إن الخدمة الناجحة لا تنفصل عن الروح القدس؛ فهما رفيقان متلازمان. انسكب الروح القدس يوم الخمسين على التلاميذ عندما كرزوا انضم إلى الرب جمع غفير. وتكلم الروح القدس في اجتماع أنطاكية فتأسست أنجح خدمة تبشيرية عرفها التاريخ عندما غزا إنجيل المسيح أوربا بواسطة بولس وبرنابا ثم مع من رافق الأول بعد ذلك في رحلتيه الثانية والثالثة. وهكذا نرى على مرّ التاريخ أن الخدمة الناجحة رافقها الروح القدس باستمرار.
وقبل أن يغادر المسيح هذه الأرض منطلقًا إلى يمين مجد الله، أعطى المأمورية العُظمى إلى تلاميذه "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها." "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر." ولم يترك الرب يسوع المسيح تلاميذه والمؤمنين به يصارعون في هذا العالم يتامى. بل أرسل المعزي الروح القدس، عصب الخدمة وجاذب النفوس الأوحد إلى معرفته. أما عمل التلاميذ فقد اقتصر على تقديم رسالة الإنجيل وإذاعتها للبشر. وأما ما يلي ذلك فهو من اختصاص الروح القدس؛ فهو الذي يبكّت ويقنع ويعلن المسيح لغير المخلصين، وهو الذي يجدّدهم ويختمهم ويسكن فيهم إلى الأبد.
والحقيقة الأساسية التي يجب أن تعرفها عن الروح القدس هي أنه إله غير محدود؛ أفكاره غير أفكارنا وطرقه غير طرقنا، وكل ما يفعله صادر عن استحسانه الأزلي المطلق غير المعروف بالنسبة للبشر، الأمر الذي يجعلنا نستسلم له دون شروط خصوصية ليفعل مسرته بنا.
إن شهادات رجالات الله تتفق على أن السبب الرئيس لنجاح خدماتهم ناتج عن عمل روح الله المبارك. ولا يستطيع أحد منهم أن يفتخر – من حيث هذا الموضوع – بناقة له أو جمل: فـ "بللي صنداي" واعظ أميركا الأول في عصره تعجب من نجاح خدمته، واستغرب خلاص النفوس الكثيرة؛ وما استطاع إلا أن يعزو الأمر للروح القدس. وهذا عين ما حدث مع "د ل مودي" بعد أن اختبر الامتلاء بالروح القدس إذ أنه بعد أن ألقى الدعوة في إحدى الكنائس لقبول المسيح، وقف خمسمائة شخص؛ فاستغرب وخشي أن يكونوا قد أساءوا فهمه فطلب منهم الجلوس، ليوضح الموضوع بأكثر تفصيل، ثم عاد فألقى الدعوة مرة أخرى فوقف نفس العدد ثانية.
نرى أن نصيحة الروح القدس لنا في الكتاب المقدس هي ألا نهاجم جُليات (العالم) بسلاح كسلاحه، فمعدات أولاد الله وذخائرهم هي روحية وليست عالمية؛ فلم ينتصر داود على جليات بالسيف والرمح بل باسم رب الجنود. وإذا لم نتعلم هذا السر فالانكسار والاندحار نصيبنا. لأنه "لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود."
قد يصرف بعض المؤمنين أوقاتًا طويلة في دراسة الطبيعة البشرية والأساليب الحديثة والخطط والكيفيات والتنظيمات والمواقع الاستراتيجية في سبيل الخدمة، ويأملون من وراء هذه المجهودات النجاح والوصول إلى النفوس؛ بينما الله يطلب منهم التوبة والصلاة والصوم: "ها إن يد الرب لم تقصر عن أن تخلص، ولم تثقل أذنه عن أن تسمع. بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم، وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع." (إشعياء 1:59-2)
"فإذا تواضع شعبي الذين دُعي اسمي عليهم وصلوا وطلبوا وجهي، ورجعوا عن طرقهم فإنني اسمع من السماء وأغفر خطيتهم وأُبرئ أرضهم."
"لكي تأتي أوقات الفرج (الانتعاش) من وجه الرب." (أعمال 19:3)
وقد لخص رجل الله "فانس هافنير" الموضوع بكامله عندما قال: "نحن الذين نخطط للنصر نصرف وقتًا طويلاً في دراسة أسلحة جليات. بينما الأفضل لنا أن نعرف سر قوة داود."
وبينما يبحث العالم في هذه الأيام عن وسائل أفضل، يفتش الله عن رجال أفضل؛ رجال يعيشون قوة رسالة الإنجيل، رجال ممسوحين بالروح القدس همهم الأول في الحياة مجد المسيح. وإليك هذه القصة الواقعية:
شعر بعض الخدام أنهم يفتقرون إلى الاتصال المباشر مع الجماهير لتقويم إنجيل الخلاص لهم، فتنادوا إلى مؤتمر كبير عقدوه للبحث في هذه المسألة. وكان بين المدعوين رجل (سأذكر لك اسمه في النهاية) عمليّ لا يؤمن بالمناقشات ولا بالمؤتمرات وإنما بالعمل والتنفيذ. هذا خرج من قاعة المؤتمر واجتاز المدينة إلى أن وصل إلى الناحية التي يمر فيها عمال المصانع ساعة رجوعهم إلى بيوتهم. فوقف على برميل وابتدأ بالترنيم حتى تجمّع حوله عدد من العمال فأخذ يكلمهم عن المسيح. وسرعان ما ازدحم الشارع الذي يعظ فيه بالجماهير، حتى أجبرته الشرطة على مغادرة ذلك الشارع والذهاب إلى مكان آخر. فقال للعمال: اتبعوني، فتبعوه وسار بهم إلى قاعة المؤتمر الكبيرة حيث يجتمع الخدام فملأوا القاعة، فتابع ذلك الرجل رسالته لجمهور العمال، وفي النهاية ألقى الدعوة وقبِل المسيح عدد لا بأس به منهم. وعندما انصرف العمال قال للمؤتمرين: "لسنا بحاجة يا إخوتي إلى مؤتمر نبحث فيه طرق الاتصال بالناس إنما حاجتنا الوحيدة هي الاتصال بالناس." أتعرف من كان هذا الرجل؟ إنه "د ل مودي".
لنرجع إلى طرق الله القديمة فنجد راحة لنفوسنا. لنستخدم وسائل الله فيُنجح الله خدمتنا. لنعتمد على الروح القدس فيكرمنا بنفوس كثيرة. وما زال الله يبحث عن رجل يقف في الثغر، عن رجل يقف أمامه، عن رجل يتكرس له، عن رجل يقف مع الله. فقائمة القديسين الأفاضل من رجالات المسيح تتسع أيضًا لأسماء جديدة.
أجل، إن الخدمة الناجحة لا تنفصل عن الروح القدس، فإنهما رفيقان متلازمان. غالبًا ما اقترن ذكر الروح القدس بذكر القوة فهما صنوان لا يفترقان. حذار من أساليب العالم، لنستخدم طرق إلهنا الذي له في الموت مخارج.
اطلبوا أولاً روح الله وقوّته، والخدمة الناجحة تزاد لكم. "وإذا لم تحصل على ما تريد، فتلك علامة على أنك إما أن تكون غير راغب فيه حقًا، أو أن تكون قد حاولت أن تساوم على الثمن."
أخوكم في الخدمة المقدسة،
القس غسان خلف