Voice of Preaching the Gospel

vopg

نبذ روحية

قراءات في كتاب: ”البحث عن الحق“

من واقع حياة الدكتور إبراهيم دشموخ


عندما يحدثك شخص مخلص أمين من واقع حياته، ترتاح إليه..

نركّز هنا على الفصلين الثالث والرابع من هذا الكتاب وفيهما المواضيع التالية:

  • ماذا حدث بعد معصية أبوينا آدم وحواء؟
  • الخطيئة والخلاص من منظور إسلامي
  • خلاص الله بالمسيح
  • دَيْن نحو القرآن في عنق الدكتور إبراهيم
  • كيف أولد من جديد ولماذا؟
  • تكلفة التلمذة

ذكر الطبيب الهندي إبراهيم دشموخ في كتابه "البحث عن الحق":

لما درست القرآن وجدت أنه لا خطأ في أن أستشير أهل الكتاب، فهكذا أمر القرآن محمداً (يونس 94). فلماذا لا أستشير أسفار أهل الكتاب، وهي مترجمة إلى لغتي التي أفهمها؟ لقد شعرت من قبل بجاذبية نحوها، لكن عندما بدأت أدرسها بعمق جذبتني كالمغناطيس، أو إن شئت فقل إنها كانت كالمصباح الذي يجتذب الفراشة.

1- الخطيئة خاطئة جداً

"لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أو ماذا يعطي الإنسان فداءً عن نفسه؟" (متى 26:16).

يتحدث القرآن والكتاب المقدس عن جنة عاش فيها أبوانا الأولان - آدم وحواء - في توافق مع الله. وكانت علاقتهما بالله قريبة وشخصية، لأن الخطية لم تكن قد لطّختهما بعد. وتقول الكتب جميعاً إن آدم وحواء كانا مسئولين أمام الله. لكن عندما عصيا أمره طردهما من الجنة، ولم يعودا إليها أبداً، كما لم يدخلها واحد من نسلهما. ومنذ ذلك الوقت صار الإنسان في صراع ضدّ الله، وضدّ الآخرين، وضدّ نفسه. ويروي الكتاب المقدس والقرآن معاً قصة الجنس البشري المحزنة.

ولكن، هل يهتم الله حقاً بعصيان الإنسان وما نتج عن ذلك، أو هل يبقى الله بعيداً عن ذلك كله لا يهتم به؟ فإن كان لا يهتم، فلماذا أرسل الهدى للبشر، ولماذا يكافئ الطائعين ويعاقب العصاة؟ ولماذا يرضى ويُسرّ بالخير ويغضب على الشر؟ أما إن كان الله يهتم، ألا يليق بنا أن نفكّر في علاقتنا به. ولا نفكر فقط في أوامره التي عصيناها، بل أيضاً في صاحب الأمر الذي لم نستمع له؟

إني أدرك كيف يعيش البشر بوجهين، ويكيلون بمكيالين. وكنت أتمنى لو أن الله تغاضى عن عقاب عصياني. ولكني في قلبي كنت أدرك أنه يهتم ويعاقب العصاة، وهذا يعني أنه يريد أن يغفر لكل من يحس بالأسى والحزن على العصيان، لأن كسر أمر الله عصيان على الله نفسه. لقد كنت أدرك أني خاطئ ومريض روحياً، وأن خطاياي تضايق الله وتجعله يغضب. وكنت محتاجاً للتوبة، وأن أختبر الغفران، والعناية الإلهية الروحية. وفتّشت وبحثت أكثر فوجدت أني محتاج أن أخلُص من نفسي الأمّارة بالسوء، وأن أتغيّر في الداخل. فإن كان الطفح على الجلد عارضاً فإن الخطايا أعراض لمرض القلب الروحي.

