في تكوين الإنسان وضع الله في الإنسان غريزة البحث عن الله والتحدّث إليه؛ هذه الغريزة هي الصلاة! العين تشتاق إلى الجمال والآذان إلى الموسيقى الشجية، والقلب يحتاج إلى الصلاة. وقد تضعف الرغبة في الجمال أو في الموسيقى بضعف العين أو الأذن، أما الرغبة في الصلاة فهي تنمو وتزداد وتتقوّى بمرور الزمن.
وهنالك سؤال: هل الصلاة واجب حتمي فقط أم أنها امتياز وبركة؟ الجواب هو أن الصلاة واجب حتمي ملزم كما نرى في قول الرب يسوع: "ينبغي أن يصلى كل حين ولا يملّ." ولكنها في ذات الوقت هي امتياز وبركة. "فاعلموا أن الرب قد ميّز تقيّه. الرب يسمع عندما أدعوه." وإن كانت الصلاة واجب ملزم على جميع المؤمنين فهي أكثر وجوبًا على خادم الرب.
أولاً: هي الطريق الممهّد لنوال كافة البركات
وما أكثر هذه البركات! أذكر منها:
بركة عدم التعرّض للجفاف الروحي: إذا أهمل خادم الرب الصلاة يكون لسان حاله كداود الذي قال: "تحوّلت رطوبتي على يبوسة القيظ." الصلاة تقيه من التعرّض للجفاف الروحي الذي يجعل خدماته وكلماته غير مثمرة.
بركة الثمار الغنيّة: الخادم غير المصلّي يبذل مجهودًا كبيرًا في الخدمة. وعندما يقارن بين المجهود الذي بذله ونتائج خدمته لا يجد أية نتيجة. ولكن إذا قضى أوقاتًا في الصلاة يجد ثمارًا وفيرة. بعد أن مكث بطرس في علية الصلاة، ألقى رسالة واحدة بسيطة، لكنها قوية، فأثمرت ثمرًا كبيرًا، وقَبِل الرب حوالي 3000 نفسًا. قضى خادم في مدرسة الأحد ليلة كاملة في الصلاة، وبعد أن قدّم الدرس خلص عدد كبير من الأولاد.
بركة الانتصارات القوية: خادم الرب هو أكثر شخص يتعرّض للمحاربات الشيطانية. وأهم سلاح يجب أن يتسلّح به هو سلاح الصلاة. تحدّث الرسول بولس عن هذا السلاح فقال: "مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح." ويقول أيضًا: "صلوا بلا انقطاع." يتعرّض أيضًا خادم الرب للضيقات والمتاعب والمشقات. الخادم المصلي هو الذي ينتصر على التجارب، وهو يقول: لست مستحقًا فقط أن أضرب من أجل المسيح بل أن أموت لأجله.يتعرّض أيضًا خادم الرب للقلق والاهتمام والخوف. "لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر."
بركة الفرح الكامل: يقول الرب يسوع "إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي. اطلبوا تأخذوا، ليكون فرحكم كاملًا." والفرح شيء مهم جدًا في حياة الخادم. الخادم أحيانًا يفهم التصرّف الجاد بمفهوم خاطئ فتظهر آثار الحزن على تقاطيع وجهه. ولكن في مخدع الصلاة يكشف الروح القدس أوجه الخطأ في هذا الفهم، ويمنحه أن يفهم الأمر بطريقة صحيحة، إذ يمكنه أن يكون جادًا وآثار الفرح بادية على تقاطيع وجهه وبذلك يقدم رسالة عملية. إن قبول المسيح مخلصًا وربًا يفرّح الإنسان فرحًا عظيمًا. "افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا: افرحوا."
بركة الحصول على العون الإلهي: تقول كلمة الله: "فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونًا في حينه." نحتاج إلى عون روحي يرشدنا إلى ما نقوله وأيضًا ليعدّ القلوب للاستماع. ونحتاج إلى عون صحي وقوة بدنية للعمل. ونحتاج إلى عون مادي لنجاح الخدمة.
