرة المشاغل اليومية، وتراكم المسؤوليات التي من شأنها أن تحول جمعًا دون توفير الفرص للمطالعة والتأمل، والتحليل واكتشاف الكنوز الرائعة المكنونة في طوايا كلمة الله والتي تحمل في ذاتها من القوة ما ينعش القلب، ويبعث في النفس الطمأنينة والسلام، إن كان عن طريق إرشاد الروح القدس المباشر، أو ما أنار به الله قلب كاتب أو باحث آخر فأفاد واستفاد.
إننا نعيش في مجتمع معقّد اختلط فيه الزوان بالقمح، وبذر فيه الشيطان إله هذا الدهر، الشكوك، والنظريات الهدامة، والآراء الجاحدة لكلمة الله، وتفاقمت فيه المقاومة للكتاب المقدس وتعاليمه وازداد التواطؤ على القضاء على الكنيسة بصورة مرعبة. ولكن الله لم يترك كلمته من غير شاهد أمين، أو كاتب ملهم، أو معلم متعمّق في الكلمة التي أوحى بها الله، أو عالم مسيحي أخذ على عاتقه تعرية ما يحيكه إبليس من مؤامرات على الكنيسة لاختطاف المؤمنين واستعبادهم في زنزاناته. ومن هنا أصبحت الضرورة أمرًا محتّمًا على حملة مشاعل الإنجيل أن يكونوا على اطلاع واسعٍ، بما يجري في هذا العالم الذي قضت الإرادة الإلهية أن يكون وطننا المؤقت.
إننا نهدر كثيرًا من أوقاتنا مسمّرين أمام شاشة التلفزيون ثم ندّعي أن لا وقت لدينا لمطالعة كتاب تكبّد مؤلفه عناء سهر الليالي في البحث والدراسة والرجوع إلى كتب التفاسير والمؤلفات المتعلقة بموضوع إنتاجه الأدبي الروحي. ولست أدري إن أجرينا أيّ استفتاء بين المؤمنين، رعاة ورعية، وطرحنا هذا السؤال:
كم كتابًا قد قرأتَ، أو قرأتِ في هذا العام من الكتب الروحية المجدية التي تغني النفس بما فيها من أبعاد فكرية ملهمة كان لها تأثير عظيم على حياتِكَ أو حياتكِ؟ إنني لست واثقًا أنّ الجواب يكون مدعاة للفخر.
وأخيرًا أقول: إن النقص الهائل في وجود مؤلفين مسيحيين إنجيليين مرموقين في مجتمعاتنا العربية، إن في الشرق أو في الغرب، هو الافتقار إلى التشجيع وعدم إقبال القارئ المؤمن الإنجيلي وربما سواه من الطوائف المسيحية الأخرى على المطالعة، فيشعر المؤلف أن الوقت الذي قضاه في البحث والدراسة، والجهد الذي بذله في نشر كتاب مسيحيّ تمخّض عنه ذهنه المتوقّد قد ذهب سُدًى وكان خيرٌ له لو انكبّ على العمل في مشروع تجاريّ أو أي عملٍ ماديٍّ يحظى به بالتوفيق والفلاح.
لهذا، إن المكتبة العربية الإنجيلية المسيحية فقيرة في المؤلفات المجدية روحيًا، وفكريًا وعقليًا، وإنني أدرك معنى المعاناة التي يقاسي منها الكاتب العربي المؤمن لأنه يخامره الشعور بأنه يضارب الهواء، وقلّ أن يتردّد في صدور القراء صدى أنات روحه، وخواطر عقله، ومشاعر قلبه التي اختلجت بها نفسه وهو يسوّد السطور بما جاشت به نفسه التي تحلّت بالموهبة الفنيّة الأدبية التي كرّسها في خدمة سيده الذي مات من أجله على الصليب فكان الفداء تسجيلًا حيًّا لأروع قصة خلاص كتبت بالدم.
يا قارئي الكريم، اصفح عنّي إن كنت قد أثرت حنقك فيما كتبت ولكنها هي كلمة حضٍّ وإيقاظ. فالكلمة المكتوبة هي وثيقة دامغة ولا سيما إذا كانت تستهدف تمجيد اسم الرب وتتّسم بالصياغة الرائعة، والأسلوب المشوّق، والفكر المنمّي المنعش، والجدوى الروحية.
اقرأ يا أخي، فالقراءة غذاء الروح والعقل.
شريككم في خدمة الرب،
القس صموئيل عبد الشهيد

المجموعة: 2017

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

166 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578477