2- الخطية والخلاص من منظور إسلامي

كل من يقرأ القرآن يكتشف الآيات التي تصف رعب الجحيم، وملّذات أهل الجنة، والطريق الذي يؤدي إلى الاثنين (الحاقة 13-32). ولم تكن الحياة في هذا العالم والعالم الآتي مسألة دراسة أكاديمية بالنسبة لي، بل كانت أمراً أصابني بالرعب من الآخرة التي تنتظرني. وبدأت أسأل: كيف أهرب من الجحيم وأدخل الجنة؟ لقد اندهشت أن كثيرين يتلون القرآن ككلمة الله ومصدر الحكمة والمعرفة، ولكن قليلين منهم يقرأونه ليكلمهم شخصياً عن مصيرهم الأبدي.

ولقد وجدت الأمور الآتية في الآيات التي تتحدث عن خطية الإنسان وخلاص نفسه:

أ- هناك آيات قرآنية كثيرة تشير إلى خطيئة الإنسان، ونسيانه، وعصيانه، ونفاقه. وحتى لو كان للإنسان اسم حسن بين الناس، فإنه في داخله محتاج إلى التوبة والمغفرة. وهناك خطايا لا يمكن أن تكون لها مغفرة هي الشرك والكفر (النساء 116)، ومع أننا نغفر للآخرين، وقد يغفر الآخرون لنا، لكن غفران الله لنا يتوقف عليه وحده (الحجر 49-50؛ آل عمران 129؛ النساء 17-18).

ب- يرتبط دخول الجنة بالإيمان بالله والأعمال الصالحة (البقرة 62). والإيمان بالله يعني الإيمان باليوم الآخر، والملائكة، والكتب، والرسل خصوصاً خاتمة الأنبياء والمرسلين "محمد" وطاعتهم (البقرة 177). ويرتبط بالإيمان النطق بالشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج. ويقول القرآن إن الدين المقبول الوحيد عند الله هو الإسلام (آل عمران 85). ولذلك فإن الارتباط بالأمة الإسلامية سبب رئيسي للسعادة الأبدية.

ج- الله عادل، والبشر جميعاً مسئولون أمامه. وهم يتّخذون قرارهم بأن يقبلوا هدى الله أو يرفضوه، وعليهم وحدهم يتوقّف مصيرهم. ”ولا تزِرُ وازرةٌ وٍزْر أخرى. وإن تدعُ مُثْقلةٌ إلى حِمْلها لا يُحمل منه شيء، ولو كان ذا قربى. إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب، وأقاموا الصلاة. ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه، وإلى الله المصير“ (فاطر 18). نعم، لا تزر وازرة وزر أخرى، فالله يرى ويسمع ويعرف كل عمل ولا يخفى عنه شيء ولا تغيب عن معرفته حقيقة، فالقرآن نذير لنا.

د- ويخبرنا القرآن بإمكانية الشفاعة بإذن الله، ولكنه لا يذكر لنا تحت أي شروط تصبح هذه الشفاعة فعالة (الزمر 44، سبأ 23).

هـ- الله غفور رحيم كما تقول السور الزمر 53-54؛ والأنعام 12.

و- صحيح أن الله يهدي، لكنه يُضلّ أيضاً (الزمر 23 و36 و37؛ النحل 93؛ الإسراء 97). فالله صاحب السلطان الكامل على مصير الإنسان الأبدي وعلى الخليقة كلها. وعلى هذا فإن مصير الإنسان يتوقّف على إرادة الله (الأنعام 150 والإسراء 54).

فإن كان الإنسان لا يمكن أن يعرف مصيره الأبدي، فكيف أعرف أنا؟ وكيف أعرف الآن أو فيما بعد إن كان إيماني وأعمالي مقبولَين أمام الله؟ هل يقبل توبتي؟ هل يغفر خطيتي؟ هل يرحمني؟ فإن لم أكن أعرف، فما معنى توبتي وطلبي للغفران؟ لقد قرأت عن الجحيم "وإن منكم إلا واردها، كان على ربك حتماً مقضياً" (مريم 71). فكيف أهرب من هذا، حتى لو قمت بكل العمل الصالح؟ لقد كُتب على كل إنسان أن يدخل الجحيم!