بركة اتساع العمل وكثرة عدد العاملين: وهذان الأمرين هما غاية في الأهمية. يقول الرسول بولس: "الأمر الذي لأجله نصلي أيضًا كل حين من جهتكم: أن يؤهلكم إلهنا للدعوة، ويكمّل كل مسرّة الصلاح وعمل الإيمان بقوة لكي يتمجد اسم ربنا يسوع المسيح فيكم، وأنتم فيه، بنعمة إلهنا والرب يسوع المسيح." قال الرب يسوع: "الحصاد كثير، ولكن الفعلة قليلون. فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده."
ثانيًا: الصلاة في حياة الخادم مدرسة تنمّي معرفته بالله
معرفة الله أكثر: كان بولس الرسول يعرف الرب يسوع، ولكنه يقول: "لأعرفه، وقوة قيامته، وشركة آلامه، متشبهًا بموته." إن كان جميع المؤمنين مطالبين بالنموّ في معرفة الرب فخادم الرب مطالب أكثر بالنموّ في المعرفة، وذلك مفيد في كل مجالات الخدمة الروحية. "انموا في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح."
معرفة الخادم لنفسه: قال أحد الأشخاص، "إن أكثر الأمور غموضًا بالنسبة للإنسان هو الإنسان نفسه." هذا الشيء الغامض يمكن أن يكتشفه خادم الرب في مخدع الصلاة. عندما كان إشعياء في الحضرة الإلهية (أثناء فترة الصلاة)، قال بعد أن رأى الرب: "ويل لي لأني هلكت. لأني إنسان نجس الشفتين."
معرفة كلمة الله: يحتاج خادم الرب في كل مجال من مجالات الخدمة إلى المزيد من المعرفة لكلمة الرب. قد يفكر البعض بأن خدمة مدارس الأحد تحتاج إلى أشياء بسيطة وأجزاء قليلة من كلمة الله. لكن أقول إن خادم الرب الذي يعمل في مدارس الأحد يحتاج إلى معرفة أكثر بكلمة الرب. فقد أوصى الرسول بولس تلميذه تيموثاوس: "اعكف على القراءة والوعظ والتعليم" رغم أنه سبق وقال له: "وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة." فالوصية التي أوصاها ليست خاصة به فقط ولكنها خاصة بكل خادم.
معرفة حاجة الآخرين: ما أكثر حاجة النفوس القريبة من الهلاك الأبدي؟ هذه الحاجة يكشفها الروح القدس في مخدع الصلاة. سوف يكشف الروح القدس حاجة هؤلاء إلى المعونة. "اعبر إلينا وأعنا." كشف روح الرب لفيلبس أن هناك نفسًا تحتاج إلى الخلاص، وأقنعه الروح القدس بأن يترك السامرة الناهضة والتي نجحت رسالته فيها نجاحًا عظيمًا وذهب إلى البرية التي لا يوجد فيها إلا نفسٌ واحدة.
معرفة الأسلوب الناجح في تقديم رسالة الرب للآخرين. إنه يتعامل مع فئات مختلفة، وكل فئة تحتاج إلى أسلوب خاص. فئة المقاومين وفئة غير المبالين، وفئة المهتمين قليلاً وفئة الذين لا يعلمون شيئًا عن الرب. فالصلاة ترشد الخادم وتوجّهه إلى الأسلوب والطريقة التي يتعامل بها مع هذه الفئات المختلفة ليربحهم للمسيح. قال الرسول بولس: "فإني إذ كنت حرًا من الجميع استعبدت نفسي للجميع لأربح الأكثرين."
ثالثًا: الصلاة في حياة الخادم مدرسة تدريب للفضائل الروحية الهامة في خدمته
1- الصلاة تدريب لفضيلة المحبة: المحبة نحو الله "من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟" والمحبة نحو الآخرين "وهذا أصليه أن تزداد محبتكم أيضًا أكثر فأكثر."
2- الصلاة تدريب لفضيلة الإيمان: صلى الرسل صلاة قصيرة وهامة جدًا قالوا فيها: "زد إيماننا." وعندما قال الرب يسوع "لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم." ويُقصد بحبة الخردل ليس حجمها بل قوتها وصلابتها.
3- الصلاة تدريب لفضيلة الوداعة: يقول الرب يسوع في عظته على الجبل: "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض." وقال الرسول بولس: "أطلب إليكم بوداعة المسيح... بكل تواضع ووداعة."
