أذار (مارس) 2009
ينطبق محتوى سفر حبقوق تماماً على ما نجوز فيه هذه الأيام.. ونجد في السفر صرخة وصلاة موجّهة إلى الله. لقد تحيّر حبقوق، وفي حيرته يخاطب الله: يا رب، "عَيْنَاكَ أَطْهَرُ مِنْ أَنْ تَنْظُرَا الشَّرَّ... لِمَ تُرِينِي إِثْمًا، وَتُبْصِرُ جَوْرًا؟" (حبقوق 13:1 و3).
وكأنه يقول: كيف تسمح لأمة لا تعرفك أن تؤذي شعباً يعرفك؟
وإذ ننتقل في السفر نجد بارقة أمل، بل ثقة ورجاء.. لقد انتقل حبقوق من الأنين إلى اليقين، ودخل من الحيرة إلى النصرة. وهذه صلاتي لنا جميعاً، أن نختبر هذا التغيير الذي اختبره حبقوق.
سر التغيير
نجد في السفر أمرين: الأمر الأول أن الرب أعطاه رؤيا، والثاني أن حبقوق رفع صلاة، ولنبدأ بالصلاة.
أولاً: صلاة حبقوق
يقول حبقوق: "يَا رَبُّ، قَدْ سَمِعْتُ خَبَرَكَ فَجَزِعْتُ" (حبقوق 2:3). أتذكر يا رب كيف عملتَ في الدفاع عن شعبك، كيف أخرجتَهم من أرض العبودية! كيف حملتَهم وسرتَ بهم في البرية... كيف حطّمتَ أمامهم أسواراً.. كيف أوقفت الشمس أثناء حكم يشوع!! "يَا رَبُّ، عَمَلَكَ فِي وَسَطِ السِّنِينَ أَحْيِهِ" (حبقوق 2:3).
ونحن أيضاً نتساءل: يا رب، أين أعمال قدرتك؟ نحن نعلم أنك أنت هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد، فلماذا لا تنعش كنيستك وتحافظ على شعبك؟ يا رب، هل أعمالك العظيمة تاريخ نقرأه... إلى متى يا رب؟
ويجيب الرب: لقد نزلت قديماً وأنقذت شعبي، ولكني أنا الذي أسألكم: حتى متى أدعوكم ولا تجيبون... حتى متى تحزنون وتطفئون روحي القدوس؟
لذلك نحتاج أن نفحص أنفسنا وأن نصلي بل ونصرخ: "يَا رَبُّ، عَمَلَكَ فِي وَسَطِ السِّنِينَ أَحْيِهِ". لنصلِّ ونحن نؤمن حقاً أن الله إله المعجزات وأنه لا زال يعمل وسيعمل.
ثانياً: الرؤيا التي رآها حبقوق
قال الرب: "اكْتُبِ الرُّؤْيَا وَانْقُشْهَا عَلَى الأَلْوَاحِ... إِنْ تَوَانَتْ فَانْتَظِرْهَا" (حبقوق 2:2 و3).
في هذه الرؤيا أكّد الرب لحبقوق أنه مسيطر على كل الأحداث، وأن خطة الله لا بدّ وأن تتحقّق حتى تؤتي ثمارها... ولذلك يقول: "الْبَارُّ بِإِيمَانِهِ يَحْيَا" (حبقوق 4:2). للرب توقيت معيّن يُنفّذ منه خطته لأولاده. تخيّلوا معي لو أن يوسف خرج من السجن عندما أراد، ورجع إلى بيت أبيه، ماذا كان سيحدث؟
ألا يُحتمل أن يقتله إخوته؟ لكن توقيت الرب كان يُعدّ يوسف لإنقاذ شعبه من المجاعة. قد نجتاز أحداثاً كثيرة ونعتبرها شراً، ولكن الرب يتدخّل ويحوّل الشر إلى خير، وهذا هو جوهر الإيمان.. فلنثق أن الرب صالح ونحيا بالإيمان.
قال الله: "اكْتُبِ الرُّؤْيَا وَانْقُشْهَا... لِكَيْ يَرْكُضَ قَارِئُهَا" (حبقوق 2:2). لقد أعطانا الرب كلماته، وهي رؤيا ثابتة. إن لنا إلهاً قادراً مخلصاً وفادياً وشفيعاً، وعندما صعد المسيح إلى السماء وقف تلاميذه يشخصون مبهورين. وإذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض وقالا: "إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ" (أعمال 11:1).
هذه الرؤيا تحوِّل الشك إلى يقين، كما تحوِّل الحيرة إلى فرحة. لقد خبَّر الملاكان تلاميذ الرب يسوع بمجيئه ثانية كما ورد الحديث عن مجيئه في النبوات، تحقق البعض منها في مجيئه الأول متجسداً للفداء، وسيتحقّق الباقي عند مجيئه الثاني.
لو تابعنا الأحداث في هذه الأيام نجد صرخة الشر في كل مكان. هناك جوع عالمي، هناك زوابع وزلازل وفيضانات. هناك أحداث قد نعتبرها شراً، ولكن يمكن أن يعمل الله من خلالها لخير الإنسان الروحي والزمني.
هذا الكساد والجشع.. هذا الإرهاب والفساد.. ألا يوقظ الضمائر ويُحرِّك القلوب للتوبة والعودة إلى الله؟
أحبائي، ليس لنا أن نحدّد موعد مجيء المسيح ثانية، لكن علينا أن ندرك ما وراء الأحداث. إن الرب قريب والرؤيا لا بد أن تتحقّق، ولذلك علينا أن ننقشها بوضوح وأن نبلِّغها للآخرين.
هذا العالم الذي لم يعرف المسيح على حقيقته، هذا العالم الذي يرفض الإيمان به.. الذي يجرّده من سلطانه وألوهيته... لقد رفضه قادة اليهود وقالوا: "دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا".
عندما قام المسيح بعد الصليب أظهر نفسه لتلاميذه وللإخوة الذي آمنوا به، ولكن عند مجيئه ثانية، "هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ" (رؤيا 7:1).
نحتاج أن نصلي بل نصرخ: "يَا رَبُّ، عَمَلَكَ فِي وَسَطِ السِّنِينَ أَحْيِهِ" ونحتاج أن نعمل عمله، فلا زال الحصاد كثير والفعلة قليلون!