وإذا كان أبو بكر - وهو من المبشَّرين بالجنة - يقول: "لو أن إحدى قدميَّ في الجنة، والأخرى خارجها، لا آمن مكر ربّي"، فما عساي أن أفعل أنا؟

ويؤمن المسلمون أن القرآن هو معجزة الله العظيمة وبركته للبشر، ويقولون إنهم يجدون فيه الهدى. وحسناً يفعلون. لكن هل يتبعون هذا الهدى؟ وهل يعطيهم هذا الهدى تأكيد الله خلاصهم الشخصي؟ لقد تألمت جداً لأني لم أجد في القرآن إجابة تشبع احتياجي. وفي يأسي تركت التفتيش والبحث، ولو أن عطشي الروحي كان يتزايد على الرغم من محاولتي إرواءه من نصوص القرآن ولكن من غير جدوى.

3- خلاص الله بالمسيح

في موعظة ألقاها كليم الله موسى قال: "إن طلبتَ من هناك الرب إلهك تجده، إذا التمسته بكل قلبك وبكل نفسك. عندما ضُيِّقَ عليك، وأصابتك كل هذه الأمور في آخر الأيام، ترجع إلى الرب إلهك وتسمع لقوله، لأن الرب إلهك إله رحيم، لا يتركك ولا يهلكك، ولا ينسى عهد آبائك الذي أقسم لهم عليه" (التثنية 29:4-31).

وذكر د. إبراهيم دشموخ في كتابه: عندما يقرأ إنسان - مكتف بحياته، راض عنها، غير ذاكر لآثامه - مثل هذه الكلمات مئات المرات، فلن تعني الكثير بالنسبة له. أما أنا، وبسبب قلقي على مصيري الأبدي، فقد بعَثَت هذه الكلمات فيَّ أملاً جديداً، وقادتني إلى دراسة أعمق للكتاب المقدس. وبدأت الدراسة، لا بالنقد البارد، ولا كقراءة اطلاع لمجرد المعرفة، بل قراءة العطشان إلى مغفرة الله. وقد كلمتني آيات أخرى في الإنجيل المقدس [الكتاب المقدس] بصوت واضح وعال، مثل "لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك" (لوقا 10:19). وقول المسيح: "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يوحنا 13:4-14).

وقول المسيح: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليَخْلُص به العالم" (يوحنا 16:3-17).

"تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (متى 28:11).

وكمسلم كنت أعلم أن المسيحيين منحرفون عن الصواب، لأنهم يؤمنون أن المسيح هو ابن الله، وأنه صُلب فعلاً، فليس المسيح أكثر ولا أقل من نبي مرسل من عند الله. وكانت فكرة أن الله يترك نبياً صالحاً كالمسيح ليد أعدائه ليصلبوه فكرة غير معقولة ومرفوضة! ولكن البراهين الكتابية على ما قاله المسيحيون جعلتني أعيد حساباتي. فلماذا يخترع المسيحيون مثل هذه الأفكار غير المعقولة ويتعلّقون بها؟ وهل المسيحيون متخلّفون عقلياً، أو هل هم مصابون بالكبرياء الروحية حتى يعتنقوا مثل هذه المعتقدات غير المعقولة؟ وقلت لنفسي: من الصواب أن يستمع الإنسان إلى آرائهم ويقرأ كتبهم، ويجعل كتابهم المقدس يدافع عن نفسه بما يقوله، بدلاً من أن نقول له ما يجب أن يعلنه وما لا يجب. إن الكتاب المقدس يقول إن "الله محبة" (1يوحنا 9:4و16). فإن كان الله محبة كما يعلن الإنجيل، فلماذا لا يظهر شخصياً في عالم يحتاج إلى محبته احتياجاً شديداً؟ لقد ارتفعت محبة الله إلى أسمى مستوى عندما نزلت إلى أعمق وأحطّ مستوى، لتعلن رسالة فرح للنفوس الخاطئة البعيدة عن الله! إن كلمة "إنجيل" تعني أخباراً مفرحة، والخبر المفرح هو أن الله يحب البشر. ويقول الإنجيل المقدس في ذلك: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة. والحياة كانت نور الناس. والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه.. والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا، ورأينا مجده، مجداً كما لوحيد من الآب، مملوءاً نعمة وحقاً" (يوحنا 1:1-5 و14).