4- الصلاة تدريب لفضيلة الطاعة: الصلاة هي نفسها طاعة لله وكلما صلينا أكثر أثبتنا طاعتنا لله بأنها قوية. لو لم يكن فيلبس مصليًا لما أطاع دعوة الله ليترك السامرة ويذهب إلى برية شمسها محرقة ورمالها ساخنة ووحوشها ضارية.
صلى كاتب المزمور: "علمني أن أعمل رضاك، لأنك أنت إلهي."
5- الصلاة تدريب لفضيلة إخضاع إرادة الإنسان لإرادة الله: قال الرب يسوع: "لتكن لا إرادتي بل إرادتك." وأوصانا في الصلاة الربانية أن نطلب قائلين: "لتكن مشيئتك."
وعندما تخضع إرادتنا لإرادة الله نضم صوتنا مع كاتب المزمور "أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت."
6- بالصلاة يتدرب الراعي على التواضع: الخادم أكثر الناس عرضة لتجربة الكبرياء. فإذا نجحت رسالته يأتي الشيطان ويوعز إليه بأنه هو سر نجاح الرسالة. ولكن إذا كان الخادم رجل صلاة فإنه ينسب نجاحه لقوة الله ونعمته. يقول الرسول بولس: "أنا ما أنا، ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة، بل أنا تعبت أكثر منهم جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي."
7- بالصلاة يتدرب الضمير: يقول الرسول بولس: "أدرّب نفسي ليكون لي دائمًا ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس." وعندما يكون له هذا الضمير يهتف خادم الرب قائلاً: "إني أشكر الله الذي أعبده من أجدادي بضمير طاهر."
8- بالصلاة تتدرب الحواس: يقول كاتب العبرانيين: "صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر." فالخادم إذا انشغل بأمور العالم وأهمل الصلاة يفقد رؤيته وحواسه. هذه الحواس تتدرب عن طريق الصلاة، فيكون لخادم الرب أعينًا الروحية وتذوّقًا روحيًّا. عندما لمس الرب الإنسان الأعمى أبصر، ولكنه أبصر الناس كأشجار، وعندما لمسه الرب اللمسة الثانية انفتحت عيناه ورأى كل شيء طبيعيًا. بالحواس المدربة نتعرف على أعمال الرب، ونسمع صوته فنعرفه، ونتلذذ بتذوّق عشرته. حواسنا تنفتح على السماويات وننضج نضجًا روحيًا، ونميّز بين التعاليم الإلهية وتعاليم الناس، ونميّز بين النافع والضار.
رابعًا: الصلاة لها أهميتها في حياة خادم الرب لأنها همزة الوصل بينه وبين الله
بالصلاة يرفع الخادم تقريره وينتظر الإرشادات الإلهية. تقول كلمة الرب: "ينبغي أن يصلى كل حين ولا يملّ." "صلوا بلا انقطاع." "مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح، وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة." بالصلاة يتقابل خادم الرب مع مرسله وبها يستمر الاتصال بين الخادم والله.
خامسًا: الصلاة لها أهميتها في حياة الخادم لأنها الطريق إلى الملء بالروح القدس
قال الرب يسوع، له كل المجد: " فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري الآب الذي من السماء، يعطي الروح القدس للذين يسألونه؟" ونقرأ في أعمال 4 هذا القول المبارك: "ولما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه، وامتلأ الجميع من الروح القدس، وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة."
يعطي خادم الرب المصلي مسحة خاصة. "وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس." "وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء، وهي حق."
سادسًا: الصلاة مهمة في حياة الخادم لأنها تعطيه إحساسًا قويًا بقيمة النفوس
كم من أطفال خلصوا في سن مبكرة جدًا وأصبحوا من عمالقة الإيمان؟ قرأت عن أشخاص تجددوا في سن السادسة. تقول كلمة الرب: "نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس. الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء، الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم."
أختم بهذا القول، إن الخادم بإهماله أمر الصلاة يرتكب خطية ضد الله وضد نفسه وضد الآخرين. قال صموئيل: "وأما أنا فحاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكفّ عن الصلاة من أجلكم." كما أنه يخطئ أيضًا إلى نفسه إذ يحرمها من شرف الحديث مع ملك الملوك ورب الأرباب. ويخطئ إلى الآخرين الذين يحتاجون إلى الصلاة. كتب بولس المصلي يقول: "ذاكرًا إياكم في صلاتي."
أخوكم وشريككم بالخدمة القس رسمي إسحاق