وكلمات الإنجيل هذه تقول: إن المسيح، كلمة الله الأزلي، صار إنساناً. وككلمة الله يمكن أن نسميه "ابن الله". "كلمة الله" صار "يسوع" المولود من العذراء القديسة مريم بقوة الروح القدس. لقد كان وجود المسيح "كلمة الله وابنه" مستقلاً عن العذراء مريم. فإن كلمة الله، ابن الله، كان موجوداً من قبل وجود العذراء مريم. لكنه من رحمها أخذ جسداً. وهكذا وبطريقة لم يسبقه إليها أحد، ولم يلحقه أحد، أصبح ابن الله ابن مريم. والمسيحيون، شأنهم شأن المسلمين، يعتقدون أن بنويّة المسيح لله بنوية روحية. وأي خاطر عن صلة جنسية في هذه البنوية كفر مبين. وأي مسيحي لا يجد أي مشكلة في أن يتلو سورة الإخلاص، لأن شأنه شأن غيره من المسيحيين، يؤمن أن الله واحد، وأنه لم يتزوّج، وأن كون المسيح ابن لله لا يعني عدم وحدانية الله. بالعكس، فإنه بحسب الكتاب المقدس تكون بنويّة المسيح لله برهاناً على وحدانية الله.

ولما كان الله محبة، ومحبة مقدسة، فإن صليب المسيح يصبح أمراً معقولاً. ولنتأمل في الآيات الثلاث التالية:

"بهذا أُظهرت محبة الله فينا: أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به. في هذا هي المحبة، ليس أننا نحن أحببنا الله، بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا" (1يوحنا 9:4-10).

"الله بيَّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" (رومية 8:5).

والإنسان الطبيعي، الذي يفكر بالفطرة، يحتقر الخطاة ويكرههم. ولكننا جميعاً نستثني أنفسنا من هذه الكراهية! فعندما أخطئ لا أحتقر نفسي. ولكني أحاول أن أحبها وأغفر لها. وهكذا الأمهات، فالأم تحب ابنها مهما أخطأ ومهما انحرف، وهي تأمل دوماً في إصلاح أمره. إنها تكره أفعاله الشنيعة، لكنها لا تكرهه هو!

وحب الله لنا أعظم من ذلك، سبحانه! لذلك يقول نبي الله داود: "إن أبي وأمي تركاني، والرب يضمني".

صحيح أنه لا تزر وازرة وزر أخرى. فالقرآن والإنجيل متفقان معاً على هذا، بل إن الكتاب المقدس يقول إن الإنسان المخطئ لا يستطيع أن يتحمّل أخطاء نفسه. أما الله فيستطيع. ويقول الكتاب المقدس أنه بواسطة صليب المسيح فعل الله هذا الأمر نفسه. وصار صليب المسيح وسيلة الله لمغفرة خطايانا، وتغيير قلوبنا، ومنحنا حياة جديدة. ويوضح صليب المسيح لنا شناعة خطيتنا، ووزرها، وثقلها الذي ينقض ظهورنا، كما يبيّن لنا نتائجها الجهنمية، وتكلفتها العظيمة علينا وعلى الله نفسه. في صليب المسيح نجد قداسة الله ومحبته يتعانقان معاً. فلم يقف الله متفرّجاً على المأساة التي وقع فيها البشر جميعاً وماتوا، لكن حبه جعله يشترك في هذه المأساة فيدفع الثمن، لذلك قال المسيح إنه جاء فدية عن كثيرين. "لأن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليخدِم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مرقس 45:10). ويقول رسول المسيحية بولس: "الكل من الله الذي صالحنا بنفسه بيسوع المسيح"

(2كورنثوس 18:5).

وتبع صلب المسيح ودفنه عمل عظيم من أعمال الله، ففي اليوم الثالث قام المسيح من الأموات. وبالقيامة أعلن الله أن الصليب هو طريقه لخلاص البشر. ويكتشف كل قارئ للإنجيل المقدس أن الصليب والقيامة هما قلب الخبر المفرح الذي أعلنه الله للعالم، وبدونهما لا يكون الإنجيل خبراً مفرحاً. إما أن يقبل القارئ هذا الخبر أو يرفضه، فهذا شأن القارئ وحده. يطلب اليهود آيات، ويبحث اليونانيون عن الحكمة، ولكننا نحن نبشّر بالمسيح مصلوباً، مما يشكّل عائقاً عند اليهود بأن إلهنا ضعيف، وعائقاً عند الأمم بأن إيماننا غير معقول! وأما عند "المدعوّين" سواءً من اليهود أو اليونانيين فإن المسيح هو قدرة الله وكلمة الله "لأن جهالة الله أحكم من البشر، وضعف الله أقوى من البشر" (1كورنثوس 25:1).

ويضيف الدكتور إبراهيم دشموخ:

وإني كمسلم أستطيع أن أتفهّم موقف المسلمين من فكرة بنوّة المسيح لله، وصلبه. فقد ظهرت لي الفكرتان غريبتين ومرفوضتين تماماً. إلا أني بعد قراءة متعمّقة للكتاب المقدس انذهلت، ولا زلت مذهولاً.

أ- هل يدرك المسلمون أن المسيحيين يقدمون فكرة بنوية المسيح لله بطريقة تختلف تماماً عن الطريقة التي يقدمها القرآن؟

هل حقاً يرفض القرآن أن المسيح قد صُلب؟ وهل حاول المسلمون أن يدركوا معنى الصليب أو الهدف الكامن وراءه في نور قداسة الله ومحبته للبشر؟ وعندما يرفض المسلمون الأفكار الكتابية الأساسية، فهل يدركون ما يرفضونه؟ وهل يستطيعون أن يوضّحوا لماذا يرفضون ما يرفضونه؟

لقد ألقى شعوري بقداسة الله ومحبته، وإحساسي بخطيتي ضوءاً جديداً على علاقتي بالله، وعلى علاقة الله بي. ولم يكن قراري باتباع المسيح وطلب المعمودية قراراً سهلاً، لكنه جاء نتيجة جهد عقلي وروحي. وعندما اتخذت هذا القرار لم أكن غافلاً عن ما يحدثه من نتائج وخيمة عليّ في أوساط عائلتي ومجتمعي. ولكن بالرغم من التكلفة العظيمة عرفت أن السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب، وتوبتي كانت عودتي إلى حيث يجب أن أكون، إلى أبي السماوي، فألقيت بنفسي في أحضان رحمته (لوقا 15). لقد كانت القصص التي رواها المسيح عن الدرهم المفقود والخروف الضال، والابن الضال في هذا الإصحاح العظيم من الكتاب المقدس (لوقا 15) قصتي أنا شخصياً! إنها رواية حياتي، وسجل علاقتي بالله فكيف أصف صورة حياتي بأنها غير معقولة ومنسوخة وأن هناك ما يعلو عليها؟

4- دَيْنٌ في عنقي

أقول الصدق عندما أؤكد أن للقرآن دَيْناً في عنقي. لقد درسته بجدّية وتعلمت منه الكثير، كما لازلت أتعلم منه. لكن سؤالي هو: هل درس كتابٍ منزل غير القرآن أمر ممنوع؟ شعرت في حالتي أن القرآن يقودني تلقائياً إلى الكتب الموحى بها التي سبقته. ولقد اكتشفت في الكتاب المقدس ما أصبح بالنسبة لي المعنى الأسمى للآية القرآنية التي تقول: "هو الذي يُنزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم" (الحديد 9).

كيف أولد من جديد؟ ولماذا؟

وجاء في الفصل الرابع لكتاب الدكتور إبراهيم دشموخ:

طفل ينمو في الإيمان

ولادة شخص في عائلة مسيحية لا يعني أنه مسيحي، ذلك أن المسيحي الحقيقي هو الذي يولد ثانية ولادة جديدة بعمل الروح القدس، وهذا يعني ابتعاداً يومياً منتظماً عن الأفكار والأعمال الشريرة، والاتجاه إلى الله وكلمته للتغذية الروحية. وكما يجدد الإنسان قواه الجسدية، ويغذي جسده، هكذا يفعل المسيحي الحقيقي بروحه. وكطفل مولود حديثاً من الله كنت أجوع إلى كلمة الرب وإرشاده.

"فاطرحوا كل خبث ومكر الرياء والحسد وكل مذمة، وكأطفال مولودين الآن اشتهوا الحليب العقلي العديم الغش لكي تنموا به - إن كنتم قد ذقتم أن الرب صالح" (1 بطرس 1:2-3).

ويجد كل مولود من الله قوة في شركته مع المؤمنين الناضجين. ولكني حُرمت من هذه البركة لأنه لم يكن هناك مؤمنون ناضجون يعيشون بالقرب مني. ولكن الله استخدم زوجتي المحبوبة لتقف إلى جواري وتشجعني خلال الأيام العاصفة التي جاءت بعد تجديدي للمسيح.

وعلى كل مؤمن حقيقي أن يراجع معنى اختباره الجديد. هل هو اختبار حقيقي؟ هل دوافعه روحية نقية تجعل صاحبه يمتنع عن الشهوات الجسدية والإحساس بالصلاح الذاتي؟ من أي شيء تخلَّص الإنسان؟ ولأيّ هدف يتّجه؟ كيف يخدم الله والآخرين خدمة أفضل؟ كيف تكون علاقته مع عائلته وأصدقائه رقيقة مُحبَّة حتى لو وقفوا ضده؟ هل تعكس حياته الحاضرة التغيير للأصلح الذي يقول إنه اختبره؟ ولقد ساعدتني الآيات الكتابية التالية في هذا الموقف:

"فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم، لأن هذا هو الناموس والأنبياء" (متى 12:7).

"أعطوا تُعطوا كيلاً ملبداً مهزوزاً يعطون في أحضانكم، لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يُكال لكم" (لوقا 38:6).

"فليضيء نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (متى 16:5).

"فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (متى 48:5).

ولقد ساعدتني هذه الآيات الكتابية ومثيلاتها على أن أدرك موقفي في حياتي الجديدة، ومنحتني الهداية في الاتجاه السليم. ولكن الآية الأخيرة التي اقتبستها تقول: "كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" - فكيف يفهم تلميذ المسيح هذه الآية، وكيف يطبقها على حياته؟ ولقد وجدت الفجوة الكبيرة بين الحياة الواقعية وما يطلبه المسيح منا - وهو يعرف ضعفاتنا. وكنتُ أعلم أن المسيح يعرف ضعفاتي الشخصية أفضل مما أعرفها أنا – ومع ذلك فكيف يطالبنا بهذه المُثُل العليا؟

ويستغرق الإنسان وقتاً حتى يكتشف أن التأمل والصلاة يجعلان مثل هذه المثُل العليا منعشة ومدمرة معا! تدمر، بسبب ضعفنا الإنساني، وتنعش بسبب الثقة التي يضعها المسيح في تلاميذه. إنه لا يضع أمامهم هدفاً منخفضاً، لكنه يتوقع منهم مواقف مرتفعة عالية في الخدمة والسلوك، تماماً كما عاش هو! كما أنه دوماً يقف إلى جوار تلاميذه، ويشجعهم ويوجههم نحو الهدف المرتفع، ويدفعهم ويلهمهم. فإذا تعثروا وسقطوا، فإنه يمد يده إليهم ليرفعهم إلى أعلى، كما قال نبي الله داود عن المؤمن: "إذا سقط لا ينطرح، لأن الرب مسند يده" (مزمور 24:37). ومكتوب عن المسيح في الإنجيل: "لأنه في ما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين" (عبرانيين 18:2).

ويعرف كل من يقرأ كلمة الله أن المسيح قضى وقته يخدم الناس، فشفى المرضى، ثم ترك لتلاميذه مسئولية الشفاء أيضاً. ونسبة المسيحيين العاملين في ميدان الطب والتمريض في الهند هي من أعلى النسب. ويبدو أن تلاميذ المسيح نفذوا ما كلّفهم المسيح به، ولذلك فقد أحسست أن مواهبي الطبية عطية لي من الله، فكل ما عندي عطية من ربي "وأي شيء لك لم تأخذه؟" (1كورنثوس 7:4). صحيح أني عندما بدأت دراستي الطبية كانت دوافعي إنسانية بحتة. وهذا ما تعلمته في المدرسة، وما توقعه الناس مني، وهو هدف عظيم في ذاته. ولكن ماذا عن الدوافع الأخرى النابعة من الاهتمامات الشخصية، مثل تكوين الثروة، والمركز الاجتماعي، والسلطان السياسي؟

لقد ساعدتني بعض الآيات من الإنجيل المقدس لأفهم معنى التلمذة للمسيح، ولأحيا تلميذاً له. لأنه "من دُعي في الرب وهو عبد فهو عتيق في الرب. كذلك أيضاً الحر المدعو هو عبد للمسيح" (1كورنثوس 22:7).

"أنتم نور العالم. لا يمكن أن تُخفى مدينة موضوعة على جبل، ولا يوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة، فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (متى 14:5-16).

وهذا يعني أن الله لم يخلقني فقط، ولم يهبني موهبة الطب فقط، بل أكثر من ذلك، اشتراني بدم المسيح. فأنا ملكه، كابن له فداني وغفر خطاياي وحررني لأخدم أهدافه، ولأطلب مدح مجد اسمه وليس مدحي أنا. لقد جعلني آلة ي يده، أشير لا لنفسي بل إليه هو كالنبع الوحيد للصلاح، فالسبح كله لأسمه. ألا تزيد خدمة الابن والابنة عن خدمة العبد والخادم؟

تكلفة التلمذة

لم يقل الكتاب المقدس أبداً إن المسيحي سيحيا حياة سهلة "فأي ابن لا يؤدبه أبوه؟" (عبرانيين 7:12) ولكن الله يعطي أولاده القوة التي تمكنهم من مواجهة الصعوبات. ولقد أدرك عقلي هذه الفكرة، ولكن لم أختبر ذلك شخصياً إلا في ديسمبر 1979 عندما أصابني سرطان الغدد. ولقد كنت أعرف الإشارات القرآنية إلى نبي الله أيوب. وقرأت قصته مطولة عن آلامه ومحنه التي احتملها بصبر، كما رواها الكتاب المقدس. أما بعد مرضي فقد استطعت أن أحس بما أحس به أيوب، لأن السرطان وعلاجه أصابا جسدي بآلام مبرحة.وعرفت كما عرف أيوب من قبلي أن حكمة الله أعظم من حكمتي. وتأكدت أن الله يعتني بي في ضعفي، لأن قوة القيامة أعقبت آلام الصليب. وعندما اختبرت بركة قوة نعمة الله وسط الضعف الجسد البشري، أدركت سر الإيمان المسيحي الذي خلَّصني من الاعتماد على نفسي، أو الحديث عن قدري وحظي، لأني أدركت أن الله مصدر كل خير، وأن هذا السرطان الذي أصابتني هو للخير.لا بد أن عضلات الإنسان تتعب وهو يجري في سباق، ولا بد أن أوتار الكمان تتوتر لتخرج الموسيقى هكذا توتر جسدي وتعب ليعلن اعتماده الكامل على الله.

لقد علَّمنا المسيح أن الإيمان الواثق في أبوة الله يمكن أن ينقل الجبال ويعمل المعجزات. وبعد ثمانية عشر شهراً من علاج السرطان أصبت بنكسة، فقد تقيحت قدمي، وقرر الأطباء ضرورة بترها. ولكن الله أجرى معجزة شفاء استجابة للصلاة. واليوم (ينعمته) أقف على قدميَّ الاثنتين.

المجموعة: نبذ روحية

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

89 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10472517